-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

قراءة نقدية تطبيقية لرواية «التشابيه... صفحات مرويّة عن الأيام الخوالي» (1)





د. بوزيان موساوي – المغرب / خاص سبا


الكتاب من الحجم المتوسط (155 صفحة)، إصدار 2019، طباعة وتصميم مطبعة "الحسام" العراق. "التشابيه" هي الرواية الثانية لداود سلمان الشويلي التي أتناولها بالقراءة والدرس بعد رواية "أوراق المجهول". واخترتُ منهجياً مقاربة هذه الرواية انطلاقاً من طرح مجموعة من الأسئلة المحورية:

-         السؤال المحوري الأول: هل "التشابيه" رواية كما سمّاها كاتبُها؟
أي جواب، قد يكون موضوع خلاف بين النقاد. فتمثّلاتنا التقليدية لجنس الرواية غالباً ما ترتبط بحجم الكتاب وعدد صفحاته؛ اعتقاد يعتمد في تبرير موقفه بِكون الرواية – خلاف القصة – تطرح عدة قضايا جوهرية متشابكة، على امتدادات زمنية متباعدة، وفضاءات مختلفة جغرافياً وبشرياً، وترسم الكثير من البورتريهات لنماذج من شخصيات ورقية – كارتونية مُستلهمَة من الواقع، تصنع الأحداث أو تخضع لها... لذا نتوقّع كقرّاء اعتماداً على هذه الكليشيهات المتوارثة بأن يتعدى عدد صفحات الرواية الـ 200 صفحة بكثير... لذا فالعديد من الروائيين العالميين مثل "فولتير" و "ألبير كامي" في بعض نصوصهم السردية الأدبية، انتبها لمعضلة التجنيس، فاستعملا مصطلح "قصة" (Récit) بدل رواية (Roman)، وذهب "آندري جيد" بعيداً لما كتب على أول صفحة من روايته "تجار العملة المزيفة" (Les faux monnayeurs): "هذه ليست رواية" (Ceci n’est pas un roman)... جدال قديم هذا الذي تطرحه قضية التجنيس، إذ تعود إلى عهد أفلاطون، وطرحها أرسطو بوصفها إشكالية كبرى في كتابه "الشّعرية" (La poétique).

ويرى الكثير من النقاد أن استقرار الرأي على تصنيف بعض الأجناس الأدبية كما تمت تسميتها وتعريفها في بعض المعاجم والكتب المتخصصة، له وظيفة بيداغوجية – تعليمية توفّر للمتعلّم أبجديات خصائص ومميّزات كل جنس أدبي على حدة. وربّما هو نفس الهاجس البيداغوجي – التعليمي الذي دفع بالروائي داود سلمان الشويلي لإقحام نفسه بما يشبه الرسالة التوجيهية للقارئ قبل بدء الرواية.

في رواية "التشابيه" كما في روايات أخرى مثل رواية "أوراق المجهول" يستحضر في كتابته تجربته كناقد ينظّر لجنس الرواية، بمعنى أنه يُقعّد لأسلوب خاص به في كتابة الرواية عبر "أوراق خارجية" مصاحبة للنص السردي الدرامي ذات وظيفة ديداكتيكية – تعليمية توجّه القارئ مباشرة نحو دلالات الرواية شكلاً ومضموناً، غير أن الكثير من النقاد قد لا يستحسنون "تدخلات" الكاتب لتأطير القارئ عبر "أوراق خارجية" لا تنتمي لنص الرواية.

وقد لا يستسيغون في نفس السيّاق حِرْص الكاتب داود سلمان الشويلي على وصف عمله في "التقديم"، وتبرير هذا الاختيار أو ذاك فيما يتعلق بتصميم الرواية وتجزيئها، وطرح إشكالات جدلية الواقع والخيال في الكتابة الأدبية (وكأننا في "الميتا – رواية")، وتخصيص "ورقة خارجية" ثانية بعد انتهاء الرواية لشرح المعجم المعتمد... بعضهم (النقاد، وحتى بعض الكتّاب مثل رولان بارت، وجون بول سارتر) يجمعون على رأي مفاده: إنه بمجرد ما ينشف الحِبْر، تعود ملكية العمل الأدبي للقارئ – المتلقي، بل يصبح الكاتب المبدع نفسه مجرد قارئ لعمله... وأي توجيه من الكاتب هو تأثير (قد يكون مجحفاً) على جمالية التلقي، وقد يحرم القارئ من متعة القراءة (عنوان كتاب رولان بارت)، ونشوة المفاجأة (كما في مسرحيات برتولد بريخت)، وسِحْر "شِعريّة" الإبداع الأدبي (بمفهوم تودوروف)، وعناء طرح الأسئلة والبحث والتنقيب...

-         السؤال المحوري الثاني: لماذا "التّشابيه"؟
وفّر علينا الكاتب داود سلمان الشويلي عناء البحث عن المعنى ومُنزلقات التأويل لما ضمّ في آخر لآخر صفحات كتابه "ورقة خارجية ثانية" مخصصة لشرح المعجم، إذ عرّف "التّشابيه" كالآتي:
"التّشابيه مسرحية شعبيّة يقوم بها الأهالي، تجسد فيها استشهاد الإمام الحسين في معركة (الطف) في اليوم العاشر من شهر محرّم...".
 

الكاتب والروائي العراقي داود سلمان الشويلي

لهذا التعريف أكثر من دلالة:
·       التشابيه: مسرحية من الموروث الشعبي؛ ولهذه الإحالة بعدان دلالين متميزان: فمن جهة يوظف الكاتب الثقافة المحلية فنيّاً وتراثياً وحضارياً، ومن جهة أخرى فهي إحالة تضع القارئ في محطة توقعية – استباقية بخصوص مجريات الأحداث في نص الرواية: أي قالب درامي – مأساوي ناتج عن صراع "الإخوة الأعداء" (كما رواية "الإخوة كرامازوف" للروائي الروسي العالمي دوستويفسكي).

·       التشابيه: تجسد واقعة "استشهاد الحسين في معركة الطف"؛ وتعيد بالتالي للأذهان إحدى الشرارات التي يعاني منها المجتمع العراقي والإسلامي والمسيحي إلى اليوم: الصراعات المذهبية والطائفية التي اختلف فيها حابل السياسة بنابل الدين للاستيلاء على السلطة...

·       التشابيه – التشابه في سياق هذه الرواية:
فمن خلال "التقديم" (الذي كتبه صاحب الرواية بنفسه) يكتشف القارئ قبل دخوله عوالم الرواية، وحتى دون البحث عن الفهرس، بأن المسرود في  الكتاب تتحكّمه  كرونولوجيا فترتين زمنيتين، وكأننا نقرأ فصلين من رواية واحدة، أو روايتين في رواية واحدة كلّها على شكل "ذكريات" (صفحات مروية عن الأيام الخوالي)، أو "ومضات" (Réminiscences) كما يسميها الروائي الفرنسي العالمي مارسيل بروست: هما زمنان روائيان: زمن وقائع ما حدث في المدينة (القسم الأول المعنون "رواية الأحداث")، وزمن تقولات الناس (القسم الثاني المعنون "ما حدث بعد ذلك")... هي تداعيات الأزمنة عبر الخيال تارة وعبر الاستحضار تارة أخرى؛ وهذه التداعيات تقرّب معنى التشابيه بمصطلح "التشابه" الذي من بين دلالته (حسب معجم اللغة العربية المعاصرة) كونه "أحد قوانين تداعي المعاني، ويتلخّص  في أن الصور الذهنية المتشابهة مترابطة، و يستحضر بعضها بعضا في الذهن...".

·       التشابيه – المشابهة:
كتب داود سلمان الشويلي في مقدمته لهذه الرواية:
"التشابيه" هي خيال أكثر منها حقيقة، وهذا لا ينتقص من قيمتها الواقعية لأنها بنيت على أحداث حقيقية...".

يحيل هذا التصريح على جدال أسال الكثير من الحبر، خصوصاً فيما يتعلق بالرواية الواقعية، ورواية السيرة الذاتية؛ مفاده مدى مطابقة المسرود باعتباره عمل أدبي فني للواقع الحقيقي... هنا تتدخل تقنية المشابهة (La vraissemblace) التي يلجأ إليها المبدعون بفنيات عالية لتبدو العوالم المتخيلة في الرواية من فضاءات وشخصيات وأحداث وقضايا شبيهة إلى حدّ المطابقة بالعوالم الحقيقية... تقنية مستلهمة من نظرية "المحاكاة" (mimèsis) لأفلاطون.


خاص ب سبا الثقافية
تعديل المشاركة Reactions:
قراءة نقدية تطبيقية لرواية «التشابيه... صفحات مرويّة عن الأيام الخوالي» (1)

kaya heci

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة