-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

الأسرار النفسية الكامنة وراء كتابة القصيدة



أنور الموسى[1]



لطالما شكّل التحليل النفسي أداة نقدية استطاعت تفسير الأدب وعملية الإبداع، من منظار منهجي له أصوله المنطقية، فإذا كان هذا المنهج النقدي قادراً على ولوج عالم النصّ بعمق، فإن أسئلة كثيرة تطرح: ما سرّ شغف الشاعر بالقصيدة؟ ولمَ يشعر بالراحة بعد كتابة النص؟ وما مظاهر الكبت التي فرّغها؟ وهل فعلاً تعدّ القصيدة مفتاح الشخصية أي الشاعر؟



الإجابة عن هذه الإشكاليات ليست بالسهلة، كون التحليل النفسي للأدب متعدد الاتجاهات؛ كالفرويدية والإدلرية واليونغية واللاكانية وغيرها؛ لكن هذا لا يحول دون تقديم وجهات النظر المتنوعة.



فمن منظار فرويدي، يغدو النص الأدبي عنصر تسامٍ، وتفريغاً لرغبة مكبوتة في اللاوعي، ساهم ضعف الرقابة أو سلطة الأنا الأعلى في بلورتها، ولعل هذا ما يفسر الراحة التي يشعر بها الأديب عند الانتهاء من الكتابة، وكأني بالكتابة غدت وسيلة علاج نفسي من الاضطرابات والصراعات التي تراكمت عند الشاعر، وقد غالى بعض المحللين في تشبيه عملية الإبداع بالتفريغ الجنسي.



ولذا، لا غرابة في تفسير بعض المحللين الصور الشعرية والرموز والإيقاعات والثنائيات في النص تفسيرات جنسية، مستندة إلى نظرية الأحلام والدوافع.



وهكذا، تصبح العملية الإبداعية أشبه ما يكون بعملية تفريغ جنسي، من دون إهمال العوامل النرجسية والنكوص والتماهي وأواليات الدفاع الأخرى.



وفي مقابل نظرية الفرويديين، يذهب التحليل الإدلري إلى أن القصيدة تمنح الأديب فرصة ذهبية لتأكيد الذات، والتعويض عن نقص ما، ولعل الأديب يجد في الكتابة ما يبحث عنه، أي نقصه المتمثل في نصفه الآخر في سياق الحب والغزل، أو النكوص إلى الفردوس المفقود في سياق العذاب والحنين إلى الوطن/الأمّ.



وفي مقابل وجهتَي النظر السابقتين، يمكن الانطلاق من فرضية أن القصيدة / الأنثى، ميدان خصب للأساطير المنبعثة من اللاوعي الجمعي، ولذا، لا غرابة إن وجدناها مفعمة برموز الخصب والانبعاث والحياة، كرمزية عشتار، وجنّة عدن والفردوس المفقود، وأسطورة النصفين أي إندروجين.



زد على ذلك، أن النص الأدبي، يبقى ميداناً خصباً لاكتشاف علاقة الأديب بأمه، الحبيبة، أو الوطن أو الأنثى، فمن خلال الصور والأخيلة والإيقاع والانزياحات، يمكن التغلغل إلى أعماق الأديب، وسبر أغوار علاقته بالآخر، وكشف إخفاقاته وعقده واضطراباته.



وقد يرفض الأديب أو الشاعر كل هذه التحليلات والاتجاهات، لكن رفضه قد يقابل باتهامات المحللين النفسيين في الإنكار أو الاعتراف أو الهرب، لكنه يجب أن يقرّ بحرية المناهج في التعامل مع نصّه، كون الأخير بات ملكاً للقارئ.



مجمل القول: من منظار نفسي، تتحوّل القصيدة إلى أوالية دفاع وأداة تطهير وعلاج من الكثير من المآزم التي تواجه الأديب وإن كان مصدرها الطفولة، والسؤال الكبير هنا: هل ينال المنهج النفسي حقّه في الدراسات الأكاديمية؟ ولمَ ينظر إليه كثيرون بحذر شديد؟


عن صحيفة «النهار» اللبنانية




[1] أستاذ منهج وأدب في الجامعة اللبنانية.
تعديل المشاركة Reactions:
الأسرار النفسية الكامنة وراء كتابة القصيدة

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة