-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

«سيكولوجية الجماهير»: هوس الجماهير نحو شيوعية بدائية




محمّد رمو

  
إنّ الجماهير تعريفاً كما ذكر «لوبون» أنّها مجموعة من الأشخاص, توحّدت الرؤى والأحاسيس لديهم في اتجاه معيّن حتّى اضمحلّت صفاتها وسلوكياتها الفردية, وتكتّلت في جسم واحد لهم الحالة النفسية والذهنية الواحدة.

حيثّ أن مقصد «لوبون» هنا, ليست المجتمعات بتعدادها السكّاني المرقّم, إنّما المجموعات أو التجمّعات التي تتّبع نفس السلوك ووجهة النظر إلى حادثة أطلّت بظلالها على مجتمع ما, كالمتديّنين الذين يمارسون طقوس دينية معينة, أو أعضاء حزبية سياسية ترى من رؤسائها آلهة تحرّكهم أينما شاء, وكيفما شاء.

يبدأ «لوبون» دراسته هذه, بتسليط الضوء على المقارنة ما بين علم النفس الفردي الذي يهتمّ فقط بدراسة نمو سلوكيات الفرد, وبين علم النفس الاجتماعي الذي يحاول بشتى السبل أن يقرّب للقارئ مدى قدرة الفرد على الاندماج في المجتمع, تأثّراً, وتأثيراً, وكيف أن السلاطين والملوك سابقاً كانوا الأداة الفعليّة لتقرير مصير الشعوب, أمّا اليوم فالأمور تغيّرت كلياً, الجماهير هي من تقرّر, وهي من تنفّذ.

يلمّح «لوبون» في مطلع الكتاب, إلى أهداف الجماهير في القرن العشرين, وأنّها تهدف دائماً إلى الحصول على شيوعيّة بدائيّة, طبعاً هذا الموضوع ليس معمّم على كلّ الجماهير, هناك جماهير تطمح (كما ذكر) إلى الضغط على الحكومات من أجل الحصول على مكتسبات في مجال التوزيع المتساوي للسلع والمنتوجات, وتحديد ساعات العمل, وتأميم المناجم, وغير ذلك من الأمور الاجتماعية, ناهيك عن دور الجماهير في قلب السلالات الحاكمة, وتدمير أسس الدكتاتورية.

لكن بالطبع لا يخفي دور هذه التجمعات أيضاً في صنع بلبلة في الأوساط المحليّة, وتفعيل حالات شغب من خلال الاحتجاجات والثورات التي قد تقوم بها.

ويقول أيضأ أنّه كان لعلماء النفس منذ القدم معرفة ضئيلة بالجماهير, اقتصرت فقط على الجرائم التي قاموا بها, والتي من وجهة نظره ناجمة عن فيزيولوجية وراثيّة تابعة إلى البنية العرقية للفرد, وحقيقة أنّه بهذا الكلام أثار جدلاً واسعاً لدى المهتمين بشأن الجماهير, كيف يمكن له أن يلوم علماء النفس القدامى وفي الوقت نفسه يخطو مثلهم في التعميم, لكنه يعذر ذلك من خلال تجارب التي تمّت عن قرب للجماهير الأنغلوساكسونية التي غزت بريطانيا في القرنين (5 والـ 6) المتّسمة بنوع من العنف, والجماهير اللاتينية التي وصفها بكتابه أنّهم جماهير متأنثة.

يلقي الضوء على أسياد العالم والرسل الذين كان لهم دور بارز في قيادة العالم, هم عبارة عن علماء نفس, يعرفون كيف يرشدون الجماهير وإلى أين, لكن أيضاّ يصفهم بأنّ معرفتهم لروح الجماهير كانت مقتصرة فقط على نزواتهم السلطوية ورغباتهم في قيادة العالم فأدى في النهاية إلى سقوطهم «نابليون».

يعطي هنا «لوبون» مثالاً حيّاً عن دور الحكومات في كيفية امتصاص غضب الجماهير وذلك من خلال قيام مشرّع ما بفرض ضريبة على الجماهير, فحينما يفرض ضريبة باهظة تفتقر إلى العدالة في الفرض, يكون نتاجها أفضل بكثير من فرض ضريبة أقل ثقلاً بعشرات المرات لكنّها عادلة, فهذا يعنى أنّ نفوس الجماهير ستتحدّ وتثار ضدها.

الخصائص العامّة للجماهير:
بعد أن عرّف «لوبون» الجماهير جاء هنا ليصف الجماهير, والسلوكيات التي قد تؤثّر به, هذه الجماهير تجرّد الفرد من روح الفردية لتضفي إليه روح الجماعة وذهنيته, يقول أن أفعال الفرد الواعية ناجمة بالفعل عن جوهر لا واعي مشكّلة من تأثيرات وراثية بشكل خاصّ, وأنّ الرغبة الفردية في الحصول على مكتسبات شخصية تنعدم حينما تقابل مصلحة عامّة, لا فرق إن كانت هذه الجماهير تندرج من بيئة مثقفة أو حتّى جاهلة, هناك أمور عديدة قد لا تتفق مع قرينك إن فكّرت بالمعضلة بشكل فرادي, لكنّها حتماّ ستوافق على ارتكابها إن كانت فرداً من أفراد الجماهير.

يقول:
«لو جئنا وأقمنا دراسة بين عالم رياضيات وصانع أحذية من حيث الإشغال بمسألة تحتاج إلى ذكاء وفطنة , فنلاحظ بأنّ الأوّل سيتفوّق على الثاني دون أدنى شكّ, لكن لو أدرجناهم بمسألة طمس مَعلمٍ أثري يخّص تاريخ البلاد, فهنا الاختلاف سينعدم لأنّ كلاهما سيهجان للموضوع ويرتكبان أخطاء لمّا كان الرياضي سيفكّر أن يقوم به إنّ فكّر بشكل فردي».

أسباب قبول الفرد ذوبان خصوصيته في روح الجماعة:
1)  القوّة: الفرد المنضوي إلى الجماهير سيشعر بقوّة هائلة يجرّه إلى المجازفة, ما كان سيقوم به لو كان بمفرده.
2)  العدوى: دور العدوى مهمّ جداً في التأثير بين الأفراد, قد يتبنّى الفرد رأياً لأنّه فقط من الجماهير المحيطة به.
3)  التحريض: الشخص يفقد شخصيته الواعية بمجرّد انضمامه للجماهير, وبالتالي يقوم بأفعال منافية لمعتقداته, لأنّه يفقد فيها شخصيته الواعية, ويفكّر بعقل القائد (إحدى الوسائل المتبعة تنويم المغناطيسي).

يصف «لوبون» أيضاً الجماهير بأنّهم أدنى مرتبة من الإنسان من الناحية العقلية والفكرية , وأنّها محبة وميالة إلى السلطة, وأنّ الأفكار لا تفعل فعلتها إلاّ إذا دخلت مرحلة اللاوعي لدى الفرد.

والجماهير تتّسم دائماً ببحثها عن قضية تشغلها, لأنّها ببساطة تفقد متعتها للحياة وتعيش وحدودية فوضوية فاقدة لأبسط مقومات وجودها على هذا الأرض.


تعديل المشاركة Reactions:
«سيكولوجية الجماهير»: هوس الجماهير نحو شيوعية بدائية

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة