يعود مصطلح ماسوشية أو مازوخية إلى الروائي والصحافي النمساوي زاخر مازوخ، الذي كان يكابد مجموعةً من الرغبات الغريبة المتمثّلة برغبته في جلب الأذى لنفسه والبحث عن الشعور بالإشفاق. وقد انتهى به الأمر إلى جمع هذه الرغبات تحت مسمّى "مازوخيّة" مخلّداً بذلك آلامه الخاصة.
الماسوشيّة هي حالة من الانحراف الجنسيّ في الميل، حيث يستمتع من خلالها المرء بصناعة الألم لنفسه. ويختلف هذا الألم من حالة إلى أخرى، فقد يكون هذا الألم جنسياً، وقد يكون أذىً جسدياً، وقد يكون أذىً لفظياً، كأنْ يتقصَّد الماسوشي استفزاز شخص آخر ليقوم بكيل الشتائم له، أو قد يضع نفسه في موقف يستوجب التوبيخ واللوم.
والماسوشية أنماط متعدّدة، فمنها الماسوشية الأولية وإحدى صورها التلذذ بالألم الجسديّ أو محاولة الانتحار أو حرق الجسم بالنار أو الاشتراك غير المبرّر في مغامرة تقود إلى الخطر. وقد يأتي هذا العقاب الجسدي على شكل "طقسيّ" فيتم بصورة جماعية.
وهناك الماسوشية المثالية (الكاذبة) التي يرغب فيها الماسوشي لعب دور "الشهيد" والمضحّي من أجل الآخر والغيور على مصالح الناس.
وهناك أيضاً الماسوشيّ الساعي نحو الإخفاق والفشل. ولتقريب هذه الحالة دعونا نضرب مثالاً:
تاجر يمتلك "رأسمال" صغيراً يقوم بعقد صفقات لا تتناسب مع الرصيد الذي يمتلكه، ويقحم نفسه في مشاريع عبثية يدرك مسبقاً بأنها، ولا بدّ، خاسرة. فيستدين الأموال من هذا ومن ذاك، ويبذّرها ذات اليمين وذات الشمال، موهماً الناس بأنه أحد برجوازيي العصر الحديث، وفي نهاية المطاف ينهار مشروعه ويسقط أرضاً مغشيّاً عليه. ليتحمّل بعد ذلك الإهانات والسخط من والديه وإخوته دون أن يحرّك ساكناً. والغريب أنه شخص شجاع وذكيّ!
وبعد مرور فترة من الزمن -أي بعد أن ينسى مَنْ هم حوله فعلته تلك- يعود ليكرّر المقامرة ذاتها بالطريقة ذاتها، لكن مع أشخاص جدد! حتى يبدو لكأنه سيزيف حاملاً صخرته من جديد محاولاً الصعود بها إلى قمة الجبل ليعود بعد ذلك ويغرق في بحر ديونه مجدَّداً!
لكن ما هو الدافع الذي يقوده للمراهنة على "الحصان الخاسر" عمداً؟ وربما يكون السؤال أكثر دقةً عندما نسأل: ما هي الرسالة التي يقدّمها هذا الشخص لوالديه عندما يخسر عائداً إليهما بالخيبة؟
إن هذا الشخص لا يزال طفلاً (من الناحية العاطفية)، وهو أصلاً لم يغادر بعد منزل والديه. لذلك هو اتكالي بالمطلق ولديه إحساس دائم بالخضوع لسلطة مباشرة أعلى منه تعاقبه عندما يخطئ وتثني على نجاحاته إن وجدت.
وكلما شعر بالغبن الأبويّ، أو بنقصان العاطفة الموجّهة إليه من قبل والديه، أراد معاقبتهما بإخفاقه! وكلما شعر بتخليهما عنه أو بتمييزهما لأحد إخوته على حسابه، تفاقمَ سلوكه الصبياني المتمثّل بجلب الشيء المخجل لهما لإحراجهما.
وهناك أمثلة أخرى عديدة عن هذا النوع من الماسوشية، حتى إن بعض حالات "البغاء" تعود إلى سلوك ماسوشيّ الهدف منه استحضار العار للأهل والمجتمع.
من موقع إيلاف