-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

حيثيات منهجية لمقاربة نقدية للمجموعة القصصية «ساعدونا على التخلّص من الشعراء»



بوزيان موساوي المغرب / خاص سبا


(الجزء الأول):

·       بطاقة موجزة عن العمل:
«ساعدونا على التخلّص من الشعراء» مجموعة قصصية للقاصّ السوري المقيم بتركيا مصطفى تاج الدين الموسى. صدرت عن دار «نون 4» للنشر والتوزيع. حلب –  سوريا (الطبعة الأولى 2019م). تصميم الغلاف «خالد الوهب»، لوحة الغلاف الفنّان «عمر إبراهيم». الكتاب من الحجم المتوسط (443) صفحة. أهدى القاص فيه لقرّائه أربعاً وسبعين قصة دفعة واحدة.

«ساعدونا على التخلّص من الشعراء» هي المجموعة القصصية السادسة لمصطفى تاج الدين الموسى بعد «قبو رطب لثلاثة رسّامين، ومزهرية من مجزرة، والخوف في منتصف حقل واسع، ونصف ساعة احتضار، وآخر الأصدقاء لامرأة جميلة».

وقد نِلْتُ شرف القراءة النقدية التطبيقية سابقاً لثلاث مجموعات غير «ساعدونا على التخلّص من الشعراء»، وهي على التوالي «قبو رطب لثلاثة رسامين، ومزهرية من مجزرة، وآخر الأصدقاء لامرأة جميلة».

حيثيات منهجية لمقاربة نقدية ممكنة للمجموعة القصصية «ساعدونا على التخلّص من الشعراء»:
بعيداً عن القراءات الانطباعية المجامِلة، وبعيداً أيضاً عن بعض القراءات المهووسة بسلطة التقييم / التقويم بدوافع موضوعية أو ذاتية بنّاءة كانت أو هدّامة، وبعيداً أخيراً عن بعض القراءات المُكتفية بتكرار ما جاء في مضامين القصص بأسلوب القارئ، التي غالباً ما تُقوِّل الكاتب ما لم يَقُل، تفرض هذه المجموعة القصصية على كلّ قارئ متخصّص أن يحترم اختصاصه عند مقاربتها وصفاً، وتحليلاً، وتأويلاً، ودراسة، ونقداً.
 

القاصّ مصطفى تاج الدين الموسى

منهجياً لا يمكن لقراءة واحدة ومن نفس التخصّص أن تحيط بجميع جوانب حمولة المجموعة القصصية «ساعدونا على التخلّص من الشعراء» كيفما كان عدد كلمات هذه القراءة وعدد صفحاتها، ومن هنا إمكانية تعدد القراءات، والمقاربات، ومنهجيات المناولة.
على سبيل المثال لا الحصر، قد تستدعي المجموعة المقاربات التالية:

·       المقاربة السيميولوجيّة:
تصميم لوحة الغلاف من طرف الفنّان المقتدر خالد الوهب توحي بقراءة العلامات وكأننا نعيش النص قبل النص، ولوحة الغلاف للفنّان المبدع عمر إبراهيم تستدعي ألف وقفة وأكثر أمام سيمياء اللغة المُشكّلة رسماً كإيماءات وإشارات ورموز ومجازات درامية، تفتح شهية القارئ، وتُحفّز فضوله وآفاق انتظاراته لولوج فضاءات المجموعة القصصية.

·       مقاربة «نظرية جمالية التلقّي» ذات الأصول الألمانية:
وظّف القاصّ مصطفى تاج الدين الموسى «الورقة الخارجية» التي تصدّرت الكتاب بعد الإهداء، وسبقت أول قصة في المجموعة القصصية «ساعدونا على التخلّص من الشعراء»، تحت عنوان تنويه (ص. 7 و 8) للإعلان عن نتيجة استطلاع رأي بعض قرّائه وأصدقائه لاختيار عنوان هذه المجموعة القصصية، واختيار العنوان من بين 74 عنواناً (وهو عدد قصص المجموعة) هو تقنية جديدة ابتدعها القاصّ مصطفى تاج الدين الموسى لجسّ نبض عيّنة من القرّاء بخصوص قيمة كتابه قبل نشره، والنتيجة المُعلًن عنها كيفما كانت مصداقيتها وملاءمتها ومرجعياتها الانطباعية أو الأكاديمية المُؤطّرة تبقى نسبية جداً، لأن نظرية جمالية التلقّي تفترض أنّ التلقّي تتحكّمه عِدّة شروط من بينها، مكان التلقّي، وزمن التلقّي، ونوع المتلقّي، والظروف العامة للتلقّي.

فالمتلقّي في المغرب على سبيل المثال، ليس نفسه المتلقّي في سوريا، وحتى نوعية المتلقّي في سوريا متعدّد بتعدّد الآراء والمواقف والانتماءات والمستوى الثقافي والتموقع إزاء الظرفية التاريخية والسياسية الحرجة التي تكتوي بنيرانها سوريا هنا / الآن.

·       المقاربة اللغويّة:
ونقصد هنا ما جادت به أبحاث و أطروحات نظرية التلفظ (Théoroe de l’enonciation) التي تشتغل على نحو الجملة (Grammaire de la phrase) (مورفولوجياً وتركيبياً)، ونحو النصّ (Grammaire de texte) على حدّ سواء، ومن بين انشغالاتها من مبدأ التواصل، البحث في النص السّردي (القصصي في سياقنا) عن الذّوات المتلفظة عبر الضمائر المُستعمَلة من طرف الكاتب في السّرد والوصف والحوار، لكنّ القارئ لجلّ قصص المجموعة، والمُسلّح بآليات نظرية التلفظ سيجد نفسه حائراً في وضع حدود واضحة بين الشخصية المعلومة والشخصية الموهومة، بين السّارد والشخصية، بين الشخصية وتمظهراتها كما في حالات انفصام الشخصية، بين الكاتب والسارد والشخصية، بين المتكلم العاقل والمخمور والحالم والشارد والمجنون. أحيل القارئ على قصة «مَن طردني من صوري القديمة» (ص. 25) على سبيل المثال لا الحصر، حيرة القارئ قد تربك كلّ ما قرأناه للباحث والمنظّر والناقد البنيوي «غريماس» في كتابه «علم الدلالة البنيوي» (La sémantique structurale) عن تصنيف شخصيات العمل السردي الدرامي الأدبي، والذي استقاه بدوره من كتاب الشكلاني الروسي فلادمير بروب «مورفولوجيا الحكاية» (la morphomologie du conte).

·       المقاربة التربويّة – البداغوجيّة:
قراءتي لهذه المجموعة القصصية «ساعدونا على التخلّص من الشعراء» كما لمجموعات قصصية أخرى سبقتها مثل «قبو رطب لثلاثة رسامين، ومزهرية من مجزرة، وآخر الأصدقاء لامرأة جميلة»، جعلتني أعيد التفكير في ما يُدرّسُ حالياً في الثانويات والجامعات بخصوص ما يُطلقُ عليه تداولاً «عناصر القصة القصيرة»، المُتداول في مدارسنا وكّلياتنا بهذا الخصوص لا يتعدى الثالوث الدرامي القديم لأرسطو «الوحدات الثلاث»، مُطعّم بما يُشبِهُ «الجذاذات» مستقاة من خطاطات «تودوروف وياكوسون»، إعادة التفكير لا تعني القفز عما هو متداول، بل إعادة النظر في تصوّر «وضعيات القصة القصيرة» (وضعية الانطلاق، ووضعية الحبكة الدرامية بكل عناصرها، والقفلة أو الوضعية النهائية، والرسالة) لأن مصطفى تاج الدين الموسى في مجموعاته القصصية عموماً وفي هذه المجموعة يُربكُ تمثلاتِنا لمّا يلجأ في بعض قصص المجموعة لتقنية نفي المتعارف عليه بتعداد رسائل عدّة في قصة واحدة مسكوت عن فحواها كما في قصة «أشياء لا تستطيع السماء أن تحكبها للبشر» (ص11)، أو لتقنية تتجاوز «تقنية الأدراج» كما وظفها الكاتب الروائي اللاتيني بورخيس في رواياته.

الناقد والكاتب المغربي د.بوزيان موساوي


·       المقاربة الموضوعاتيّة – التيماتيّة:
تفرض علينا المجموعة القصصية «ساعدونا على التخلّص من الشعراء» لمصطفى تاج الدين الموسى مقاربها تيماتيا من مرجعيات عدّة:
-        مرجعية خصوصية أدب الحرب أدبياً وسيكولوجياً وسياسياً واجتماعياً، والمجموعة القصصية مكتوبة في زمن التوتر والصراعات بسوريا (حرب، صراع طائفي وسياسي، أزمات اجتماعية واقتصادية، قتل، تعذيب، سجن، نفي، لجوء...).
-        مرجعية الفلسفة العبثية – السريالية والوجودية التي نشأت وترعرعت في أحضان الحروب ومآسيها (كافكا، هوفمان، بروتون، دالي، بيكاسو، سارتر).
-        مرجعية الأدب الغرائبي – الفانتاستيكي: المجموعة تائهة في رسم الحدود بين الواقع والخيال، بين الموت والحياة، بين الحرب والسلم، بين الإيمان والكفر، بين الوجود والعدم، داخل عوالم جمالية لا يعيّر عنها إلا الفن بكل أجناسه.


وقد ارتأيت أن أخوض مغامرة مقاربتي النقدية لمجموعة «ساعدونا على التخلّص من الشعراء» للقاص السوري مصطفى تاج الدين الموسى، انطلاقاً ممّا تبوح به قصصها إيحاءً وتلميحاً بخصوص هذه التيمات الصارخة بلون الدّم والموت والتهجير القسري والآفاق الغامضة.


يتبع في الجزء الثاني

تعديل المشاركة Reactions:
حيثيات منهجية لمقاربة نقدية للمجموعة القصصية «ساعدونا على التخلّص من الشعراء»

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة