مصطفى تاج الدين الموسى / خاص سبا
عبر نافذتين في بلادٍ غريبة تحدثنا بصمت.
عيني سألتها:
-
ما اسم مدينتك السوريّة التي نزحتِ عنها؟
جسدها العاري أجاب:
-
نسيتُ أسماء المدن السوريّة...
أحتاج لألف سيجارة وسيجارة حتى يستوعب عقلي جيداً جسدها العاري.
ثمة أحمقٌ صرخ داخلي لحظة ملل:
-
الله غير موجود.
أحمقٌ آخر يعيش داخلي أيضاً، أجابه غاضباً:
-
الله موجود.
مجموعة من الحمقى تعيش داخلي، تنقسم بين مؤيّدٍ ومعارض للأولَيّن، ثم تنشب بينهم معركة عظيمة.
جلستُ أمام نافذتي؛ لأراقب جارتي عبر نافذتها وهي تغيير ثيابها، ثيابها التي لا تغيرها إلا عندما تنتبه لوجودي خلف نافذتي.
كل أولئك الحمقى داخلي شهقوا وصمتوا.
الذين كانوا يصرخون داخلي «الله غير موجود» تمتموا بذهول «سبحان الله».
الذين كانوا يصرخون داخلي «الله موجود» همسوا بشتيمة طالت كل الآلهة.
ظلتْ سيجارتي معلقة بين شفتيّ زمناً طويلاً.
كنّا عدة شبان من عدة مدن سوريّة... صعدنا مع حقائبنا الصغيرة قارباً متواضعاً وأبحرنا مبتعدين عن الشاطئ، لا أحد منا لوح مودعاً تركيا... وكأنها مجرد كابوس.
ناصر
– وبسبب
زوربا – كان يريد أن نصل للشواطئ اليونانيّة.
عباس
– وبسبب
فلليني – كان يريد أن نصل للشواطئ الإيطاليّة.
أنا –
وبسبب
علي عقلة عرسان – خفتُ أن يأخذنا القارب – صدفة –
إلى
الشواطئ السوريّة.
لكن القارب أراد شيئاً آخر... تحطم بنا لنغرق وتتناثر جثثنا في قاع البحر الأبيض المتوسط.
تاهتْ روحي طويلاً فوق البحر قبل أن تصل لتركيا، فطارتْ فوق شوارعها حتى بيت جارتي الجميلة، لتدخل غرفتها بهدوء.
كان الوقت ليلاً وجارتي كانت نائمة، اقتربتْ منها روحي لتغطيها، وخوفاً عليها من برد المساء، مشتْ إلى النافذة تنوي إغلاقها.
عندئذ،
روحي
شاهدته... رذاذ سيجارته كان يضيء ربع وجهه.
كشبح كان زعيم الحمقى لا يزال خلف نافذته في عتمة غرفته، ينتظر بملل أن يغير الكون ثيابه.