-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

من وحي اللحظة



خديجة بلوش / خاص سبا


لطالما اعتقدنا أن الحياة جاحدة إذ لم تمنحنا كل ما نرجوه منها وما نتوقعه، لطالما كفرنا بأوضاعنا بقصر ذات اليد وبشح الفرح الذي نحاول أن نعتنقه ويرفضنا بشدة.

لكن اضطرارنا للوقوف بذات المكان ومحاولة اعتقال الزمن في كف اللحظة الآنية  هو ما يصدمنا, لأننا نكتشف أن أيامنا تتسرب من بين أناملنا بسرعة لم نحسب لها حسابا من قبل.

نحن ماضون على طريق الحياة بنفس الوتيرة التي لطالما عشنا بها منذ خلقنا لكننا نتعامى عن الحقائق وندعي أننا نستطيع التوقف بالزمن وقتما شئنا.
ما أتعسنا من بشر!
الموت قادم لا محالة، تقف طوابير طويلة لا نهائية أمام أبواب مغلقة للتزود بما نظنه هو المنقذ لنا من نهاية الأجل.
هل الأكل هو ما سينقذنا؟
أين أرواحنا  من كل ما يحدث؟ أين إنسانيتنا؟
نمر بمن لم تسعفهم الحياة للاختباء وراء جدران إسمنتية قد تحميهم من أقل تقلبات الوجود، من مطر يوشك أن يهطل أو من نسمات قيظ قد تحرق بقية باقية من فتات أمل واه.

نمر بهم دون أن ننظر إلى عيون أثقلتها المواقف السلبية بالجمود واللامبالاة... هم أيضاً لا ينظرون إلينا لكي يحموا أرواحهم النقية من رياء يسكننا وندعي بكل وقاحة أننا قد نبكي لو رأينا قطة تاهت عن بيتها...
هل سنبكي لو رأينا جثثهم الملقاة بإهمال على الأرصفة؟
أفضل أن أعتكف في كوخ بعيد عن كل رياء البشر, كوخ في غابة موحشة أو على قمة جبل لا تصله أصوات المدنية.
أفضل أن أموت وحيدة.
لا أريد نظرة شفقة من أحد.
لا أريد كلمة ظاهرها رحمة وباطنها سم زعاف.
لا أريد أن أرى نظرة تقول غير ما تقول الشفاه.
سيبكون على ضعفك وهم يبتسمون انتصاراً عليك.
أنت الأضعف يتقول أناهم المبطنة بالأنانية والمغلفة بالدهاء, أنت الأبهت لوناً ولن يفصلنا عن حدودك الملغومة إلا موت رحيم.
والموت طبعاً ليس لي أو لنا نحن المترقبون لشحوبه في كل منعطف.
نحن لا نهابه، ففي النهاية نحن نربيه تحت أجنحتنا، ونهتم بكل تفاصيله كي لا يصيبه الملل، نحنو عليه ونسمنه من أوجاعنا.
ماذا عنكم؟
هل تعرفون لونه أو شكله أو طعمه؟
لا يشبه شيئاً مما تحبون... أنتم من يجب أن يخاف منه وأن يترقب تربصه بكم...
حاولوا أن تعودوا إلى ذواتكم النقية... أن تكتشفوا نبضاً ضعيفاً لإنسانيتكم البائدة وأن تنعشوه.
غيروا نظرتكم الوردية والبعيدة عن الواقعية ورتبوا أولوياتكم... إنسانيتكم أولاً ثم رحمة طاهرة لغيركم خالية من شوائب النفاق المتجذر في ألسنتكم... وبعدها تتعهدون لمن حولكم من شجر وحجر ودواب أنكم أبداً لن تفكروا في ما تملكون وما لا تملكون من ظواهر الحياة الخادعة بل في قبس من نور سيضيء أرواحكم من جديد لتجدوا طريقكم نحو الخلاص...
ربما تتضارب الأفكار داخلي الآن وأنا أحاول أن أفرغ شحنة غضب عارمة على كل ما يحدث حولي.

أنا التي لم تكن تظن أنها ستكون عارية أمام نفسها مثل الآن... نعم... أقف عاجزة عن ستر ما ظهر من عيوبي الخفية... لم أكن أدعي الكمال، كنت فقط أظن أني لا مرئية وأن ما يحدث لي سيكون لي فقط ولن يعلم به أحد.
الخوف...
هو كل ما يسيج روحي الآن... خوف من ظلام سيأتي إن لم أكن بالقوة التي يفترض بي أني أملكها, وأي قوة؟
أنت أكثر هشاشة من قشة...
أراني الآن أكثر قوة من قشة...
أناقضني ويناقضني كل ما يحيط بي...
حاولي أقول لنفسي... أن تقفي صامدة لعمر آخر أمام هذه العواصف التي تقتلع كل شيء من جذوره...
ستنجو كل قشة لا يتشبث بها غريق...
وأنا؟
أنا لست غريقة.. ولست قشة...
إنها تمطر...
ربما هي طريقة السماء في نثر بعض السكينة في قلوب أرهقها الترقب...
المطر يأتي حين يخلد الماكرون لمخادع نومهم وتستكين زوابع الجاحدين وتصمت أبواق البؤس...
المطر لا ينهمر إلا حين يرتفع نبض قلوب المؤمنين.
الأطفال؟
هم وحدهم مَن يشفع لنا وسط كل هذا الكم من الغباء,
غباء الكبار وتعنتهم،
تشفع لنا نظراتهم البريئة وترقبهم المستمر لربيع تتكاثر فيه ألوان فراشات الفرح...
تشفع لنا ملامحهم الشفيفة...
كنا قد نسينا أو تناسينا كم نحن معدمون... كم نحن عدميون...
كنا نظن أعمارنا لا نهائية، وأن كل ما يصيب الآخرين لن يجاورنا حتى فكيف به أن يصيبنا؟
كم نحن مخطئون...
تناسينا عمداً أن الريح تقرب كل ما هو بعيد... وأن التخاطر يجعلنا نعيش ما يمر به الآخر الذي لا نعرفه ولم نكن نعلم حتى بوجوده...
كم نحن أغبياء!
أليست الحياة مثل كرة ثلج صغيرة...؟
تتدحرج لتشمل كل ما يعترضها وتأخذه في دورتها العظيمة للتضخم, ثم للسقوط عن حافة الكون والاندثار.
تعديل المشاركة Reactions:
من وحي اللحظة

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة