تطرح الفيلسوفة پاسكال سييز سؤالها على قنافذ شوبنهاور .
يتطلب بناء علاقات إنسانية جهداً كثيراً، وهو بالتأكيد من المجالات الشائكة والأكثر صعوبةً وتعقيداً. كما أنه ليس من السهولة بمكان المواءمة بين بعض الأفعال التي نستعملها في علاقاتنا بين بعضنا وتوضيح الفروق بينها مثل أفعال : أعطى- تلقى-أعارَ أو استدانَ - َطلبَ - شََكرَ… يمكننا التعبير عن ذلك بطريقة أخرى لأن بناء علاقات وإضفاء صبغة معينة عليها هو في الحقيقة عمل طويل وشاق لانهاية له. إن السؤال الذي يمكن طرحه في ما يخص العلاقات الحميمة بين البشر هو : كيف يمكننا أن نوازن بين أن نمنح ما لدينا كله فنفقد أنفسنا ونضيع،وبين ألانعطي شيئاًفنحرم أنفسنا من الحب؟ في العام 1851، طرح الفيلسوف ”آرتور شوبنهاور“وهو الأكثر عداءً للإنسانية -الكاره للبشر- والأكثر تشاؤماً هذاالسؤال بالذات في مجموعة فلسفية عنوانها باليونانية : “Parerga et paralipomena” "إضافات و إغفالات " -هذا العنوان هو تجميع لعبارات يونانية قليلة الاستعمال- بدأت حياة ”شوبنهاور“ بطريقة سيئة فقد عانى من الكآبة وهو في السادسة من عمره ،كان يكره والدته،ثم كره النساء عموماً وكذلك الرجال ، ثم كره أيضاً الفيلسوف ”هيغل“ولكنه كان يبجل فصيلة من الكلبيات وهي نوع من الكلاب الصغيرة تسمى ”Les caniches "وكذلك كان يحترم بوذا،وقد تمكن هذا الفيلسوف وهو مازال شاباً صغيراً من التعرف على الحقيقة الأساسية في الحياة ألا وهي: ”الحياة هي العذاب“ إن الحياة عذاب ،حسب شوبنهاور، وهي حين تخلو من العذاب يداخلنا شعورمن الملل والضيق مفعم بكل ألوان الحرمان والحزن وهي نظرية فريدة من نوعها، فيها نوع من الهوس القهري. واصل ”شوبنهاور“ الكتابة من دون توقف في هذا الموضوع وكي يتمكن من التعبير عنه بشكل أدق ، استخدم الصورة المشهورة لرقاص الساعة ( البندول) الذي يتأرجح بهدوء من اليسار إلى اليمين بين قطبين : من العذاب والمعاناة إلى الضيق والملل وبالعكس… هذه الحركة المتواصلة واللانهائية بين رغباتنا التي تتسبب في شعورنا بالعذاب لأننا نرغب في الذي لانستطيع الحصول عليه، وبين الملل الذي يداهمنا بمجرد حصولنا عليه. أضف إلى ذلك إن العذاب يجعل منا متساوين أمام الواقع ، كلنا نتعذب لأسباب وبدرجات متفاوتة، ونتعذب أيضاً في حياتنا معاً . كيف إذاً نتناغم ؟ كيف لنا أن نتقارب ولا نذوب ضمن هذا التقارب أي من دون أن تُفقدنا تلك الرابطة ذاتنا وتسبب لنا العذاب… -يمكننا ذلك من خلال أخذ العبرة الكامنة في الأسطورة السيبيرية التي أسماها: ”معضلة القنافذ“ - (Hedgehog’s dilemma )والتي تمثل قيّم الوجود لحياة سعيدة في سلوك فلسفي ضمن منظومة الأخلاق والعادات .-المترجمة يحدثنا”شوبنهاور“ عن المسافة المثالية ، التي وصفها العالم النفسي الشهير سيجموند فرويد لما ذهب زائراً أمريكا عام 1921 لإلقاء المحاضرات حين قال: ” ذهبت لأمرين ؛لإلقاء المحاضرات ، ودراسة سلوك القنافذ! كان شوبنهاور يتحدث عن التحديات التي تواجه العلاقات الحميمة بين البشر ؛ علاقات القرب والبعد، التداني والتنائي . وعمد إلى صياغة هذه العلاقة ، بوصف الحالة التي تعيشها مجموعة القنافذ :تتقارب القنافذ التماساً للدفء،ولكن وخز الشوك الذي يغزو جسم القنافذ ، يملي عليها العودة إلى العراء تحت لسع البرد، وهكذا كلما عضها البرد، هرعت إلى حنان الدفء، لكن هذا الدفء مرتبط بوخز الشوك ، وكأن القانون الذي يحكم علاقات القنافذ فيما بينها ، محكوم بتناوب البرد والدفء، فالوخز حاضر كلما اقتربنا من الدفء هاربين من لسع البرد . ولو نقلنا سياق الحديث إلى الإنسان فإن لسع البرد ؛ هي حالة الاغتراب الوجودي الذي يعانيه الإنسان في رحلته الممتدة على هذه الأرض . وأما حنان الدفء ؛ فهي الحاجة الوجودية الملحة عند الإنسان لإقامة العلاقات . فيما وخز الشوك هي آفة الاقتراب من الآخرين والالتصاق بهم-هذه هي المفارقة التي توجد في الحياة المشتركة ، تبقى المخاطر التي يواجهها الإنسان نفسها حين الاقتراب الشديد إلى درجة الذوبان والتباعد الشديد إلى درجة الانشطار كما القنافذ : هي الوحدة وخيبة الأمل في الحياة الزوجية وفِي الصداقة وفِي التقارب الاجتماعي . إن الجسد في خضم هذه التجربة سيبقى مرتعشاً يقاسي البردبعيداً عن الآخرين وحين يحاول القرب طلباً للدفء ستكون نهايته المعاناة والاختناق من الألم. تختصر العبارة التي كتبها "Bernanos”تلك المعاناة: «الجحيم، هو البرد»
نعود
إلى السؤال المهم والحقيقي أي الواقعي والرمزي في آن واحد، ضمن الأنظومة التي
تكلمنا عنها آنفاً: ماهي المسافة الآمنة التي علينا حسابها بدقة فيما لو كنا قنافذ، كي
نشعر بالدفء من دون أن يداهمنا الألم ؟
وأنتم ماهو رأيكم ؟
ترجمة أمل البحرة