د. مصطفى محمود / خاص سبا
الحلقة الثانية عشر
Kobanî di 1954 de- dîroka salekê » 12 »
حقيقة عندما تتجول
لوحدك في الخيال بمدينتك دون سند، فلا بد
أن تغيب عن بالك شارع هنا، ومنزل هناك، ناهيك عن شخصية أو شخصيات أُزيلت ذكراهم لسبب
ما من لوحة أو دفتر
ذاكرتك .
لذا أعذروني إن لم
أستطع الحديث عن الجميع عن كل المعالم، أو عن مجمل الأحداث، بيد أنني أبتهج جداً
بإضافات وإضاءات وتعليقات بعض الأصدقاء من جيلي ، أو من الجيل الذي تلانا أقول بكل
اعتزاز إنهم يساهمون في إثراء حلقات الموضوع، لذا هم شركائي في الكتابة وأتمنى أن
يداوموا على هذا النهج بما فيه الخير للجميع
، كدنا أن ننسى جولتنا في الجزء الأخير من الحارة الشمالية الشرقية،
والتي تمتد من منازل " دوريش علو شڤان ( ڤارتان ) البيسي - عبدو حلبي ..،
والى مركز المولد الكهربائي الكبير والقديم الذي خدم المدينة لفترة طويلة.
تحد هذه الحارة
شمالاً، بساتين وحدائق عدة وأشهرها بستان حج رشاد التي تحتوي على أشجار مثمرة
عديدة ومساحات لزراعة خضروات متنوعة،
تحجب تلك الغوطة الخضراء شمال المدينة عن
خط القطار التركي ومبانيها الرسمية،
تتألف الحارة من قسمين تفصل بينهما شارع عريض،
القسم الشمالي الذي تسكنه في الأساس عائلات " بيسية "، منها التي تأسلمت
واستكردت كعائلة " حج علي أوسيه " ( كان شريكا لوالدي خلال فترة
محدودة عام ١٩٥٤ ) . ومنها عائلات تذبذبت بين الإسلام والمسيحية كعائلة "
أوسي قره گوز "، مرة تشاهده في الجامع، وكرة أخرى في الكنيسة، في حين بقيت
عائلات أخرى على دينها وقوميتها، كعائلة "
عبدالله كوپو " وعائلة المعماري المعروف " شهانو " الذي بني قصراً
( حسب معايير ذلك العهد ) طينياً ذو طابقين لعائلته ضمن هذه الحارة التعيسة
بمنازلها الطينية وأزقتها الضيقة التي لا تتعدى عرضها /٤/ أمتار، في القسم
الجنوبي من الحارة والتي تنتهي بحديقة الرمان المعروفة
) قيل أنها من أملاك حجي چوچان )، والتي هي أحدث وأكثر تنظيما من جارتها
الشمالية، تصطف منازل و أحواش متعددة بتعدد ساكنيها
الذين قدموا إليها من أماكن متفرقة، كعائلة
" بوز زونجكي " من منطقة " تل ابيض"، بينما
الأغلبية الباقية هي من شمال خط القطار
والتي هاجرت إلى المدينة لأسباب متعددة،
كعوائل : الأخان حج مسلم وحج رشاد ده لكي ( الجامع المعروف باسمه والذي دمر إثر
غزو " داعش" للمدينة عام ٢٠١٤.
وهناك
عائلات البيسكيين ( مسطو وعلي ووالد صبري )
مروراً بعائلة " حج عثمان عطو" - فتاح بوزو وإخوانه - أبناء قواص،
عنتابلي ، صالح عمر سميه، أحمد شيخ حسن سرخوشي ، وعائلة الملقب ب"چولاق
" الذي كثر أولاده وأحفاده بحيث أحتلوا ركناً كبيراًمن الحارة..
الحلقة الثالثة عشر
Kobanî di 1954 de- dîroka salekê » 13 »
قبل الانتقال إلى
ضواحي كوباني ( كانيا عربان - مكتله -كانيا مشده ) دعونا نكمل ما تبقى من
المعالم التي لم نتطرق إليها، ففي شرق المدينة كانت ثمة
دوائر حكومية مشيدة من قبل الفرنسيين قبل الجلاء ( السرايا - مخفر المدينة وسجنها
المركزي ، بالإضافة إلى مدرسة الريفية ).
تميزت هذه المباني
بطراز عمارتها الحضارية ( من الحجر الصلد ) ، دمر السرايا والمخفر إثر غزو داعش
للمدينة بينما بقيت المدرسة سليمة، كما كانت
هنالك فيلات بُنيت خصيصاً للمسؤولين الكبار : ( مدير المنطقة - القاضي - قائد
الشرطة ،( إلى الجنوب من المدرسة الريفية
ثمة مقبرة كبيرة للأرمن وسريان المدينة (
تشير إلى حجم الكثافة السكانية لهما ) . وقد أزيلت هذه المقبرة فيما بعد وأسست على
أنقاضها حارة حديثة سميت ب ( حارة حلنجيان)
، إلى الشرق الجنوبي من هذه المقبرة يظهر للعيان منازل حجرية عصرية
متباعدة ، خاصة ببعض العائلات التي تركت قرية "
مكتله " وشيدت هنا بعيداً عن مركز المدينة وعلى مساحات واسعة تلك المنازل ( حج
محي حج مصطفى - حجي شاهين بك
) إلى الشرق الجنوبي من حارتنا، تقاسمت بعض العائلات الثرية المعروفة
مساحات كبيرة لبناء المنازل الحجرية الكبيرة، تماثل
مساحة كل منها، مساحة ملعب لكرة القدم ( عمر
شريف شاكو - وأخيه فوزي- حسقتي ...) أما في
الجنوب الغربي من المدينة وحتى قرية " ترميك پيژان " (٥ كم ) تقريباً،
لن تشاهد سوى المساحات الخضراء المزروعة بالكروم والحبوب الموسمية .
في الربيع تتحول
كوباني إلى أبهى حللها الفاتنة، حيث الزهور والورود الطبيعية المختلفة، ونباتات
برية متنوعة تجمعها الأهالي للتغذية، سأذكر بعضاً منها بأسمائها الكردية المحلية:
: (pîvok - xelilok - sîvok - çavçilok - kereng - kimî -kivark
-çîstok-- batov -zaterî- bendik - qurîncok- sîrme - tûzik .....)
كانت والدتنا تطبخ
لنا من بعض تلك الثمار طبخات لذيذة مقلية بالسمن الحيواني ( لم يكن السمن النباتي
أو الزيت النباتي شائعاً آنذاك )، ومن النباتات المذكورة سلطات متنوعة طبيعية بعد
إضافة الملح والفلفل الحار وملح الليمون إليها ( لم تكن ثمار الليمون شائعاً وفي
متناول أيادي معظم الأهالي.
لا بد من الحديث عن
أهم معالم المدينة وهي هضبة " مشتنور ". حيث تنتشر في منحدرها
الجنوبي عدة كهوف منحوتة، وبأشكال هندسية بديعة، تتنوع بين الواسعة والمزخرفة،
والعادية الصغيرة ( حسب عدد أفراد العائلة ومركزها الاجتماعي ) مما تعني وجود قرية
كبيرة إبان العصر الحجري في هذا الموقع،
بالإضافة إلى تلك الكهوف، أبدع الإنسان الحجري في حفر صهاريج عميقة
وواسعة القاعدة لتجميع مياه الأمطار للاستعمالات الضرورية، ناهيك عن حفر عدة خزانات منحوتة ومكشوفة صغيرة
الحجم مستطيلة بعمق ١/٢ م، وبطول متر تقريباً ربما لإرواء حيواناتهم ، أو ... مما يؤسف له عوضاً عن
المحافظة على هذه الآثار التاريخية النادرة، تم العبث بها فلم تبق لها أثر تذكر ..
الحلقة الرابعة عشر
Kobanî di 1954 de- dîroka salekê » 14 »
" كانيا عربان " التي شاهدتها
عام ١٩٥٤ كانت قرية قريبة جداً من مركز كوباني، وكانت أجمل بقعة بينابيعها
وأشجارها وبساتينها وأقنيتها ... كنا نرتادها صغاراً وخاصة في فصلي الصيف والربيع للاستمتاع بجمال
طبيعتها الأخاذة، ولاصطياد الأسماك والسباحة في مياهها .. إذا استثنينا مضافة كبير القرية " مجحان حسين آغا "
ومنزل السيد " إبراهيم مصطيه - والد الأستاذ مصطفى "، فإن القرية
كانت تعيسة بمنازلها الطينية وأزقتها الضيقة غير المنتظمة، وبمقبرتها المهملة في
مركز القرية .
رغم كل هذا ، اشتهرت
القرية بينابيعها المتعددة التي تتجمع مياهها في شرق القرية لتشكل بحيرة صغيرة،
ومنها تنساب المياه ضمن جدول صغير بين الأشجار والبساتين الخضراء إلى أن ينتهي
ببحيرة أخرى صغيرةً على بعد /٥٠٠ / م تقريبا، بني القرويين عليها سداً بدائياً
لتجميع المياه واستعمالها لري الأشجار والبساتين التي تجاورها على مد البصر .
كان الأهالي بصغارهم
وكبارهم يستفيدون من هذه البحيرة للسباحة في مياهها صيفاً، بالإضافة إلى أنها كانت
مركزاً وملجأً للسلاحف والأسماك والسرطانات ... أشهر وأكبر حديقة على ضفاف الجدول والبحيرة ، كانت حديقة " بوزان
بك" بالإضافة إلى حديقة السيد "فريدون بك"، حيث تجد
فيهما شتى الأشجار المثمرة، ناهيك عن الطيور المختلفة التي تطرب الأسماع بأصواتها وتغريدها ... من طرف آخر اشتهرت
القرية بتلها الأثري الذي كان يحتفظ بآثار وأطلال منازله القببية الطينية في
أكتافه السفلية ، كنا نعثر على لقي قرميدية وأشياء أخرى متكسرة تدل على أن التل
كان قرية كبيرة في عصر ما من التاريخ
، أفادني أحد سكان القرية بأن أول من سكن هذه البقعة الفاتنة، كانتا
العائلتين الكورديتين " چيلو " و" أحميه بريم "
وذلك قبل /٢٥٠/ عاماً تقريباً، مما يؤكد بأن تسمية " كانيا عربان
" تسمية مجازية وليست حقيقية.
مشهد للبند ) السد السطحي
(في منطقة القناية
|
تعليقاً
على هذه التسمية الدارجة، أفادني أحد الأصدقاء المهتمين بأسماء مواقع وأماكن
المنطقة بأن التسمية الأصلية قبل تحويرها هي (
Kaniya Aravan )إلى الجنوب من القرية، بينها وبين قرية " مكتلة
" كانت ثمة أقنية مائية ( قيل أنها رومانية ) تنساب مياهها تحت الأرض غرباً
من مسافة /٣٠٠/ م تقريباً إلى أن تظهر على سطح الأرض لتشكل مياهها
الصافية الرقراقة جدولاً بعرض /٤-٥/ أمتار
ينساب إلى مسافة /٣/ كم شرقاً، تتكاثف على ضفتيه البساتين والحدائق، وتكثر في
مياهه الأسماك والسلاحف والسرطانات بالإضافة إلى الثعابين المائية . حفرت عدة آبار (
١٠-١٢) بئراً على هذه القناة ( لم يتسنى لي تاريخ حفرها ) بعمق ( ٥-٦) أمتار،
وسورت حوافها بأحجار بازلتية، لتسهيل سحب المياه منها ( أكاد أجزم بأنني لم أشرب
في حياتي كلها أنقى وأعذب وأبرد صيفاً، مياهاً كمياه هذه القنوات، إلى
الجنوب من القرية، تقع قرية أخرى وهي " مكتلة " التي كانت ملكاً
لآل شاهين بك، تتميز بقصر فخم على رابية شمال القرية، بينما تتناثر منازل
أخرى حجرية أنيقة لأنجاله وأنجال أخيه مصطفى حرچو
.
يتبع...