-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

فوضى الفوضى رواية فوضى الأحداث والكلمات



فاضل متين






قبل الشروع بقراءة هذه الرواية الشعرية، أو هذا الشعر الروائي إذا صحّ التعبير، عليك أن تستنفر حوّاسك، وتستعدّ بكامل عتادك الذهنيّ لمواجهة زخم الاستعارات والكنايات التي ستهطل عليك من جميع فصولها.

"فوضى الفوضى" عنوان هذه الرواية الطويلة التي تبلغ (629) صفحة، والتي تشتمل على جزأين مكمّلين لبعضهما، تحكي عن قصة شابّ موهوب ترعرع في مدينة كوردية (كوباني)، تجد في مبدعيها ثرثارين فائضين عن الحاجة، وتساهم بعقليتها العشائرية المتحجرة بتنبيذهم والنظر إليهم على أنّهم مجرّد كائنات تشذّ عن العقل الرزين المتمثل بالعشيرة، لكن هذا الشابّ الشاعر والرسّام، والذي يدعى "كورستان" لا يأبه بهم، ويسعى إلى بناء ذاته كاسراً كلّ القوالب التي يقيّدون بها أنفسهم، ويقوم بهجاء عادات مدينته بشفقة:
"مدينتي الكبرى نوعاً ما، والتي تحمل كلّ خصوصيات القرى، لم تكتشف بعد عقاراً مضاداً لسرطان العادات ولا دواء لالتهابات الرئة النمطية للثأر، وما زالت تلبس ثوب الفقر".

إذا نظرنا في متن الرواية وعنوانها فإننا نجد تناصّاً بينهما، إذ إن الرواية ومشاهدها وبطلها قائمون على الفوضى، الفوضى التي ‏تتلبس حياة كلّ مبدع في بلد يقتات على الجهل.

يظهر في رواية "فوضى الفوضى" للروائي جان بابيير* صوتان، الأول للراوي والذي يظهر على شكل ومضات بسيطة، ثم يتلطى بعيداً؛ ليترك زمام السرد لبطله كوروستان، ليروي لنا قصته، وهو الصوت الطاغي على المشهد، والذي ينقل لنا مشاهد حياته بصيغة مونولوجية بحتة وبلغة شعرية محضة، تطفو القوالب والاستعارات الأدبية سطحه.

في القسم الأول من الرواية يحكي لنا "گورو" عن حياة مدينته والتقوقع الذي مارسه على نفسه، إذ يتخندق في غرفته، ويبدأ برسم صورة لمحبوبته المتخيلة، ويكلمها كأنها شخص واقعي، فيتندر له أصدقاؤه المقربون ويشبهونه بالمجنون المهلوس، تتخلل حياة البطل ترحالات وتنقلات كثيرة بين المدن والبلدان، قبل أن ينضمّ إلى تنظيم حزبي اشتراكي الفكر، وبعدها ينتقل إلى الجبل ويحمل السلاح معهم، حيث يتعرّف على صبية اسمها "نازو"، يعشقها، ويمارسان الحبّ معاً قبل أن ينتقل إلى مكان آخر، فيما تصاب نازو، وتبتر ساقها.

بما أن الكاتب اعتمد على تقنية المونولوج، فهذا يقودنا تلقائياً إلى حتمية أن المكان في الرواية يتقوقع في ذاكرة البطل السارد، وهذا ما نجده في فصول الرواية، إذ يقتر الكاتب في التمهيد لانتقالات البطل بين البلدان سوريا وإيران وتركيا وكوردستان العراق، إنما ينقلنا بومضات سريعة من مكان لآخر، وأثناء انتقاله من مدينة لأخرى لم يكن ينسى كورستان أخذ صديقته نازو أينما حل بخياله طبعاً.

بعد عدة سنوات يترك التنظيم، ويعود إلى دمشق متوسّماً بعدة شظايا في جسده، حاملاً حزمة من الغضب والانتقادات على التنظيم، فيقرّر أن يعيش حياته بفوضى اختارها ملاذاً يليق به.

 ‏في القسم الثاني من الكتاب يفصح الكاتب عن نفسه، ويجهرنا بأنه هو كورستان أو مهتن كما لقب في الجبل، ليحيلنا هنا إلى سيرة ذاتية مليئة بالإخفاقات والهزائم النفسية ولا سيما العاطفية:
"أنا جان بابيير، كورستان، الرجل الممتحن لوظيفة اكتشاف جسد المرأة".

‏في هذا القسم يقودنا الكاتب من حروبه مع المجتمع وتنقلاته بين الجبال والبلدان، إلى حروبه وتنقلاته بين الأسرّة، إذ يتسم هذا الفصل بلغة إيروتيكية صرفة وبشعرية مكتوبة بحبر المني ولهاث الشبق وأنين اللذة، ‏فيلتقي بالفتاة اليابانية "أوهايو"، التي برحيلها تغرز قلبه بسكاكين نازو، ثم هيفاء، وتارا التي شاركها السرير في السليمانية.
ترحالات بين المدن والأسرّة من حضن إلى حضن، لكن يبقى حضن نازو حلمه ومصاحب خياله، فيتخيلها في شخصهنّ، بعد أربع سنوات من الفراق يلتقي بها في إحدى منافيه أو أوطانه، لا يهمّ، فكلّ مكان هو منفى ووطن للغجر، وهو الغجري بروحه، وإن كانت كوباني الفقيرة والجاهلة لا تبرح قلبه، فكما يضرب بحجارة انتقاداته عادات بلدته السيئة الرجعية، فإنه يدافع عنها برسالة إلى من عرّبوا اسمها:
"هذه كوباني يا حيوان، وليست عين العرب".

 ‏تنتهي الرواية بمصير مأساوي لكورستان، إذ بعد دأب وبحث عن نازو وغيرها من أحبابه واللقاء بهم، يختفي فجأة عنهم، فيقررون تأبينه وتشييعه مثل أيّ ميّت، لكن بعد سنة تلتقي نازو ذات الساق الصناعية به، وهي تمسك بيد ابنه من محبوبته أوهايو، التي عادت إلى دمشق وأودعت ابنها عند نازو، رأته جالساً على الرصيف يبيع نصوصه ورسوماته مقابل ثمن بخس، يشتري به السجائر والقوت اليومي.

‏توجهت نازو باحتفاء نحوه، وقدمت له ابنه من أوهايو، لكنه بقي جافاً في مكانه يضحك كالمجانين، قبل أن  يقول: "أنا عاقر يا نازو".
أنهي حديثي بجملة واقعية آسرة ومحزنة في آن، كأنه بهذا يبكي حال قومه:
"الكوردي مشكلته أنه يعيش حالة حبّ من طرف واحد، هو يحبّ الله، والله لا يحبّه".



الشاعر والروائي جان بابيير

ـــــــــــــــــــ

جان بابيير:
شاعر وروائي ومخرج سينمائي كوردي، ولد في 27 آذار عام 1970م في قرية (بوزيك) بمدينة كوباني في غربي كوردستان. صدر له حتى الآن، شعراً ورواية:

·       شطحاتٌ في الجحيم (شعر)، 1998م – دمشق.

·       الأوتاد (رواية)، 2000م – دمشق.

·       ديوان شعر باللغة الكوردية (Gewiriya Helbeste Za)، 2001م – بيروت.

·       قراراتُ الخطيئة (شعر)، مشترك مع الشاعر صلاح الدين مسلم، 2003م.

·       ثلاثية كورستان:

-         فوضى الفوضى (رواية)، 2005م.

-         صريرُ الأحدِ غرفةُ الأربعاء (رواية) 2007م.

-         نبوءةٌ اغتالها التدوين (رواية).

·       طفلٌ يلعبُ في حديقة الآخرين (شعر)، 2012م.

·       عقدٌ قرانٍ في القصيدة (شعر)، مشترك مع الشاعرة الأمازيغية خديجة بلوش، 2013م – تونس.

·       متنُ الغجر (شعر)، مشترك مع الشاعرة تارا إيبو.

·       هيْمَن تكنّسين ظلالكِ (رواية)، تحت الطبع.


تعديل المشاركة Reactions:
فوضى الفوضى رواية فوضى الأحداث والكلمات

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة