جان بابيير (النمسا) / خاص سبا
إلى الصديقة زهرة بركل
استعجلت الرحيل هذا المساء.
كعابر سبيل أشرب النبأ المر من بركة الحياة ، التي قدّمها الشيطان العثماني على شكل موت ورحيل مفاجئ و قبل أوانه ، أترك النعوة معلَّقة على باب قلبي و أحتاج لأكثر من عين تقرأ كلماتي ، لم يخبرني أحد بالرحيل، دائما الموت يفاجئنا بكل الطرق، يمرُّ علينا ويتركنا لألمنا دون أن يذكر لماذا وكيف ؟ويهدينا ملامحه المقيتة دون أن نعرف له اسما ،
لكننا حتما ندرك من نسل أي ابن زانية هو ،يسير الوجع إلى بيوتنا الآمنة ونعلم جيدا من أنياب أي ذئب شوفيني ولد ، طائرته المسيّرة ممهورة بختم سلطان عثماني قدم من رمال آسيا ليعيث في حاضنتنا الفساد على هامش الوقت ،كنتن تجتمعن على مشارف الغد، لكنكن هجرتن في مقتبل العمر، و لم تنتبه إحداكن لسوء الطالع ، وكيف لي بهذا الألم أن أجمع كلماتي في حضرة رحيلكن ولا رثاء يُهدى لشواهد قبوركن .
وحيدة أنت زهرة ، وحيدات أنتن في هذا المساء الدامي ، وأنا وحيد كشمعة تذرف دموعها احتراقا، كلما طرقت مسمارا من الحروف في نعش الكلمات ازداد ثقب آخر في القلب ، ليخرج منّي صوت مدوٍ كقذيفة ، لمسائي أكثر من نظرة حُبلى بالتشييع ، على صدر الصفحة وهامشها ورقة بيضاء وأهديك نصا بحجم الرحيل وأكبر من الألم ، أو أكثر من ذلك ،أكثر من أي وقت مضى، كنت أود أن أرمي ببذار الأمل في حقل حلمك الذي غادره الماء ، استفاق صوتك في دمي .
زهرة! أي يد آثمة قطفتك من حديقة الحياة ؟ ستمضين الليلة بلا عشاء أحلام ،فهذا المساء كنت وحيدة ، وبرد غيابك يتسلل من حلنج إلى كوباني شمالا غربا قليلا ، تتكئ أصابعي على اللغة، أحاول أن أرمم هذا النص بكلمات تليق بك وأنت وحيدة وبعيدة.
من الذي سيقول من بعدك هذا المساء "الحياة قندريس "؟ هذا المساء العطب الذي أحدثة السفلة قاتل، والفراغ الذي تركته برحيلك مميت ، ليس معي شيء أكثر من كلماتي التي تودّعك على مفارق الرحيل ، وتلوّح لك وتلطم صدري ، ليس معي شيء سوى صدى طويل يزدحم بي ، و انفعالاتي التي أحتمي بها في الرحيل وأسبابه ، وأحدّق في التفاصيل فوق جدار العزلة ،اسمرار وجهك كان ينهيك عن التفكير بماركات العطور وتمازحين نوروز قائلة:" لولا السواد لما كان هناك مسك" ، هذه الذكريات تمزّق قلب الكلمات ، الكلمات وحيدة مثلك تماما ، فروحك طارت إلى عالم آخر بعيد عن ترتيب الأشياء اليومية ربما لأنك من سلالة الدم والسماء ، في مجلس العزاء، غدا سوف تحوم روحك ، ربما لا تعنيك ثرثرتي لكن كنت أود أن لا تخونني الذاكرة ، وأخبرك لا بد لي من حضور صلاة الوداع ، لأكتب لك قصيدة وعدتك بها وأضعها ترضع من قلبي وتنمو بالوفاء.