-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

جان دوست لموقع «سبا»: رواية «كوباني الفاجعة والربع» تعني لي أنني انتصرت على الحرب بالحرف



حاوره: إدريس سالم

القسم الأول


تتسم رواية «كوباني الفاجعة والربع» بالسوداوية والألم، وهي «لوحة أنتروبولوجية» كما وصفها البروفسور «عقيل المرعي»، إذ تعتبر مع رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك» لابن كوباني الآخر «جان بابيير» توثيق تاريخ مدينة بأكملها. تقع الرواية في (546) صفحة، وواحد وستين فصلاً. صدرت باللغة الكردية في مدينة «كولن» الألمانية، عن منشورات «دارا» في عام 2017م, ومن ثم بطبعتها العربية، وترجمة الكاتب نفسه بتصرّف إلى العربية عن دار «مسكيلياني» للنشر والتوزيع في تونس عام 2018م.

تفتتح الرواية بثلاث مقولات مقتبسة، الأولى من كتاب (فصل في الجحيم) لآرثر رامبو، والثانية من (مراثي إرميا) من العهد القديم، والثالثة يدوّنها جان دوست بقوله: «في القصف انكسرت عكّازة أبي إلى نصفين، نصف يلعن الحرب، ونصف أهشُّ به على ألمي».


خلق مونولوجها حركية ماتعة في المنجز النصّي، إذ استنطق ذاتيات الشخوص وصفاتها وأسرارها، وعرض صوتها الصارخ والفاضح لوقائع الماضي المأساوي والحاضر الجحيمي والمستقبل القبيح، إذ صرّح عن هذا الواقع عبر المتواليات السردية الآتية:
-         المهاجرون وصمة عار اجتماعية لحقت بكوباني، وبتلك العائلة نفسها.
-         مقت البرازيون من المهاجرين.
-         رفض قيام الأواصر الاجتماعية مع المهاجرين.
-         الأطلال والذاكرة والذكريات للراوي.
-         لحنين إلى الماضي وربطه بقُبح الحاضر.
-         موت أفراد عائلة الحاج مسلم بطريقة ممنهجة.
لتكون دفّة المونولوج بيد كاتب هذه الملحمة الروائية.

فمَن هو جان دوست؟ وماذا قدّم للأدب عامة، والأدب الكردي بشكل خاص؟
هو كاتب كردي سوري، يحمل الجنسية الألمانية. ولد في مدينة كوباني في 12 من آذار عام 1965م. أصدر العديد من كتب البحث والترجمة والدواوين الشعرية والروايات. نال عام 1993م الجائزة الأولى في القصّة القصيرة الكردية في سوريا عن قصّته (Xewna shewitî – حلم محترق); التي تحوّلت إلى مسرحية، عرضت في بعض مناطق تركيا. كما تحوّلت قصّته (Mistek ax – حفنة تراب) وهي مكتوبة باللغة الكردية، وتتحدّث عن مشكلة الاغتراب الجغرافي، إلى فيلم سينمائي قصير.
 

جان دوست - روائي كردي

عمل في التلفاز مذيعاً في قسم الأخبار، ومحرّراً ومقدّماً للبرامج السياسية في قناة (ميديا تيفي) الكردية، وقناة زنوبيا التابعة للمعارضة السورية، وكلتا القناتين كانتا تبثّان من بروكسل في بلجيكا.

حصل على جائزة الشعر من رابطة الكتّاب والمثقّفين الكرد السوريين، وذلك خلال مهرجان الشعر الكردي الذي أقيم عام 2012م، في مدينة (إيسن) الألمانية، كما حصل في 15 آذار 2013م على (جائزة دمشق للفكر والإبداع)، التي أعلنتها مجلة (دمشق)، الصادرة في لندن عن كتابه «رماد النجوم»، الذي هو عبارة عن مجموعة قصص كردية قصيرة، لعدد من الكتّاب الكرد. وفي عام 2014م وخلال مهرجان (گلاويژ)، الذي يقام سنوياً في مدينة السليمانية بإقليم كردستان، حصل جان دوست على جائزة (حسين عارف).



أهم المؤلّفات التي كتبها جان دوست:

الأعمال الشعرية:



1.    (قلعة دمدم – Kela Dimdimê): ملحمة شعرية بون – اسطنبول، 1991م. صدرت الطبعة الرابعة عن دار (آفستا) – اسطنبول، 2011م.

2.    (أغنية لعيني كردستان – Sazek Ji Cavên Kurdistan Re).

3.    (ديوان جان – Dîwana Jan): الطبعة الأولى (سما كرد) – دبي، 2010م. الطبعة الثانية (آفستا) – اسطنبول، 2012م.

4.    (قصائد نسيتها الحرب في جيب الشاعر): دار (فضاءات) – الأردن، 2019م.



الترجمات:

1.    (الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافيا كردستان): أربيل – 2001م.

2.    (مم وزين): قصّة من تأليف أحمد الخاني، طبعة دمشق – 1995م، طبعة بيروت – 1998م، طبعة دهوك – 2006م، طبعة دمشق الثانية – 2010م، طبعة القاهرة – 2014م.

3.    (بدائع اللغة): قاموس كردي عربي.

4.    (رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم): أبو ظبي – 2010م.

5.    (أنشودة المطر): مختارات من شعر السياب، اسطنبول – 1996م.

6.    (مهاباد إلى أولمبياد الله): اسطنبول – 1996م.

7.    (شرح مم وزين باللغة الكردية): (آفستا) – اسطنبول، 2010م.

8.    (قاموس كردستاني): باللغة الكردية، ترجمة من الفارسية، (نوبهار) – اسطنبول، 2010م.

9.    (متاهة الجن): ترجمة رواية حسن مته Labîrenta Cinan، مشروع كلمة – أبو ظبي، 2013م.

10.                       (مختارات من القصّة الكردية القصيرة): ونال عليها جائزة دمشق للفكر والإبداع آذار 2013م.

11.                       (رماد النجوم): مختارات من القصّة الكردية القصيرة، ونال عليها جائزة دمشق للفكر والإبداع آذار 2013م. صدر الكتاب عن دار مقام للنشر والتوزيع، القاهرة 2015م.

12.                       (الريش Perik): ترجمة رواية سليم بركات إلى الكردية، دار نشر (Ayrinti) – اسطنبول، 2015م.

13.                       ترجمة شرح ديوان (ملاي جزيري) من العربية إلى الكردية، (دارا) – اسطنبول، 2018م.



الروايات:

1.    (Mijabad): باللغة الكردية. الطبعة الأولى منشورات (بلكي) – 2004م. الطبعة الثانية (آفستا) – اسطنبول، 2012م. وقد ترجمت إلى التركية بعنوان (Sisli Sehir).

2.    (Gav Û 3darek): باللغة الكردية. الطبعة الأولى (آفستا) –  2007م. الطبعة الثانية (آفستا) –  2012م.

3.    (Mîrname): باللغة الكردية. الطبعة الأولى (آفستا) – 2008م. الطبعة الثانية (آفستا) – 2012م.

4.    (ميرنامه الشاعر والأمير): ترجمت إلى اللغة العربية من قبل مشروع (كلمة) للترجمة التابع لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في الإمارات العربية المتحدة عام 2011م، كما ترجمت إلى اللغة التركية من قبل «محسن قيزيلقايا»، ونشرتها دار نشر (Ithaki) في اسطنبول عام 2011م.

5.    (Martînê Bextewer): باللغة الكردية. (آفستا)، اسطنبول – 2012م.

6.    (مهاباد): 2014م – دار مقام.

7.    (مارتين السعيد): ترجمت إلى اللغة العربية من قبل مشروع (كلمة) للترجمة التابع لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في الإمارات العربية المتحدة عام 2015م.

8.    (عشيق المترجم): 2014م – دار ورق.

9.    (دم على المئذنة): 2014م – دار مقام.

10.                       (نواقيس روما): 2016م – دار الساقي.

11.                       (ثلاث خطوات إلى المشنقة): 2017م – دار الساقي.

12.                       (Kobanî): باللغة الكردية. منشورات (دارا) – 2017م.

13.                       (كوباني الفاجعة والربع): 2018م – دار مسكيلياني.

14.                       (باص أخضر يغادر حلب): 2019م – دار المتوسط.

15.                       (ممرّ آمن): 2019م – دار ميّارة.



يعيش منذ عام 2000 في ألمانيا، بمقاطعة شمال الراين، يتنقل بين المدن الأوروبية؛ وذلك للتواصل والتفاعل في سبيل الأدب والثقافة، وفتح نوافذ ثقافية بين الأدب الغربي – العربي والكردي، ترجمت مؤلفاته للعديد من اللغات.

إلى حوار موقع «سبا – Siba» الثقافي مع الروائي الكردي «جان دوست»؛ للوقوف على روايته «كوباني الفاجعة والربع»، وما يحملها من أهداف اجتماعية ورسالات إنسانية وسيميائيات لغوية، إضافة موقفه من بعض القضايا السياسية والاجتماعية:


·       بداية... ماذا أردت أن تقول عبر «كوباني الفاجعة والربع»، والتي وصفها البروفسور «عقيل المرعي» في مقالته النقدية بأنها «لوحة أنتروبولوجية بامتياز»؟ وماذا تعني لك روايتك؟

ما أردت أن أقوله قلته. ولكن بقي الكثير مما بقي في قلبي. لا يمكن قول كلّ شيء. وقد رددت مرّات عديدة أن حدثاً مثل كوباني يحتاج إلى روايات كثيرة ومن زوايا متعدّدة.
كوباني، الرواية، تعني لي أنني انتصرت على الحرب بالحرف. تعني أنني أعدت بناء ما دمّرته الحرب في الرواية. صحيح أن حارتي دمّرت، وبيتي تهدّم، وكوباني فقدت وجهها البهي الذي كنت أحنّ إليه، لكنني أستطيع القول إنني ساهمت في إعادة إعمارها. وبالطبع هذا النتاج وحده لا يكفي. لا بد من نتاجات كثيرة تعيد إعمار كوباني وذاكرتها قبل حجارتها.


·       افتتحت روايتك بثلاث مقولات مقتبسة، الثالثة أنت مَن دونتها: «في القصف انكسرت عكّازة أبي إلى نصفين، نصف يلعن الحرب، ونصف أهشُّ به على ألمي».

ماذا تعني لك هذه المقولة؟

أعني أن الأشياء التي بقيت لنا بعد المعركة العظمى شهود على هول الفاجعة. وهذه الأشياء على بساطتها تقول الكثير بعد أن نجحت في معركة البقاء على قيد الحياة. عكّازة أبي أحد هذه الأشياء الحميمة التي أوحت لي بالكثير. صندوق عرس أمي. باب الدار. ساعة أمي وغيرها. هذه الأشياء تروي كلّ شيء. وعلى الإنسان أن يحسن الإصغاء إليها ليعرف ما جرى. بدونها لم أكن أعرف الحقيقة المرّة.


·       «يألف الإنسان كلّ شيء إلا الموت». هل الكرد – برأيك – ألِفوا حتى الموت؟

لا ألفة مع الموت بالرغم من تكراره ملايين المرّات. الكرد وغيرهم يمرّون على جسر الموت إلى ضفة العدم دون أن يألفوه. لكن هناك نوع من التعايش معه. كثرت المجازر في حياتنا فصار الموت عادياً. وفي أمثال الكرد أن النهب العام مثل العرس. فالموت قد شاع بدرجة كبيرة، غاب الألوف وقتل الألوف ولم يعد خبر الموت شيئاً مهوّلاً.


·       «إن الموت في الغربة غربة إضافية». إلام يشير هذا الكلام في ضمير جان؟

مَن لم يذق الغربة لا يعرف هذا الكلام ومعانيه. عملت في مقبرة ألمانية واستلهمت هذا المعنى الدقيق. تخيّلت أنني أموت هنا وأدفن في مقبرة كالتي أعمل فيها. بلا شك سيعتبرني الأموات غريباً. فأنا لا أشبّههم لا في اللغة ولا في الكنية ولا في أيّ شيء. أخيراً ستتشابه هياكلنا العظمية. أعرف هذا. لكن مجرّد فكرة الموت في الغربة تصيبني بالرعب.
لقد مات أخي في اسطنبول في اليوم الذي تحرّرت فيه كوباني. وقرّرت العائلة أن يتم دفنه في كوباني. كانت هناك قبور كثيرة تستطيع أن تضمّ جثمانه سواء في اسطنبول حيث مات أو في أربيل حيث عاش منفاه. لكنها كانت وصيته وكان لا بدّ أن تنفّذ بالرغم من كلّ الصعوبات.


·       «حمْزِراف» مهاجر من مدينة قارص. هرب من الحرب الروسية العثمانية، وسكن في كوباني.

هل عشيرة «المهاجرين» تعود نسلها إليه؟ وهل سكان كوباني سكان أصليون، مقارنة برفضهم ومقتهم لها؟

حمْزِراف شخصية متخيّلة. لكن هناك مَن يماثله في الواقع. قرأت مثلاً في مذكّرات نور الدين زازا أنه هرب في القطار ورمى ينفسه قريباً من عامودا. سكان كوباني لم يكونوا أصليين؛ باعتبار المدينة حديثة العهد. الموضوع يتعلّق بالذهنية العشائرية. مَن سكن كوباني كانت له عشيرة يعلن الانتماء لها. أما الذي هاجر من أماكن قصية من بلاد الكرد واستوطن كوباني فلم يعتبر ابناً لها، وبالتالي ابناً لـ «دشتا برازان»، أيّ سهل البرازية، حيث عاشت العشائر الكردية البرازية. عائلة سيدا، وبالرغم من أنها من الأسر الأولى التي استوطنت كوباني، لم يعتبرها الناس من سكان كوباني؛ بسبب عدم وجود عشيرة لهم في تلك البقاع. إنهم ينتمون إلى بقعة جغرافية بعيدة، ولا صلة لعشيرتهم بعشائر البقعة الجديدة التي قدموا إليها.


·       زحفت – بعد خروج فرنسا من سوريا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية – قبائل «البرزان وكيتكان وشيخان وشدّادان وبيجان ومعافان وزرواران وعليدينان وقركيجان...» صوب المدينة. أين موطن هذه العشائر الأصلية حسب قراءتك للتاريخ الكردي؟

البرازان من القبائل الكردية الكبيرة التي وصلت حتى «سنندج» في كردستان إيران. ويوجد في صفحات التاريخ الكردي وصف لهذه القبيلة بالشجاعة والعزّة والأنفة، وتعج الوثائق العثمانية بأخبارهم التي يضيق بنا المجال هنا لسرد نتف منها.
جغرافياً استقرّت هذه القبيلة بفروعها الكثيرة في المنطقة الممتدة من «أورفة»، وحتى «رأس العين» ثم جنوباُ حتى تخوم «الرقة».


·       مع بداية الثورة السورية عام 2011م ظهرت شعارات مختلفة. ما الفرق بين شعار (آزادي... آزادي)، وشعار (أطلقوا سراح شمسنا)؟ وأيّ الشعارين يحتاجه الكرد في سوريا؟
 

ساعة والدة الروائي جان دوست

الكرد لا يحتاجون إلى شعارات. الكرد يحتاجون إلى عقول مستنيرة ترسم دروب الخلاص. قتلتنا الشعارات. فرّقتنا الشعارات. إنها لم تكن سوى أكاذيب ينثرها مطلقوها على أعين الناس فيصيبهم العمى الأيديولوجي. الحرّية بالمطلق نحن معها. ومن هنا نحن نطالب أيضاً بحرّية «شمسهم». لكن المصيبة أن الشعارات الجميلة تم تسييسها فصارت وراءها غايات سياسية دنيئة.


·       ما الفروقات السيكولوجية بين المجتمعات الكردية والعربية والغربية من حيث النظرة العشائرية، وإعطائها الأهمية أكثر من الدين والقومية والوطن؟

الكرد وللأسف، غارقون في وحل العشائرية. العشيرة هي رأس الهرم الاجتماعي الكردي. ولن تتقدّم المجتمعات الكردية ما لم تركل الذهنية القبلية وقيمها المتخلّفة البالية وتنطلق إلى الأمام. في موضوع الفروقات، الإنسان الغربي نسي العشائر. ربما هناك تعلّق بمدينة ما، بفريق كرة قدم، ولكن دون أن يكون بالمستوى المتخلّف الذي يكون عليه ابن العشيرة. أعيش مثلاً في مدينة ألمانية اسمها «بوخوم» مؤلّفة من ضواحٍ كثيرة. أهل الضاحية التي أعيش فيها متعصّبون لضاحيتهم كثيراً. وقد نجحوا في فرض لوحة سيارات حذفوا منها الحرفين الأولين من مدينة بوخوم واستعاضوا عنها بأحرف تمثل ضاحيتهم. التعصّب يظهر بأشكال مختلفة حتى في المجتمعات المتقدمة، لكن المهم القيم التي يحملها الإنسان والنظم التي تضبط حياته.


·       أيّهما كان أكثر ألماً على كاهل «جان دوست»، وهو يدوّن وجع الكوبانيين: الخراب أم الأطلال أم الذكريات؟ وكيف السبيل إلى وضع حلول للحدّ من محنة الأطلال وامتزاجها بالذاكرة؟

كلها مؤلمة. الصور التي وصلتني من كوباني ذبحتني. حارتي الفقيرة البهية الجميلة التي احتضنت طفولتي وشبابي حتى مغادرتي البلد إلى غير رجعة أصبحت مجرّد أطلال. كانت خلال خمسة عشر عاماً أملاً أحلم بتحقيقه. كنت أعدّ الأيام للعودة إلى تلك الأماكن التي غادرتها والأهل الذين تركتهم. وفجأة اختفى المكان... رأيت أشباحاً تتحرّك في مدن غريبة نائية ادعوا أنهم أهلي. حقيقة لم أتعرّف عليهم. بل وجدتهم غرباء عني مع أنني كنت أعرف أنهم هم مَن غادرتهم وتركتهم واشتقت إليهم. ماذا حدث؟ لا أدري. الذاكرة نفسها محنة. ولا يمكن لمَن له ذاكرة أن يعيش سعيداً.


·       عائلة المهاجرين كانت من وجهة نظر عشائرية «وصمة عار» لحقت بحمْزِراف، وعانى منها. ماذا عن وصمات العار المستفحلة في عقلية المجتمعات الكردية؟

العار يجلل مجتمعاتنا... نحن لم نتخلّص من إرث الإقطاعية ومثلها المقيتة حتى بعد دخولنا عصر الديجيتال. نحمل الآيفون في أيدينا والعقلية المتخلّفة في رؤوسنا. مازال الذكر سيداً والأنثى عبدة محتقرة. مازالت الثقافة بعيدة عن التأثير في عقلية المجتمعات التي ذكرتها. لا أعوّل على الأدب في أيّ تغيير قريب. لا أعوّل على الكلمة الحرة في مجتمع يكره الحرّية ويعبد المستبدين. المجتمع ينجذب إلى بريق الشعارات أكثر من انجذابه إلى عمق الفكر. سنعيش عقوداً أخرى قبل أن يستيقظ المجتمع الكردي من سباته التاريخي. معركتنا كبيرة. نحن لا نقاتل مستعمرينا ومحتلي أرضنا إلا بعقلية مهزوزة لذلك لن ننتصر. ثم أيّ قيمة لنا في هذا العصر الذي تحوّلت فيه بعض الشعوب إلى منتجين حصريين للفكر والتكنولوجيا؟ ماذا نحن؟ وما موقعنا؟ ننفخ أنفسنا بالوهم وندّعي أننا شعب الله المختار، ونحن لم نقدّم أيّ إسهام حضاري. ربما نتبجّح بأننا قاتلنا داعش... وللكلام عن هذا الموضوع نحتاج إلى فتح ملفات دهليزية نحن بغنى عنها الآن.


·       عبر شخصيات «مَتْين ورَوْشَن ولَوَنْد»، وهم أبناء الحاج مسلم المهاجري، أردتَ أن تثبت بأن عشيرة المهاجرين المنبوذة من قبل العشائر البرازية هي عشيرة وطنية وقومية، وتملك في وجدانها قيم إنسانية عميقة، وأنها تبنّت روح النضال الكرداياتي والمقاومة الثورية في الجبال.
ألا تزال هذه العقلية طاغية على الشارع الكردي في كوباني؟


أنا للأسف بعيد عن الشارع الكردي في كوباني منذ عشرين عاماً. لا أعرف كيف يفكر المقيمون على أرض كوباني الآن. لكن لا أعتقد أن العقلية تغيّرت. ربما الطاغي الآن هو اقتصاد الحرب والقيم العسكرية التي تشبعت بها روح المجتمع خلال هذه العشرية السورية السوداء. أعرف أن الطفيليين ازدادوا شراسة ونمواً، وأن الانتهازية بلغت أقصى مدى لها. أعرف أن العنف أصبح أمراً عادياً وأن أطفالنا لن يتخلّصوا من آثاره النفسية على مدى عقود قادمة. كوباني لن تتخلّص من الإرث العشائري إلا بتطور البرجوازية المحلية وانحسار آخر أثر للإقطاع. حين يكون المعمل هو مكان التجمّع الأهم بدل المضافة ستزول العقلية المتخلفة بسهولة ويسر.


·       ورد في الصفحة (204) من فصل «ظلال البندقية» بما معنى: «الحبّ بحسب فلسفة قيادة الكريلا هو حبّ الوطن».

ما هو الحبّ من وجهة نظرك كروائي وشاعر اختبر الحياة والفكر والفلسفة؟ هل هذا الحبّ العسكري نجح بفكرته النظرية على الأرض؟

لا يمكن حصر الحبّ في جملة أو جملتين. لكن على العموم الحبّ عاطفة انجذاب وتعلّق إما بالمحبوب، أو بالأرض، أو بأيّ فكرة ما. ما حدث هو تشويه للحبّ. ما هو الوطن من وجهة نظر هؤلاء؟ إنه القائد. وكلّ العواطف يجب أن تكون عواطف حبّ القائد. لا تحب أباك وأمك. لا تحب بيتك ولا تحب مَن تحب. عليك فقط أن تحبّ القائد. دعوة إلى العبودية العصرية تحت قناع حبّ الوطن.

يتبع في قسم ثانٍ وأخير

 

إدريس سالم


شاعر، وناقد، وصحفيّ كرديّ سوريّ.
من مواليد مدينة كوباني، (حلب – سوريا).
عمل مدرّساً في اللغة العربيّة.
يكتب الشعر والمقالات الأدبيّة النقديّة، في الصحف والمواقع الالكترونيّة، الدوليّة منها والمحلّية. كما له مقالات في المجال السياسيّ والثقافيّ والفكريّ والرياضيّ.
أحد مؤسّسي جريدة «التغيير» الناطقة باللغات: (الكرديّة والعربيّة والإنكليزيّة)، التي تأسّست في مدينة كوباني عام 2012م، ثم توقّفت؛ لظروف الحرب واللجوء.
محرّر ومراسل لعديد من الصحف الكرديّة ومواقعها الالكترونيّة.


تعديل المشاركة Reactions:
جان دوست لموقع «سبا»: رواية «كوباني الفاجعة والربع» تعني لي أنني انتصرت على الحرب بالحرف

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة