كلمة هيئة التحرير
على أعتاب هذه الصفحة لربما نحاول تدوين ما يدور في فلك أفكارنا، ومجرد
أن نقترب من ذاتنا قليلاً نشعر بتوتر وقلق يجوب في إرهاصات وجودنا، إنها لعبة الذات،
والأنا لعبة التحرر من قيود، لربما ما زالت تحاول العبور بنا إلى جهات لم نود التواجد
فيها.
هي حالة من التعب واليأس، من يأس لا واقعي للواقع المفروض عليه، إنها لحالة
ضرورية في التفكير بالذات نحو ذواتنا المقمعة بزنزانة الأبدية المعروضة، التي تحاول
دائماً العبور بنا نحو سماوات ليست لنا ولم توجد لأجلنا، إنها تكهنات تحاول ترميم الجهل
بالعادات.
فلماذا لا نكون أبناء ذاتنا، ونحاول التحرّر من قيود العقل الجمعي وشطحات
المجتمع المنغلق على نفسه؟
لماذا لا نعيد ترتيب ذاتنا بذاتنا، ونتحرر من أبدية الفكرة وخلود الرموز
وقداسة الأشخاص والعادة، التي أصبحت تلاحقنا في كل مكان؟
لماذا نتعلق بأكذوبة نعرف مصيرها، وأوهام نقشوها في مخيلتنا؟
لماذا نتعلق ببقايا فكر ميت لم يأتِ سوى بالأوهام؟
إنها الحقيقة التي تتألم في أحلامنا، إنها الحقيقة التي تودي بنا إلى القلق
والولوج نحو الوجود الحقيقي للفرد، ذاك القلق الذي يجعلنا نشعر بمعاناة الوجود القاطن
في باطن كل فرد، هذا القلق الذي يجعلنا نكتشف ذاتنا لذاتنا، ويقترب بنا أكثر من حقيقة
وجودنا وصيرورة أفكارنا والتغلغل في شعورنا تجاه ذاتنا، لذلك لا بد للعودة إلى الذات
ومصارحتها وتحرير الخيال من كل قشور المجتمع المحصن بتقاليد الأسلاف والأصنام والمنمقين.
هي فقط محاولة للهروب نحو المساحات، التي ما زالت تنتظرنا منذ الأزل مساحة
الخيال والفكر الحر، الذي نتوق جميعاً إليه المساحة، التي ترفض معظم الأطروحات المقدسة،
التي أصبحت مقدسة في أذهاننا نحن فقط نعود إلى شيء نريد أن يعود إلينا، إنه لفكرة الأنا
القابعة في سجن الأنا الأعلى، الذي رسم من قبل الإسلاف بطرق بدائية، حتى أسلافنا لم
يكونوا أصحاب ذاك الفكر المحبط المفروض عليهم أيضاً، عن طريق فرق الأمن الديني والأمن
القومي وفكرة الوطن المقدس والصنم المقدس والصورة المقدسة، كل الأفكار هناك كانت مقدسة،
وكل شيء يرتبط بالأخلاق والتقاليد والعادات، فكل شيء كان مقدساً إلا الإنسان، فهو الوحيد
الذي كان مجرد أداة للتصفيق والتعذيب بكل طرقه.
لماذا إذاً لا نعيد التفكير حتى بأفكار أسلافنا؟ لماذا اختاروا لنا هذه
الأفكار؟ هل كانت لهم أم كانت مصدر تهديد ووعيد وفرض مفروض عليهم؟
إنها لغة المستبد السياسي والمستبد الاجتماعي، شعارات وطنية براقة، أغاني
وطنية تمجد القائد، تماثيل بمدخل المدينة، وفي كل الساحات للقائد صور في كل مكان، حتى
أننا نراه ونتغازل به عنوة ونحن نقرأ الكتب المدرسية ابتداءً من التربية الإسلامية
وصولاً إلى التربية الوطنية، فهو القائد الذي يحمي الوطن ويزرع الحب والأمل في نفوس
المنمقين والمنافقين.
هذه هي صورة لعبة المستبد تحاصرك بالجهل والخضوع الأعمى من كل مكان، تحاول
السيطرة على العقل الجمعي والعقل الفردي والدخول على منطقة اللاوعي؛ لتبقى محمية من
أفكار الخيال الحر، وأيضاً فكرة التمرد التي تصبح شبه مستحيلة للوعي، وبهذي الحالة
يصبح المجتمع مجرد أداة يقوم بتنفيذ أوامر مجموعة من الأشخاص، الذين يسمون نفسهم الدولة،
أو الحزب الذي يعتبر نفسه المنقذ الوحيد للمجتمع، وأي فكرة ورأي مناقض لهم يكون بمثابة
خيانة عظمة.
وهكذا تترسخ مبادئ المواطن الصالح، الذي يكون مجرد أداة بيد الجماعة أو
الحزب، ويكون المجتمع قد توصل إلى ذروة الكسل والجهل والجمود والتسليم للأمر الواقع، ونحن بدورنا نحاول فقد أن نمضي نحو
حقيقة.
لذا فإن الإرادة الإنسانية وقوتها تنفجر في أي لحظة، مجرد عودة الذات إلى
طرح أفكارها الحقيقية عن نفسها، بهذا الحالة تسعى الذات أن تنشط جميع قواها من الذاكرة
والوعي واللاوعي والشعور؛ لتكون إرادة تحطم صورة المقدس في العقل وتحرره من الأصنام
المفروضة في اللاوعي، وهنا يأتي دور العادة التي تحاول أن تقمع كل تمرد ضد العالم الخارجي
الذي أصبح مصدر هدوء وراحة، لأن هذه التغيير في الذات سيسبب للعادة بحالة من القلق
وعدو الارتياح، ولكن الذات ستحاول عن طريق القلق والمعاناة برسم اتجاه تطوري آخر، قد
يسبب الألم للذات، ولكنه يودي إلى حالة الطمأنينة.
كالمريض الذي يعاني من أثر الأدوية أثناء العلاج من مرض ما، وهذا الألم
دليل على تحسن الحالة والشفاء، ولكن في النهاية لا بد أن نسال ذواتنا: هل تحررنا
من سلطة المقدس والتقديس؟ هل ما زلنا مرضى، ولا نقبل الآخر وننكر وجوده؟