-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

رواية شَمْدين.. مأساة أنوثة مقهورة وواقع ذكوري مريض



حسين عباس





رواية شمدين للروائي العراقي راسم قاسم موسى، المؤلفة من (302) صفحة، والمقسّمة على تسعة فصول، صادرة عن دار الساقي في بيروت، عام 2017م، هي رواية بشكل عام جميلة بكتابتها، متينة بوقائع أحداثها، جريئة في بعض تفاصيلها، وجديدة تحكي معاناة شعب تعرض ما تعرض له من ويلات، من خلال بطلتها شمدين، التي يتم إنقاذها من بين ضحايا كثر.

تتركز تفاصيل الرواية عن واقع قرية من قرى جبال شنكال في كوردستان، عن الكورد الإيزيديين الذين تعرضوا للإبادة جراء غزوات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

قرية رشتي الآمنة، تلك القرية التي لا وجود لها في الخريطة، كما تقول روز (أم شمدين)، والتي بقيت بعيدة عن صراعات الأطراف المتنازعة، بل وحتى من اهتمام الدولة سواء المركزية في بغداد أو حكومة إقليم كوردستان في أربيل، لكنها لم تسلم من الحرق والخراب، وأبناؤها من الاعتقال والخطف والقتل والتنكيل، مثلها مثل عشرات لا بل مئات القرى الأخرى التي لم تسلم من شر أولئك الظلاميين.

الرواية تتحدث عن عائلة رزكار وروز (والدا شمدين)، حيث يمتلكان خمسة أولاد، (دوستو) وهو الأكبر، (خدر)، وثلاث بنات، الكبرى فيهن هي شمدين، ابنة العشرين، ثم نازك وروناك.

تتعرض عائلة رزكار وكل أهالي قرية رشتي للخطف على يد تنظيم داعش. يتمكن دوستو وخدر من الهرب مع قطيع الأغنام إلى الجبل، وذلك حينما شعر والدهما بالخطر عليهما، لكن بقية العائلة ظنت أن الأمر اعتيادي وعرضي وسوف لن يستمر إلا بعضاً من الوقت لتعود العائلة إلى حياتها الطبيعية، فالعائلة كما تقول من الديانة الإيزيدية، والإيزيدية دين سلام وخير، ولم يعتدوا في حياتهم على أحد، وليس لديهم أعداء حتى. لكن مع مَن تتحدث يا عم؟

الرجال يتم أخدهم إلى مكان مجهول، وأغلب الظنّ أنه تم تصفية كل الشباب، أمّا كبار السن كرزكار والمعلم شيخو وقادر فقد تم استخدامهم كخَدَم للتنظيم، وتعدى الأمر في أن ينظفوا قذاراتهم، مجبرين على فعل ذلك..
شمدين المخطوبة من آزاد، وأختاها وكل بنات القرية يتم سبيهنّ، ويا لكلمة السبي المقيتة في تاريخ الدين الإسلامي!!

آزاد، كان يعمل معاوناً لدى سائق شاحنة موصلي عبر حمل البضائع من وإلى تركيا، وهو مَن أخبر أهالي القرية بخبر سيطرة عناصر داعش على مدينة الموصل، وهروب الجيش والشرطة من هناك، ونزوح عوائل مسيحية ومن الشبك من مدينة الموصل باتجاه إقليم كوردستان، لكن الأهالي وعلى لسان شيخ معبد القرية يقرّرون البقاء في القرية؛ لأنهم قوم مسالمون ولن يتدخلوا في أيّ صراع يحدث.

سلار وهي ابنة قادر وجوان، تلك الفتاة الجميلة التي تعلمت في المعهد في الموصل لمدة سنتين؛ لترجع إلى القرية معلّمة في المدرسة، وهي الصديقة الحميمة لشمدين، تتعرّض لأبشع مصير ونهاية.

فبعد أن رآها قيادي اسمه أبو عبد الله الفلسطيني، وعلم بحالها، وَعَدها بمساعدتها قدر الإمكان، وإخراجها من محنتها، حيث أنه يؤمن بإسلام لا يعتمد على العنف، وأن الفلسطينيين قد عانوا كما الكورد من ويلات، لكن الكاتب لم يذكر الكورد وإنما الإيزيدين، إلا أن أبي عبد الله يموت بقصف جوي على إحدى مقارهم، بعد ذلك يتم عرضها مع بقية الفتيات على أمير المؤمنين (أمير تنظيم داعش)، وهو أغلب الظنّ أبو بكر البغدادي، ليتمّ وضع العين عليها من قبل الأمير؛ كي تكون من نساءه وحرمه (وكأن الأمير يحق له أن يتزوج قدر ما يشاء، وأن يمتلك ما يستطيع)، لكن سلار لم تتقبل الوضع، فتقاومه بأن تغرس أظافرها في عينيه حينما تراه يقترب محاولاً اغتصابها، وما أن يرى الأمير الدم، حتى يجنّ جنونه، ليقوم بتقطيع جسدها بأسنانه وهي على قيد الحياة، غضباً وانتقاماً منها، وذلك بعد أن رفضت سلار أن تستجيب لأمر ونزوة وشهوة ذلك الأمير السكير والحشاش كما ورد في الرواية.

نازك وروناك (أختا شمدين)، وبعد محاولات عديدة منهما لأن لا يتم مسّهنّ بسوء، فهنّ كما بقية الفتيات يردن الحفاظ على شرفهنّ وعفّتهنّ، ومستعدات لأن يعملن في أيّ شي مقابل ذلك، إلا أنهن لم تتمكن من ذلك، لذلك وفي آخر لحظة قبيل أن يتم عرضهن على المقاتلين، تعلنان مكرهات إسلامهن، وهو إعلان باللسان ليس إلا، فكيف تريد لشخص أن يدخل دين وأنت تختار له ما بين أن يسبي ويكون عبداً يباع ويشترى وبين السيف، أو الدخول إلى الدين؟! هذا ما حدث لنازك وروناك، وبقي مصيرهنّ مجهولاً لآخر الرواية، دون أن نعرف ماذا جرى لهنّ لاحقاً.

سرسم، وهو طفل معاق عقلياً، يبلغ من العمر اثني عشر سنة، لكن عقله بعمر طفل في الخامسة، كان قد تعلق بأخته سلار، حتى أنه لم يختر الذهاب مع أمه جوان، حينما تم فرز النساء المسنّات أو الكبيرات في العمر عن الشابات، من قبل التنظيم.

بعد أن تم إخراج سلار وبقية الفتيات من ذلك المهجع الكبير، سوى شمدين، بقي سرسم أيضاً، لكن قائد المجاهدين أبو قتادة، وبعد عدة زيارات لشمدين يطرق عينيه على سرسم، حيث يفكر ما كان قد حدث معه حينما كان صغيراً، ليقرر إرسال الطفل هدية لشيخه، الشيخ الذي رباه وهداه على الطريق الصحيح كما يقول، لكن الطريق الصحيح هو طريق شاذ في الحقيقة أو كما يعرف في العامية بأن شيخه كان "لوطياً" يمارس معه أبو قتادة الجنس.
فقد صوّر الطفل بكاميرا موبايله صوراً، وأرسلها للشيخ، فجنّ جنونه عليه، طالباً إرساله في أقرب وقت إلى بلاده (وبلاده كما ذكر في الرواية فيها صحراء كبيرة وكثيرة).

شمدين تتعرض للاغتصاب من قبل أبو قتادة (الشاذ)، بعدما تكشف أمره، من خلال سماعها لمكالمة هاتفية بين الشيخ وأبي قتادة، بأنه سيقوم ما كان ينوي فعله بحق الطفل سرسم، بعدها يضربها ليغمى عليها، يقوم بربطها بقيود، ويغتصبها، ثم يأتيها في اليوم الثاني ليراها قد أصبحت في حالة هيستيرية، لكنه أخد ما كان يريده منها، فلم يعد يعنيه أمرها، لذلك يأمر بالتخلص منها بعدما كان يواعدها بكل شي جميل، وأنه سيحقق لها كل ما تريد. يتم وهب (اهداء) شمدين للحارس المقاتل الذي كان يحرس مكان تواجد شمدين، لأن هبة السبية في الشرع الإسلامي جائز على حد قوله.

ذلك المقاتل، وبعد أن يغتصبها مرات ومرات يقوم بحملها وأخذها إلى مكان إقامته، حيث تواجد أربعة مقاتلين، ومن بينهم مقاتل يمني في العشرينات من عمره، ذلك اليمني يتمكن من شراء شمدين بمبلغ (500) دولار، بعدما يعظّم ويكبّر من حالتها المرضية أمام المقاتلين، فقط كي يأخذها، ليحميها ويعتقها، ويحدث ذلك فعلاً، فيرسلها إلى المستشفى حيث الممرضة كلادس، مشهد اليمني ذكرني بحلقة لمسلسل خليجي من بطولة ناصر القصبي في مسلسل سيلفي حلقة (بيضة الشيطان)، حينما أغلق القصبي الجرار على أم وأطفالها؛ لينقذهم من بطش التنظيم أثناء غزوتهم.

كلادس هي المسيحية التي تم إنقاذها من قبل ذلك اليمني قبل فترة، وأصبح بينهما مودة وصداقة رغم فارق العمر والدين بينهما. بعد ذلك بفترة يتم تحرير تلك المنطقة، ومن بينها المشفى الذي تقيم فيه شمدين، لتكون بذلك حرّة، لكن دون أن تنطق بكلمة، وكأنها تلقت صدمة سوف لن تشفى منها لفترة قصيرة.

تأتي لجنة طبية إلى القرية وتتفحص شمدين، وأخريات، ليقرروا فيما بعد نقلها إلى إحدى مستشفيات ألمانيا للعلاج فيها.
لم يتم ذكر ما إن كان آزاد قد قرر الرجوع إلى شمدين أم لا.
دوستو وخدر لم يفكرا ولو للحظة العودة إلى القرية، فلم يسألا عن حال أختيهما حينما زارهم رزكار (والدهم) في الجبل، بحثاً عنهما.

كم هو واقع مرير أليم، هذا الذي نعيشه في شرقنا؟! فالفتاة التي تفقد شرفها لن يتم التساهل معها ولا حتى التعامل معها مطلقاً، وكأنها ارتكبت جرماً. الشرف هنا مرتبط بغشاء البكارة. أما في حالة شمدين وبقية نساء القرية وكل القرى التي تعرضت للغزو، فقد كان الأمر مفروضاً عليهم وبالقوة، ولم يكن بأيديهم حيلة لردع ذلك، فشمدين كانت تقول لأخيهما ولسلار أثناء بقائهنّ في المهجع، بأن يقتلونها، وتقتل كل واحدة منهنّ الأخرى، على أن يلاقوا مصير الاغتصاب وفقدان العفة والشرف.

بدل أن يلوم الأخوان نفسيهما، وكيف هربا وتركا العائلة تواجه مصير الأسر، وبدل أن يلوم دوستو نفسه كيف أنه تزوج دون أن يفكر في البحث عن أهله، على الأقل أمه وأبوه، يفكران بالتخلص من أخيهما، أو على الأقل عدم ملاقاتها، وأن الأب – ولولا عاطفة الأبوة وملاقاته الخطف ذاته – لما كان قد سمح بهذه الحال، فهو يعرف عقلية أهالي القرية وذلك المجتمع. إنه واقع شرقي وكوردي مرير بامتياز.

في الرواية يتم ذكر موضوع المعاناة الاجتماعية في مرحلة ما بعد داعش، حيث تقبّل المجتمع لضحايا الحرب، وتحديداً العنصر النسائي منه. فمَن كانت متزوجة سوف لن يقبل بها زوجها بعدما تعرضت للسبي، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالفتيات، سوف لن يقبل أيّ شاب بأن يتزوج من فتاة تعرضت للسبي والاغتصاب، وهنا تكمن حقيقة المعاناة التي خلّفها تنظيم داعش في ذلك المجتمع المحافظ من تلك البقعة المنسية من الأرض.

في نهاية قراءتي حول رواية شمدين للكاتب العراقي راسم قاسم، أرد ملاحظات حول ما ورد في الرواية وما تم ذكره:
-         ذكر الكاتب وقال فتوحات العرب وغزوات الفرس والأتراك والأكراد في الصفحة (52)، هو نوع من التناقض، فنفس ما كان يقوم به تنظيم داعش من سبي وخطف واغتصاب كان تحت اسم (الفتوحات) وداعش بشكل أو بآخر أكثرية عناصره ومؤيديه من العرب، ولو أنه أخد عليهم الطابع الديني الإسلامي.
-         قيل أن آزاد خطيب شمدين كان يؤدي خدمة العلم، أي الخدمة الإلزامية، ونحن نعلم أنه وبعد سقوط نظام صدام حسين تم إلغاء خدمة العلم، وآزاد هو بعمر شمدين أو يكبرها بأعوام، فكيف ذلك؟ (ص 107).
-         قيل أن روز هي سورية، لنصدق ذلك، لكن بعد قليل قيل أنها من مدينة كوباني، ونحن نعلم أن كوباني لا يوجد فيها من أتباع الديانة الإيزيدية، وأن الايزيديين لا يتزوجون إلا من الطائفة نفسها. (ص 151).
-         ورد أن القوات العسكرية العراقية هي مَن حرر شنكال، والحقيقة أن عملية التحرير كانت من قبل قوات البيشمركة ووحدات حماية شنكال والكريلا (حزب العمال الكردستاني).
-         يذكر فيقول "لغتها الإيزيدية الخاصة"، وهل الإيزيدية أصبحت لغة بعدما تم تحويلها إلى قومية؟ ربما كان يقصد لهجتها الإيزيدية. والحقيقة هي أن لغة الإيزيديين هي الكوردية، وهم كورد بكل حال.

يبقى القول أن رواية شمدين تتناول مأساة الشعب الإيزيدي في العراق، وما حصل له من مآسي وقتل وتشريد على أيدي وحوش داعش، من خلال امرأة إيزيدية هي بطلة الرواية "شمدين"، إذ تتناول كل الجوانب التي أحاطت بهذا المكون المسالم، والتعرف على جوانبه الأثنية الخفية، وإظهار الجانب السياسي للفكر الداعشي ودوافعه ونزعاته النفسية والاجتماعية.

حسين عباس

تعديل المشاركة Reactions:
رواية شَمْدين.. مأساة أنوثة مقهورة وواقع ذكوري مريض

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة