تشارلز سيميك: صوتٌ ينطق بالمنفى والأميركية معاً

 

واسيني الأعرج / فرنسا

ما يثير الانتباه هو أولا مواجهة الصين لفيروس الكورونا وحدها ووحيدة وكأنها استحقت ذلك وعليها أن تدفع ثمن ما اقترفته يداها، مع أن التحليل تذهب على أبعد من الشبهة البسيطة.

لم تحرك الإنسانية التي تدافع جيدا عن حقوق الإنسان ولا تعرف كيف تدافع عن الحق في الحياة. لم تحرك لا دولة صديقة ولا غيرها أصبعها الصغير وكأن الضرر بعيد، هناك حيث لا أحد إلا الصينيين، وليس هنا، في مطاعمنا، ولباسنا وأكلنا وشربنا وهواتفنا، فكان يجب النظر للمسألة بوصفها مأساة عالمية تضع الإنسانية في حالة اختبارية الأولى من نوعها.

في عالم حديث أصبح قرية صغيرة كما يقول شطار السياسة والاقتصاد والتجارة العالمية. العالم أصبح حفنة يد تحمل كل شيء، ليس فقط السلع والتبادلات، والمناطق الحرة، والبيع والشراء، ولكن أيضا انتقال الأمراض التي لا تعرف الحدود، وأكثر سرعة من السلع، وهذا ما لم يتنبه له تجار العالم الذين صنعوا حدودهم للاغتناء والمال، رهانهم الأكبر أبدا. ثم تشفى الكثيرون في إيران بوصفها الدولة الثانية الأكثر تعرضا للكرونا، في انتشاء كلي، ونسوا بغباوة غير موصوفة أن الفيروس أصبح أقرب لهم من حبل الوريد وبدل التفكير في المساعدة ماليا على الأقل مادامت المخابر العربية عاجزة عن كل شيء، حتى الحفاظ على حياة الناس في حدها الأدنى، من الأمراض الفتاكة.

والتفكير في إيجاد مصل يحمي من الكورونا أو من تفشيها في مرحلة أولى. واستمر التفكير البدائي والانتقامي هو السيد. الغرب مرتاح في عمومه وهو بعيد عن فيروس خطير ولم يسمع أحد للعلماء الذين أدركوا منذ اللحظة الأولى أن الآتي سيكون شديد الخطورة.

فجأة ظهرت حالات خطيرة في إيطاليا لم تنل حتى حقها الصغير في الأخبار وكأنها أحدث عامة. فجأة حدث الانفجار وبدأ الأمر يتفشى بشكل مفجع وبدا كأن إيطاليا تحت غزو قاتل وعليها أن تحمي نفسها بنفسها. الكثيرون لاموها عندما وضعت الشمال احترازيا تحت الحجر.

وبدا واضحا أن ما قامت به كان مهما على الأقل أنقص من التمدد كما سبق أن فعلت الصين التي سخر منها الإعلام الغربي وتم مرة أخرى التأشير للنظام بوصفه دكتاتوريا، يحرم شعبا ومدينة من 15 مليون من الحياة العامة إذ وضعها تحت الحجر ليتضح لاحقا أن ذلك كان أفضل ما كان بإمكانه عمله للحفاظ على حياة الناس. وأصبح الاكتظاظ في مستشفيات إيطاليا مرعبا.

وتجاوز الفيروس كل الإرادات الحسنة لدرجة نداءات الاستغاثة التي استجابت لها أوروبا بالمزيد من الحصار والطرش والالتفات نحو الذات فقط. وغلق الحدود. ليتها كانت حدود المرض أو المدن المصابة من شدة الغباوة كانت الحدود جغرافية وكأن الفيروس يحمل جوازا يمنع بموجبه من العبور.

وعندما طلب إيطالية الأقنعة الواقية والألبسة وأجهزة التنفس الصناعي التي دفعت بنقابة الأطباء إلى الإعلان أنه لم يعد في إمكانها إنقاذ الكل ولكنها ستعطي الأولية للمصابين الأقل عمرا وإنقاذهم ممكن ،الباقي لا تملك حيالهم إلا انتظار الموت. فجأة بدا الاتحاد الأوروبي متخلفا كما كل الاتحادات العربية والعالمية، مجرد قوقعة فارغة من أية حياة مشتركة، إذ أصبحت كل دولة تفكر في نفسها بأنانية وكأنه لا اتحاد أوروبي، ربما كانت فرنسا هي البلد الوحيد، على لسان رئيسها، التي رافعت من أجل خطة أوروبية حقيقية لمجابهة المرض ولم تغلق حدودها الجغرافية بالخصوص تلك المحاذية لإيطاليا.

بينما انكفأت النمسا وإيرلندا وبلجيكا وغيرها، على نفسها وتبعتهم أمريكا بحصار قاتل ضد أوروبا، مستغلة الوضع المرضي لأوروبا ليس بالكورونا ولكن بالأنانية لتذلها من جديد وتغلق حدودها وطيرانها، على الكل باستثناء بريطانيا. كانت الخطوة الأمريكية هي الخطوة القاتلة التي بينت أن الغطرسة الأمريكية تجير كل شيء لصالحها بعيدا عن كل تضامن إنساني وفي ال 15 مليار المخصصة لمقاومة وباء الكورونا فيروس، أو الفيروس التاجي، التي سحبتها خصصتها لولاياتها المختلفة ولم تظهر أي تعاطف إنساني مع بقية العالم.

مرة أخرى مدت الصين يدها إلى إيطاليا بأطباء متخصصين كانوا في يوهان وذللوا قوة الفيروس في يوهان، وبالمعدات الطبية وأجهزة التنفس. أما العالم العربي، مجرد تابع، أغلقوا الحدود، يغلقها، أوقفوا الطيران يوقف، فهو يعيش في عمق الموت دون أن يعيه.