-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

مفهوم الاغتراب لدى الفيلسوف «هيجل»

    
الإنسان المغترب بالمفهوم التاريخي لدى هيجل هو ذاك الإنسان الذي يعيش في عالم ميت لا إنساني، عالم وصفه هيجل: «بأنه حياة متحركة للأموات».
ومن ثم أكد ضرورة سلب هذا الوضع السائد، وقد ميز هيجل بين أنواع الاغتراب العديدة على مستوى الشخصية والنظم الاجتماعية والثقافة. وأثار قضية جوهرية وهي أن اغتراب الشخصية يكمن في الصدام بين ما هو ذاتي وما هو واقعي كما هو الحال بالنسبة لاغتراب العبودية.

بالإضافة إلى اغتراب الصدام القائم بين الذاتي والموضوعي مما يترتب عليه من فقدان للسيطرة الفردية، وكذلك الاغتراب الفكري أو العقلاني نتيجة القهر الناجم عن خضوع شخص لشخص آخر يمارس قواه وسلطته الكاملة على تلك الشخصية.

والتاريخ البشري لدى هيجل تاريخ صراع من أجل اعتراف الآخرين بحرية الذات واستقلالها، والصراع الذي يتحدث عنه على مستوى الشخصية هو صراع من أجل إثبات الذات والحصول على اعتراف الآخر بالأنا دون أن يكون في وسع الأنا إنكار حق الآخر في الوجود والبقاء.

بتحليل أعمال هيجل المتعلقة بالاغتراب يتبين أن استخدامه لمفهوم الاغتراب ذو طابع مزدوج. أي استخدامه يشير إلى سلب المعرفة وسلب الحرية. وقد كان هيجل أول مَن استخدم المفهوم بهذا المعنى المزدوج وذلك عندما تحدث عن الوعي قائلاً: «عندما يكبح الوعي الذاتي ملاذه أو لا يبالي بها يكشف عن الحرية البسيطة لذاته.

فالروح المغتربة هي التي يكون وعيها ذا طبيعة منقسمة ومزدوجة ومجرد كائن متضاد. وإذا كان هدف الإنسان على نحو ما ذهب إليه هيجل هو الحرية، فلأنها الحالة التي تكون الذات راغبة فيها والتي سوف تسترجع بها نفسها.



في فكرة الاعتماد عند هيجل يرى أن أول شكل يتخذه الوعي في التاريخ ليس شكل وعيي مفرد بل وعي كلي (جماعي) وخير ما يمثله هو وعي جماعة بدائية والتي تندمج فيها كفردية داخل المجتمع المشترك، فالمشاعر والأحاسيس والمفاهيم لا تنتمي في واقع الأمر إلى الأفراد بل يتقاسمها الكل بحيث نجد أن ما يتحكم في الوعي هو العنصر المشترك لا الخاص.

كما يشير هيجل إلى انفصال الإنسان من ماهيته، ويرجع هذا الانفصال لالتزام الإنسان بحالتين تبدوان بنظر هيجل متلازمتين للعالم الإنساني وهما، الضرورة والاغتراب.

تعني الضرورة عند هيجل الاعتماد على الطبيعة ورضوخ الإنسان مما تفرضه عليه من حدود. فالإرادة والضرورة كلاهما يقعان داخل الخبرة الفردية كعامل عقلاني. بذلك تكون ضرورته الخاصة بقدر ما تكون الإرادة إرادته الخاصة.

وإذا أمعنا النظر في تناول هيجل لقضية الضرورة نجده ينتقد بشكل مباشر نزعة اللذة بكافة أشكالها. فهو يرى أنه عندما يكبح الوعي الذاتي ملاذه أو لا يأبه بها، فإنه يكتشف عن حرية ذاته وذلك لأن نوع الموضوع الذي تعيه الذات والذي تنظر إليه باعتباره حقيقتها الصادقة يمثل في نظر هيجل ما يعنيه بالضرورة. والحرية والتي تمثل البعد الثاني لقضية الاغتراب لدى هيجل، فهمها من خلال العلاقة الجدلية التي تجمع مفهوم الحرية من ناحية ومفهوم الضرورة والاغتراب من ناحية أخرى.

حرية الذات الواعي لا تتعارض مع الطبيعة الخارجية و لا مع الطبيعة الداخلية للفرد. إذ أن مفهوم الحرية لا يوجد في الحرية ذاتها . كما أن فعل الفرد سوف يكشف عن فاعلية ذاته الخاصة، وذلك لان وعي الفرد سوف ينفي المحتوى كوجود خارجي أو غريب، عن طريق التوحيد فيما بين العوامل الداخلية و العوامل الخارجية الأمر الذي يترتب عليه عدم شعور الفرد بالالتزام . ومن ثم يدخل مفهوم المعرفة باعتبارها عنصر ذا علاقة وطيدة بمفهوم الحرية من ناحية وتعبير عن الاغتراب الكامل من ناحية أخرى.

وعند هيجل نجد أن المعرفة تساعد الذات الواعية لان تجد حقيقتها الاساسيه.." ليس على إنها شي أخر اكثر من ذاتها، ولا التجريد النظري للانا، ولكن الأنا الذي داخله الأخر". الأمر الذي يترتب عليه حرية الذات الواعية التي لا تتمايز عن الوجود الخارجي، و التي تعمل دون التعارض معه.

ويؤكد هيجل على أن الإنسان لا يتطور و لا يترقى مؤكدا الحرية ، إلا في علاقته بذاك الأخر الذي يحمله في صميم وجوده. كما يذهب في عرضه لفكرة الحرية إلى إنها تتمثل في قدرة المرء على تحقيقه لذاته. و ليس الذات انا محضة، و إنما من الوجهة العينية ، شخصية ذات ميول و قدرات مجردة، و تتوقف هذه الميول و القدرات على ما يتلقاه الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه من تدريب و تعلم.

كما ذهب هيجل إلى أن أول خطوه نحو معرفة الإنسان لذاته و تثقيفها هي اعتراف من الإنسان بانتمائه لمجتمع متطور تاريخيا. و بهذه الصورة يرى هيجل أن الإنسان يهتدي لذاته بوصفه كائنا بشريا متكاملا. و عليه يهتم بجانبين للحرية: يتمثل الأول في علاقة الحرية بالضرورة حيث ينظر لطاعة الواجبات التي يفرضها المجتمع على أنها مجرد مظهر واحد لتثقيف الذات أو التربية الذاتية بالعقل الموضوعي الذي يتجسم في النظم الاجتماعية و هنا يتقن مفهوم الاعتماد . و لم يكن هذا الجانب الموضوعي الواحد في نظر هيجل بل أن المظاهر البشرية للروح المطلقة في نظره تتمثل في الفن و الفلسفة و الدين لأنها تمثل مجالات الحياة الروحية.

كما أن هيجل يميز بين جانبين للحرية، جانب استاتيكي ( يرتبط بفكرة الخضوع للعقل الموضوعي و الذي يتحقق عن طريق التثقيف الذاتي و التربية الذاتية وهو يرتبط بقضية اغتراب الخضوع عن طريق المعرفة).

و الجانب الديناميكي ( و الذي يرتبط بالحرية الروحية الباطنة و التي نصادفها لدى رجال الفكر و التي لا يكون لأي نظام سياسي سلطان علي تطورها الباطن و هي تمكننا من بلوغ أعلى صور الحضارة البشرية).
   

عن منشورات الطليعة العربية في تونس

تعديل المشاركة Reactions:
مفهوم الاغتراب لدى الفيلسوف «هيجل»

canyar

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة