-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

إلياس خوري: مهمة الأدب اليوم عدم السماح لقوى الإستبداد والتوحّش بأن تستولي على اللغة




حاورته: فاتن حمودي (سوريا) / خاص سبا

القسم الأول




الكاتب والروائي اللبناني إلياس خوري المثقف المنتمي لقضايا العصر الذي قال «إنه عالم ليس لنا»، حول منعطف الدم الذي يجتازه المشرق العربي، برزت مواقف إلياس خوري  من خلال حركات التحرر العربية والعالمية وشارك في صياغة بيان ربيع دمشق، وعبّر بكل ما يكتب عن متتابعات  الدم والمجزرة وتآمر القوى العالمية على ثورة حوّلت المدن السورية إلى أعراس... فحوّلها النظام والعرابون إلى مسرح دم، ما دفع الكثيرين اليوم للقول ماذا تبقّى لنا؟




فإذا كان لكل مدينة كاتب، يرصد ذاكرتها، ويؤرخ حكايات أحداثها و ناسها، فإن إلياس خوري هو كاتب بيروت ودمشق أيضاً... هو كاتب القدس يدرك أن هذا العالم وصل بنا للحضيض فيحاول أن يقول كل شيء، وقد اشتغل على مفردات الحرب، الحب، الطائفية، اللجوء، السجن... في رواياته: مجمع الأسرار، رحلة غاندي الصغير، الجبل الصغير، الوجوه البيضاء، أولاد الجيتو – اسمي آدم... وغيرها من الرويات.



ينطلق بكل ما يكتبه في انحيازه للإنسان، وهو يعتبر «أننا نعيش أكبر مأساة في تاريخ العرب المعاصر، وهي مأساة سوريا». فالسوري يعيش اليوم داخل مجموعة من الحكايات المعقدة والمتشابكة داخل بعضها، الاعتقال، المجازر، تدخل مال النفط، داعش، النصرة، الإرهاب، النخب والمعارضة، يؤكد إلياس خوري بأن فشل هذا الربيع، هو إعلان هزيمة قرن عربي كامل، بدأ مع عصر النهضة، ولا يمكن وصفه إلا أنه انتصار للبربرية، فمع بداية الربيع العربي سأل الجميع هل نحن أمام بداية جديدة؟



بعد  أكثر من تسع سنوات من دوامة هذا الربيع المخيفة، نسأل إلياس خوري:


  • هل فشلت الثورات أمام بربرية الاستبداد، وهل هزم الربيع العربي؟
  • ما الذي جعلك تمضي مهجوساً بالكتابة عن الوجع العربي، مجازر، حروب، طائفية؟
  • كيف نصرخ كما صرخ يونس بطل روايتك «باب الشمس»؟
  • مَن الأول، وهل ثمة أول بعد هذه السنوات العجاف؟



التقيت الكاتب الروائي إلياس خوري، في جلسة حوارية بثت على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ساعدنا في البثّ الصديق «عماد ظواهرة» في «مسار»، وكان لنا عدد من التساؤلات، تمحورت حول انتهاك اللغة والإنسان، ومفهوم المعتقل وأدب السجن، وموقف المثقفين من الثورة، أمام غياب أيّ خطط إستراتيجية، وبالتالي الاستبداد والثورة المضادة، ونقاط كثيرة أخرى، في المقابل الحوار كتابياً خاص بموقع «سبا» الثقافي.



ما أقوم به هو الحد الأدنى من واجبات أي مواطن، بأن يدافع عن قيم الحرية والحق والعدالة، فهذه واجبات أخلاقية ووجودية، في الحقيقة لم أفعل شيئاً يستحق الإطراء، الحقيقة ما فعلته هو أنني حاولت وأخطأت كثيراً، مثل كلّ مَن يحاول، أصبت مرات وأخطأت مرات، ولكن الذي يشفع لي هو أنني في كلّ المرات كنت أجد  نفسي في مكان مع المضطهدين والفقراء والمُعترين، والمعذبين، وهذا له علاقة بالكتابة التي حصلت بالصدفة لأعبر عن نفسي، فقد ولدت عام النكبة 1948م، وتفتّح وعيي السياسي عام الهزيمة، 1967م، عشت الهول الكبير في عمّان 1970م بأيلول الأسود، ثم عشنا هول الحرب الطائفية اللبنانية التي وللأسف لم تنته بعد، وكانت فاتحة الحروب المدمّرة التي لم تنته بعد والتي تجتاح المنطقة، واليوم نعيش أهوال الثورة المضادة للثورة السورية، والتي حاولت بنجاح كبير تدمير ما أصطلح على تسميته ثورات الربيع العربي، وربما الهول الأكبر...

عملياً نحن نعيش منذ ولدنا في هذه الدوامة المرعبة، ولا نزال ندفع ثمناً كبيراً جداً؛ لأننا نحاول دائماً أن نبدأ من الأول.



·       تساؤلك عن أول الصرخة التي أطلقها يونس بطل روايتك «باب الشمس»، من الأوّل، هل ثمّة أوّل بعد كلّ هذه الحروب؟



نحن كنّا نحاول أن نبدأ من الأول بعد كلّ هزيمة، وكارثة، عام 1948 هزمنا بلا حرب، عام 1967 هزمنا بلا حرب،  فقط هزمنا، أيلول الأسود كانت حرب أهلية مُفجرة وهجوم أستباقي قام به النظام الأردني.



أما الحرب الأهلية في لبنان، فكانت مكانا لاختبار صعوبة بلورة مشروع وطني ديمقراطي علماني، هذه الصعوبة في لبنان لم تصطدم بالأصولية لأنها لم تكن آنذاك، بل اصطدمنا بالنظام السوري، اصطدمنا بإصرار عنيف وعجيب على تصفية المقاومة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية، ربما كان الربيع العربي، وميادين التحرير التي انفجرت منها الثورات (تونس-ليبيا- مصر-سوريا اليمن-البحرين) ربما كانت المؤشر الأوّل للوعي بضرورة النهوض من هذه الكوارث، ما أقوله من هذه المنصة رؤوس أقلام،  فإذا أردنا الآن أن نحلل المأساة التي تدوراليوم في سوريا، نفاجأ كم هذا التاريخ قاسٍ ولئيم.



وأشار  إلى أنه بعد هزيمة 1967 حاول الرئيس المصري جمال عبد الناصر مع الإعلامي محمد حسنين هيكل،اختراع عبارة النكسة لتلافي موضوع الهزيمة، ولم يجد النظام المصري سوى طريقة لدفع ثمن الهزيمة بالإقالة وعزل عبد الحكيم عامر قائد الجيش المصري، ثم أنتحاره أو إعدامه.



* هزيمة 1967م سوريا:

أضاف، أما في الوضع السوري فالمفارقة الكبرى كانت، أن وزير الدفاع السوري الفريق حافظ الأسد قائد جيش الهزيمة، بعد أن سلّم الجولان للعدو الصهيوني، عمل انقلابا وصار رئيسا للجمهورية العربية السورية.



·       كيف تعاملت الأنظمة العربية مع كارثة الهزيمة؟



تعاملت بخفة وقدرة على التهرب من تحمُّل المسؤوليات، لم تكن هزيمة حزيران هزيمة حضارية كما كتب، هذا مسخرة (تفنيص)، هذه الهزيمة يتحمّل مسؤوليتها قادة الجيوش، فلم يكن مقنعا لأحد أن تنهزم بالطريقة التي هزمت بها، بسبب وجود توازن قوى.



من هنا فإن عام  2011، عام الثورات العربية، كان عام استيقاظ الضمير العربي، حيث أصبح لدينا أمل للمرة الأولى أننا سنخرج من الدوامة الأنقلابية المدمرة، ومن أنظمة أحترفت الأستبداد والكذب وأحترفت القضية الفلسطينية لقمع الشعوب، وأوّلها الفلسطينين.



* انتصر اللا أحد:

·       الناس يتحدثون اليوم بأن الأسد انتصر، في هذا المشرق الذي بات اليوم ملعباً للقوى الإقليمية، ما رأيك، وما هو دور النخب في ذلك؟



بعد تسع سنوات من الثورة السورية والحرب، لابد من التفكير بنقد حقيقي، فالنخب لم تكن بحجم المسؤولية، يمكن أن تجد كل مجموعة من النخب تبريرات للفشل، مثل كنا في السجون، هذا لايلغي بأن النخب لم تكن بحجم المسؤولية، وكان الشعار الذي أطلقه النظام السوري الأسد أو لا أحد، كان شعارا للتطبيق، وانتهينا اليوم أنه أنتصر اللا أحد.



الناس يتحدثون اليوم بأن الأسد أنتصر، عمليا الأسد لايحكم شيئا، أنتصر اللا أحد الذي يحكم المشرق العربي، هذا المشرق الذي بات اليوم ملعبا للقوى الإقليمية، ملعب أستغلته كل الأنظمة العربية المحيطة المعادية للربيع العربي، سواء الأنظمة الأستبدادية، أو أنظمة الغاز والكاز، وبالتالي نحن نواجه اليوم سؤالا كبيرا كيف نبدأ من الأول؟ نحن بحاجة لأحد يضرب رجليه على الأرض ويقول سنبدأ.



·       يظل سؤالنا عن النخب بحاجة إلى إجابة شافية؟



في الحقيقة إذا كان ثمّة دور للمثقف، فأوّل دور هو أن يتواضع، ويتعلّم من الناس، رغم كلّ شيء الواحد منا لا يشعر إلا بالخجل، ولابد أن نعيد النظر بلغتنا العربية، نتعلّم من الذي يصنع اللغة (الناس)، الناس الذين صمدوا، الذين هاجروا، الذين أندفنوا بالبحر المتوسط، نتعلّم من الناس الذين يعيشون في ظروف وحشية، في مخيمات اللجوء في لبنان والأردن وتركيا، من الناس الذين يعيشون في سوريا تحت ظروف قاهرة، من الناس الذين تحملوا داعش والنصرة، بعد تحملها للنظام الأستبدادي، فأول شيء نتعلمه من الناس لغة البقاء، لغة الصمود، ولغة الالتزام الأخلاقي العميق.



·       هل نعيش زمن تدمير اللغة من أي مصداقية، ماذا يعني أن نصل بلغتنا إلى أن تكون ممسحة، كيف نعيد الكرامة للغة؟



إن هيمنة اللغة السياسية اليوم، هي فض اللغة من المعنى، فمثلا حزب الله يبدي خوفه على النساء الحوامل في قصة الباصات التائهة في الصحراء، ولم يرف له جفن على الناس الذين ضربوا بالكيماوي، هذا دليل على أن اللغة باتت ممسحة، كيف يمكننا إنقاذ اللغة من أن تكون ممسحة وأداة للتبرير، فض اللغة من المعنى، فمشكلتنا اليوم لم يعد أحد يصدق شيئا، وبرأيي فإن هذه النقطة خطرة، فقد رأينا بأعيننا كيف فعل جيش الإسلام والنصرة، كيف قتلوا الناس، هذا الهول أن تأتي قوى مسلحة بالمال والسلاح بالنفط بالتحالفات الطائفية والمذهبية وتعتدي على شعب ليس من أجل تدمير الثورة والتاريخ، وإنما من أجل تدمير اللغة، نحن اليوم نعيش في ركام لغوي، ونحن اليوم بحاجة أن نعيد الكرامة للغة العربية، اللغة اليوم أصبحت مستباحة بفضل ذرائعية أستخدامها، وعدم قدرتنا على الدفاع عنها، من أجلهذا  فإن الضحيتين الكبيرتين هما الشعب واللغة، هذا ليس عبثا وأنا لا أتحدث فلسفة، لأن الشعب هو الذي ينتج اللغة، اللغة تعبر عن الناس، والأعتداء كان على الناس واللغة، أن نجرّب مع الناس لنعيد المعنى للغة التي فقدت معانيها.



نجحت الثورة المضادة بابتذال المعاني، فبعد ان تمّ خنق أصوات المنادين بالحرية عبر آلات قمع رهيبة، لم يعد هناك من حاجة الى لغة للتخاطب، فالاستبداد يتكلم بالدم لأنه اللغة الوحيدة التي يتقنها، والأصوليون يتكلمون لغة فقدت دلالاتها من شدة تشابهها ولم يبق منها سوى القتل والرعب، وأما النفط فلا لغة له.



·       على طرف آخر تجاهل بعض مثقفي اليسار معنى الثورة الحقيقي، ووضعها في الجانب السلفي فقط، كأدونيس، كيف تفسّر هذا الانقسام بين المثقفين، بل كيف توصف الجسم المركزي للثقافة السورية؟



النخب الديمقراطية السورية سقطت كزميلتها اللبنانية في امتحان الحرب الأهلية، أمام تكالب العالم المثقفون السوريون ينقسمون دائما، لأنهم فئات، وأخطر شيء أن يكون المثقف حاجب للسلطان بحجج مختلفة، وهذا للأسف حصل مع بعض المثقفين.



أما  الجسم المركزي للثقافة السورية، فقد أثبت رغم هشاشته وضعفه وتعرضه لأبشع أنواع القمع على يد النظام المستبد  خلال 50 سنة من عمره، أثبت هذا القطاع أنه يمثل الضمير السوري، هناك مصطفى خليفة، خالد خليفة سمر يزبك، فرج بيرقدار، إلى جانب الكتّاب والسينمائيين والمسرحين والفنانين، الذين قدّموا نتاجات كبرى وهي جزء من بلورة  لغة سورية جديدة.



ما يحصل اليوم في سوريا رأيناه في لبنان أثناء الحرب الأهلية، وبعدها، فقبل الحرب لم يكن  هناك رواية لبنانية، كان يوجد روائيون لبنانيون، فالرواية اللبنانية لم تتحوّل إلى متن في الثقافة العربية إلا في  الحرب حين تحطّمت التابوهات، اليوم نشهد في سوريا ولادة رواية، أنظر لها بإحترام وأتعلم منها.



·       دأبك على حضور محاضرات الفيلسوف الفرنسي «ميشيل فوكو»، إلى أي درجة أضاء لك الطريق لرؤية المعتقل، وتطور فكرة السجن، السجن كبديل للمقصلة، سجن نظام الأسد وجنون العنف؟

ميشيل فوكو - فيلسوف فرنسي


ميشيل فوكو كاتب ساحر عظيم، كانت تلك المرحلة من اجمل مشاهد الثقافة في العالم، لم يكن وقتها يوجد فيديو ولا أتصالات، كانت تُفتح أمامنا ثلاث قاعات كي تتسع للحضور، وكنت أجهّز نفسي من الساعة الواحدة ظهرا أنتظر حتى الخامسة لنرى ونسمع.



·       معروف أن أدب السجون أدب جديد على المكتبة العربية، دخل إليها في النصف الثاني من القرن العشرين، بسبب سيادة الأنظمة الشمولية، لا سيما في العراق وسوريا، ومصر، حدّثنا عن أهمية الكتابات التي رصدت فكرة الاعتقال لا سيما في الرواية، والفكر أيضاً؟




السجون العربية بدأت في الستينات، ومع رواية صنع الله ابراهيم "تلك الرائحة"، شكلت الكتابة  شهادة عن السجن، وكانت فاتحة لأسلوب جديد في الأدب، هذا الجيل دخل المعتقل أيام جمال عبد الناصر، وشكّل تجربة رؤيا جديدة  للكتابة واللغة السردية، بعد ذلك جاءت كتابات عبدالرحمن منيف، شرق المتوسط، ومدن الملح، والعراقي فاضل العزاوي القلعة الخامسة وروايات أخرى تحكي عن تجربة السجن.



أدب السجن يربط الحرية بالكتابة، بطل رواية شرق المتوسط كان يربط خروجه من السجن ليكتب، كذلك بطل رواية صنع الله ابراهيم كان كل الوقت يحاول أن يكتب رواية ولا يقدر، بمعنى ربط الكتابة بالحرية، هذه الميزة الأساسية لأدب السجون، بعد ذلك جاءت التجربة السورية التي عبّرت عن أدب السجن، مصطفى خليفة، ياسين الحاج صالح، فرج بيرقدار، (القوقعة) ورقصة القبور، للروائي السوري مصطفى خليفة، ورواية فواز حداد (السوريون الأعداء) إلى جانب روايات أخرى حكت عن الوجع السوري"لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة" لخالد خليفة، الروائي الشاعر سليم بركات، واسماء كثيرة اخرى.



فمن واقع الثورة السورية هناك الكثير من الأمثلة التي تحوّلت إلى أيقونات، والتي شكّلت نقلة في أدب السجون، لأنها ترينا بأن السجن مكان للموت والإعدام، مكان للإختفاء الكامل، فإلى الآن لانعرف مصير عشرات الآلاف من المعتقلين المغيبين قسرا، لانعرف أي فكرة عن مصائرهم، ولا ننسى الصور التي خرجت من السجن عن تجويع وتعذيب السوريين المعتقلين سايزر.



للأسف لم يعد هناك أدب سجون في العالم، فقط في بلادنا يزدهرهذا النوع من الأدب، ومعروف أن  أدب السجون نشأ في أوربا الشرقية، وأمريكا الجنوبية، ولكنه عندنا هو المكان الأخير، ولأن السجون تنمو وتزدهر بطريقة وحشية، فمن الطبيعي أن يزدهر وينمو أدب السجون في هذا المشرق.




فاتن حمودي - شاعرة سورية




يتبع في جزء ثانٍ وأخير
تعديل المشاركة Reactions:
إلياس خوري: مهمة الأدب اليوم عدم السماح لقوى الإستبداد والتوحّش بأن تستولي على اللغة

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة