-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

«في نظرية العنوان»: مسبار البحث في النصّ وعتباته



فاضل متين


يضطلع كتاب «في نظرية العنوان – مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية» للدكتور والناقد الكوردي «خالد حسين»، الصادر عام 2007م عن دار التكوين بدمشق بمهمة نقدية شاقة في سبر أغوار النصوص وتفكيك ذرّاته، دافعاً بأدوات النقد، لفكّ طلاسمها وكشف أسرارها، مستفيضاً البحث والتحليل في قضايا هامة في شخصية الأدب، ولا سيما العتبات النصية ودورها في تأسيس هذه الشخصية أو الكينونة، إذ تحتاز العتبات (العنوان الأصلي والفرعي، عناوين الفصول، مقدمة الكتاب، لوحة الغلاف) الحيز الأكبر من هذه الدراسة التي تتجاوز الخمسمائة صفحة.



ينوّه الناقد مستشهداً بفقه النُقّاد، ووفق منظوره على مدى أهمية العنوان بالنسبة للنص بوصفه جزءاً لا يُستغنى عنه، لا مكملاً له كما اُعتبرَ سالفاً، مؤسّساً لكينونته لا رافداً ثانوياً له. فالعنوان يربط القارئ بالنص، يمارس الغواية والإغراء، يخرج النص من عالم العتمة، ويلقي به في فضاء الأنوار، ويمارس الحراسة عليه، وبه يجرى التفاوض على ما أن يؤذن الدخول إلى عالمه أو الابتعاد عنه، بل إنه هوية النص والنص هويته.

ونقرأ هنا:

«أن يمتلك النص عنواناً أي أنه يحوز كينونة».

«العنوان يهب النص هويته ومكانته في الوجود، يخرجه من العماء إلى فضاء التمييز والاختلاف» .

«العتبة هي التي تقودنا إلى النص».



تشتمل هذه الدراسة على عدة أبواب، مقسّمة إلى فصول عدة، يستهلّها بمقدمة مسهبة في التعريف بالأدب ودور النقد والاختلاف في إنضاج اللغة وتوالد الأجناس الأدبية بفضلهما، مصوّباً بوصلته نحو العنوان وما لفّ لفّه، باحثاً في تاريخ نشأته، وصيروراته مذُ تكفّلت اللغة لتؤسّس العالم.



ينوّه هنا أنّ العنوان لم يؤخذ بمحمل الجد، إلّا أن جاءت النصوص الدينية المدجّجة بالعناوين التي تعكس فحواها، وأبرزها القرآن، إذ قبل ذلك لم يكن الشعراء العرب يمنحون قصائدهم أسماء أو عناوين؛ وذلك لأن الحضور الصوتي والجسدي للكاتب يغني النص عن العنونة:
«من المنطقي أن تحيا القصيدة العربية كينونتها دون عنوان، لكونها سليلة الحضور الصوتي، وما يفترضه هذا الحضور من بروتوكول السياق المشترك بين الشاعر والسامع...، إن القصيدة في الحضور الصوتي تكتب هويتها من هوية المتكلم، هويتها من هويته».

على الرغم من أنّ عنوان الكتاب يشير إلى شؤون العنونة والمغامرات التأويلية في متن النصوص كما جاء في عنوانه الفرعي، إلا أنه يحتضن الكثير من المعلومات التاريخية والآنية عن تاريخ اللغة وحضور الأدب في العالم، والتحولات والصيرورات التي طرأت على اللغة، وانتقاله الصوتي إلى حضوره الكتابي، وانشغاله بتأسيس العالم وتسمية الأشياء وترميزها، وتلك سياسة انتهجها الناقد عن قصد؛ ليمهد القارئ للخوض في غمار بحثه يقظاً، غير مُشتّت الذهن، عالماً بما يدور حوله قبل أن يُرسي على الشاطئ النهائي، كما لا يخفى النفس الشعري في لغته التحليلية، لما تمنحه الشعرية من لذة وتواشجٍ مع النص، وتخلّصه من الجفاف والفجاجة، والأبرز من ذلك هي المنهجية التي يتبعها في تأسيس خطابه النقدي، بتفكيك العنوان والمتن بأسلوب يشبه إلى حد ما تفكيك المسائل الرياضية، بالقبض على عقدة النص ثم تحليله تدريجياً وتفكيكه ليصل إلى النتيجة التأويلية النهائية.



في الفصول التالية يشهّر الناقد عن أدواته الهرمينوطيقية (التحليلية)، بإمساكه بتلابيت النصوص الشعرية والقصصية والمسرحية قبل أن يلقي الضوء سريعاً على بعض الآيات القرآنية التي تعدّ النموذج الأكثر انفتاحاً على التأويل، لما يحمله من أبعاد وترميزات وفيرة.



فيبتدئ بتفكيك قصيدة «يطير الحمام» للشاعر «محمود درويش»، وأبعادها الروحية، وقصيدة «بالشباك ذاتها، بالثعالب التي تقود الريح» للشاعر والروائي «سليم بركات» بطلاسمها المعقدة، من ثم ينتقل إلى النصوص القصصية، وبالتحديد قصص «تامر زكريا» وما تحملها من رؤى اجتماعية وإشارات مبهمة تداعب الواقع، ثم ينتهي بمسرحيات «سعد الله ونوس» بما حملته من أفكار أخّاذة وبوصفها ضربة تجديدية في المسرح العربي.



بعد تحليله وتفكيكه هاتيك النصوص، وتبيين مدى تناصية النص مع العنوان، ومدى قيادتهما لبعضهما وتحقيقهما نصيّة النص أم لا،  فالنص مهما كان جنسه عليه أن يحقّق نصيّته التي هي ديدن ودين التفكيكة ورائدها «جاك دريدا»، يقرّ الدكتور الناقد «خالد حسين» معتنق التفكيكة بأنها تقرّ باللا حسم الدلالي للنصوص، أي أنها مفتوحة على التأويل من خلال الانتثار، والاختلاف أي الإرجاء والتأجيل.



‏من خلال قراءة هذا الكتاب نتعرف على الكثير من روّاد النقد العالمي والعربي، وآراءهم النقدية وتأثيرهم على مسيرة الأدب وتحولاته، فالكاتب فيها لا يني يستشهد بأقوالهم ليدعم رؤاه في بحثه المضني هذا، والذي ينجبر أن ينهيه بعد أكثر من خمسمائة صفحة تحت ضغط سقير الكتابة، فالكتابة لا تنتهي أبداً، بل الكاتب ينهيها، والخاتمة ليس إلا بداية لكتابة أخرى، فيقول منهياً بحثه:
«ليست الخاتمة نهاية للنص إلا بالمعنى التكويني، فهي ليست سوى فراراً من جحيم الكتابة، وهي تستبد بالكائن، وذلك بوضع حد لاجتياحات اللغة للبياض، إنها التوقف الفيزيائي والمادي لشهوة العلامات في الاستحواذ على العالم».

تعديل المشاركة Reactions:
«في نظرية العنوان»: مسبار البحث في النصّ وعتباته

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة