فيصل نجم
الرواية هي فن الصدق على حدّ وصف الصديق
الروائي أحمد خميس . ويتابع قائلاً ما شرعت بالكتابة إلا لأننا نعيش وسط عالم
يصنّع الأكاذيب ويصدّقها وهو يعلم في قرارة نفسه أنها كذبة . وسائل الإعلام بمختلف
أشكالها ووسائل التواصل الاجتماعي واجتماعات هيئات الأمم والمنظمات الإنسانية كلها
تكذب . لذلك وجدتني في لحظة ما على مفترق طرق تنتهي كلها بالجحيم إلا واحدة وما إن
سلكتها حتى كانت خنادق الحب.
تدور أحداث الرواية في محافظة الرقة السورية في
العام 2013 قبل سيطرة قوات المعارضة عليها بقليل وتناقش مواضيع متعددة ويأتي في
مقدمتها واقع السجون وحجم الانتهاكات التي يصوّرها الكاتب بطريقة أكثر من رائعة
لدرجة أنك تعيش الألم كما هو.
الرواية ذات أسلوب فريد استخدم فيها الكاتب لغة
رصينة بحيث استثمر مضمون العمل مبرزاً جمالية اللغة العربية والعكس بالعكس فقد
وظّف الكاتب اللغة لإبراز المضمون والذي تعددت على أساسه الرؤى على حد وصفه.
حسان وربيع ونبيل وعمر هم الشخصيات التي تتبلور
حولها الرواية ويشكلون عمودها الفقري وهم ممن أعلنوا رفضهم للظلم بالمقابل تتحدث
الرواية عن سوزان معلمة اللغة العربية والتي تشكل نقطة تحول في الرواية بحيث أن
علاقة الحب التي تجمعها بحسان أحد عناصر المعارضة والذي يدفعه الحب إليها الى
المخاطرة ودخول المدينة لكي يراها عقب صفقة التبادل والتي جرت بعد استهداف ابطال
الرواية لشخصية عسكرية بارزة وسط المدينة وجلبه معهم إلى مقراتهم .ومع تعقّد
الحبكة واحتدام الصراع يبدأ التخبط داخل ضباط الصف الأول على اعتبار أن من اغتيل
يعتبر أحد أبرز ضباط القصر وبناء عليه تتم صفقة التبادل.
أكثر من 500 معتقل في سجن الرقة المركزي والذي
يصور الكاتب أهوال العذاب التي يعيشونها . يتم تحريرهم مقابل جثة اللواء مقداد
الذي قتل بخطة غاية في التعقيد يرسمها حسان وزملاؤه.
منهل مدير السجن بالإضافة إلى سليمان السجان
ونيبال رئيس مفرزة الأمن العسكري في المدينة يعيشون تخبطاً فظيعاً أثناء صفقة
التبادل وهنا تتدخل إحدى الشخصيات وهو رأفت زميل سوزان حبيبة حسان والتي تتعرض
لوشاية من رأفت على اعتبار أنه أحد العناصر الأمنية المدنية.
تُعتقل سوزان بأسلوب ميليشيوي أقرب منه للخطف
على تعامل دولة مع رعاياها الأمر الذي يدفع أبطال الرواية لاقتحام السجن وهنا يحدث
ما لم يكن بالحسبان.
من قرأ خنادق الحب لابد أنه شعر للحظة بأنه
يرتدي نظارات 3D فالأحداث كانت
تتراءى لقارئها رؤى عين وتسير مجرياتها بمحاذاة مشاعرنا . كما وإن استخدام أسلوب
المَشاهد دعّم عنصر التشويق في هذا النص المكون من أقل من مائتين وخمسين صفحة
مليئة بالمفاجآت . ورغم كل ذلك إلا أننا كقرّاء نستطيع القول بأن إسهاب الكاتب في
وصف ردّات فعل الشخصيات جعل منها شخصيات واضحة جداً بالنسبة لنا الأمر الذي حرمنا
من إعمال مخيلاتنا وتفعيل التصوّر الخاص بنا وهذا من وجهة نظري مطبّ حقيقي وقع به
الكاتب ربما عن قصد أو دون قصد.
"كم من دموع سنذرف يا ترى" بهذا
التساؤل أنهى الروائي عمله وهي نهاية تراجيدية بالمطلق رغم أننا شعرنا للحظة بأن
الخاتمة كانت من أجمل ما يمكن حيث حُققت العدالة وتجسّدت بكل معانيها ولكن في هذه
الجملة الأخيرة أعادنا أحمد خميس مرة أخرى إلى صميم مأساته وسجونه.