-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

أفين اوسو لموقع «سبا»: «أرواح تحت الصفر» مبطّنة بالأوجاع ومقدّدة بالدمع والدم (ج1)


حاورها: إدريس سالم


قالت ذات آذار محفوف بالسلب والنهب والدمار:
«يا دعاة الإسلام:
إن اقتحمتم بيت جدّي، اسرقوه بهدوء؛
أخاف على جدّي تحت التراب أن يسمع صوت نِعالكم،
وأنتم في عقب داره؛ تَنهَبون
أخفضوا صوت نباحكم، وأنتم تتقاسمون البيادر،
وتهلّلون بالتكبير
فسماء قريتي لم تعتدْ على النهيق
غطّوا قذارة ملامحكم إن اقتربتم من شجر الزيتون
لا أريد أن تفسدوا عبقها المعجون بعطر عروق أجدادي
دعوا ضحكاتنا وذكرياتنا هناك بسلام
يكفيكم حطام قلوبنا.
وإن سألتكم السواقي: مَن أنتم؟
أجيبوا: نحن خفافيش الظلام، وجحيم يحرق كلّ بقعة تنعم بترسبّات السلام.
أجيبوا: نحن مَن نستحقّ لعنات الله علينا».

أفين اوسو، كاتبة كردية، تكتب الرواية والنصوص النثرية. ولدت عام 1991م في مدينة عفرين، التابعة إدارياً لمحافظة حلب، دخلت كلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم الترجمة الفرنسية، ولم تكمل دراستها؛ بسبب ظروف الحرب  في سوريا، فنزحت إلى تركيا. تقيم حالياً في ألمانيا.

صدرت لها حديثاً رواية «أرواح تحت الصفر» عن دار «ببلومانيا» للنشر والتوزيع في مصر، وهي رواية سردية عاطفية وواقعية، مؤلّفة من تسعة وأربعين فصلاً، منتقلة بشكل سلس متسلسل بين بطلتي الرواية «أفيستا وجيان»، مُوَزعاً على (220) صفحة من القطعِ المتوسط؛ رسمت لوحة غلافها التشكيلية السورية «زيرين علي».

وللحديث أكثر عن رواية اوسو «أرواح تحت الصفر» ورسالتها فيها، وما تحملها من قيم ومعانٍ، التقت بها صحيفة «سبا» الثقافية، ووقفت على الكثير من القضايا الحياتية والأفكار الأدبية والطموحات المستقبلية.


إلى أسئلة الحوار:


·       نُشر مؤخّراً في مواقع التواصل الاجتماعي أنك كنت مشرفة إلى جانب مشرفين آخرين، وأنكم أصدرتم كتاباً بعنوان «الندم»، الذي هو عبارة عن مشروع كتاب جماعي خاصّ بكتّاب سوريين.
ما أهميته في ظلّ ارتفاع أسعار الطباعة والنشر، وسط التدهور الاقتصادي لغالبية الكتّاب الشباب؟ وما مضمونه؟


كتاب الندم الذي هو انطلاقة فريق فكر السوري بإدارة الأستاذ «حسام حمدان الرقب»، ومهمتي كانت إلى جانب الأستاذ «حازم المحمد» استقبال النصوص، والإشراف على فرزها. كانت تجربة حافلة بالاستمتاع، حيث نجحنا في نثر بذور الأمل في قلوب الشباب السوري، وأنشئنا جيش دروعهم الكلمة وذخيرتهم الدواة لا الرصاص، نظراً للظروف المعيشية وشظف العيش من المحال أن يتمكن الكاتب الناشئ من تحقيق حلمه في طباعة كتاب خاص به، فأخذنا بيدهم، وتمّ لَمْ شملهم أخوة حبر في كتاب جماعي، حيث تلعب دُور النشر دوراً بارزاً في صناعة الكاتب، وبدأت تبحث عن طرق ملتوية لاستغلال المؤلّف أكثر من الأخذ بيده.
حرصنا على أن يكون الكاتب سوري؛ ليصرخ على الملأ بأوجاعه، دون الانحياز إلى طرف دون الآخر، لنرمي لهم ستر النجاة من سيل السياسة الجارف، عسى جروحنا تلتئم بالمودة والصفح...

·       ما رأيك بدُور النشر الكردية في غربي كردستان، التي بدأت بالظهور في ساحة النشر؟

خطوة رائعة للرفع من المستوى الثقافي الكردي في غرب كردستان. علينا أن ندرك بأننا شعب تائه في خريطة العالم، وباتت أرواحنا لقمة سائغة بين فكّي المصالح الكبرى، إن لم نبنِ جيلاً منفتحاً على العالم، ويقرأ من كلّ حدب وصوب سنبقى عالقين في فم الوعود والتصريحات الآنية.
إن المواطن الياباني يقرأ في العام الواحد ثمانين كتاباً، وقد غزوا العالم بصناعاتهم وابتكاراتهم المميّزة؛ لأنهم جعلوا القراءة عادة وليست هواية أو تسلية، في حين المواطن في الشرق الأوسط منشغل بالتحارب وضرب الوطنيات على مواقع التواص الاجتماعي.


·       كيف كانت علاقتك بفنّ الرواية قبل أن تبدأي كتابة نصّك الروائي الصادر حديثاً عن دار «ببلومانيا» المصري؟

شغفي بعالم الكتب والروايات بالتحديد بدأ في سنّ مبكر، حيث كنت في طفولتي أملئ صفحات من دفتري بسطور متزاحمة وكلمات لا معنى لها، لدرجة كان البياض من الصفحة يختفي أثره، حتى على الهامش كنت أسترسل بسكب الحروف دون وعي، هذا الحدث دفعني لحبّ القراءة كمَن وجد ضالّته، ابتداء من قصص الأطفال مروراً بالشعر وعالم الروايات، كتب جبران خليل جبران  كانت المحطة الأولى التي نقلتني.


·       هل تأثّرت في تجربتك الأولى بأعمال معيّنة، أو صادفت حدثاً شعرت بأنه لا يمكن التعبير عنه إلا في الشكل الروائي؟

الكتابة ومنذ الأزل تتأرجح بين التأثير والتأثّر، ومن الجائر أن أرفض تأثّري بأحد، عند قراءتك لكتاب أنت تحفظ في اللاوعي تعابير وجمل استساغها حواسك. فالكتابة في نهاية المطاف تتضافر بين الموهبة والأوتوبيوغرافيا والمحيط.
منذ أول يوم اخترق الرصاص سماء سوريا، ومع أول حقيبة وضبتها ليكون بيتي المتجوّل على ظهري، ومع أول خطوة خطوتها خلف سياج الوطن وشبح الماضي  يفزعني، فأستعيذ من شيطانه بقلمي ودفتري.


·       «أرواح تحت الصفر»: لماذا هذا العنوان؟ وما رمزيته ذاتياً وخارجياً؟

نحن العائدون من الحرب نتوسّد مآسينا، ولا يمكن أن أجرّد نفسي وذاكرتي المتخمة بقصص عن الحرب ووقعه علينا، ولأن الكتابة كانت ولا تزال مهرب سرّي ليمرّر الكاتب حقيبة أفكاره ورسائله للشعوب المضطهدة، اخترت أن أكتب عن الحرب لطالما كنّا فريستها. والعنوان مبطّن بالأوجاع ومقدّد بالدمع والدم.



·       وهل سيكون هناك جزء ثانٍ للرواية؟

الإجابة على هذا السؤال يتوقّف على نجاح الرواية في الدرجة الأولى. كثيراً ما كنت أسمع من القارئ: «بانتظار نعرف شو صار بجيان أو زنار»، وكأنني منحتهم صكّاً بإصدار جزء ثانٍ، من خلال جعل نهاية الرواية مفتوحة، لكني تعمّدت ألا أختم القصّة بنهاية مأساوية تفجع القارئ، وإنما وضعت القلم بين يده ليقرّر هو المصير الأخير، ويسبح في فضاء خياله.


·       قلت في مكان ما من الرواية «قتل الأرواح لنجاة بقية الأرواح».
ما هذه المعادلة الحياتية المطروحة هنا؟ هل من توضيح أكثر؟

 في الحرب قد لا تجد موطئ قدم للإنسانية فيها، الجواب عن هذا السؤال متشعّب، أصبح الفرد كالجندي على أرض معركة حسمت لخسارة قائده، يخطر بباله مصير كتيبته، وثم يقتصر على التفكير برفيقه المقرّب، وحين يشتدّ الفزع ويتحوّل المحيط إلى حمّام دم لا يشغل باله التفكير بغير نفسه.
لا شكّ أن الجشع يتمالك البعض، وحالة الفوضى الدائرة هناك دفعت بعضهم للانتقام من فقره وضعفه وتنمّر الأغنياء عليه، فأخذ يصطاد في وحل الحرب ويجني المال بكلّ الطرق غير الشرعية بقلب من حجر.


·       تطرّقت في روايتك إلى تأثير الحرب على الحبّ والعشّاق، فوصفت العنوسة التي اقتحمت المجتمعات السورية في الصفحة الواحدة والثلاثين بالجائحة.
كيف تقيّمينها؟ وما تأثيراتها على الحياة في سوريا؟ ومَن المسؤول عن معالجتها، ووضع حلول مناسبة لها؟

العنوسة إحدى المشاكل التي طفت على وجه الحرب، بعد مشكلة الفقر المدقّع، والبطالة والطائفية، واعتبار الكائن البشري سلعة، أعضاءه تسلب وتغلف لتعرض في مزاد علني.
العنوسة مشكلة لم تعد تهدّد حياة الفتيات داخل سوريا فحسب، بدأت وباء يجتاح حياة الشاب السوري في أوروبا، وهي معضّلة شائكة لا يمكن إيجاد حلول لها، بدأ التأقلم مع الوضع كما هو ظاهر للعيّان، تعدّد ظاهرة التزاوج بين طائفتين وديانتين، وربما من جيلين مختلفين، والأكثر انتشاراً داخل سوريا تعدّد الزوجات رغم شظف العيش، ودائماً المرأة هي مَن تدفع الضريبة، سواء تحمّلت لقب العنوسة المشار إليها أو وافقت بأن تكون الزوجة الثانية والثالثة.


·       كلّ روائي مسكون بأسئلة معيّنة.
أين تسكن أفين اوسو بين جيان وأفيستا؟ وكيف تنظر إلى عقلية زنار وشفان في تعاملهما وتفاعلهما مع آلام الحبّ لدى حبيبتيهما؟

لا يمكن الاختيار بينهم؛ فكلّ الشخصيات منحتهم شيئاً من روحي، وحملتهم في رحم ذاكرتي. ربما نكتب حدثاً ترك أثراً وندباً في الروح في زاوية ما، وتارة نكتب ما كنّا نتمنّى لو حدث لنا ذات موقف في يوم ما، نحن نكتب لنشفى لا لنشقى.
والجواب على سؤال كيف أنظر لشفان وزنار في تعاملهم مع لواعج الحبّ فلا شكّ لكلّ منهم أسلوبه في التعبير عن مشاعره، كما لكلّ فرد نظرته للحبّ. شفان استسلم لربّان قلبه كجندي حاسر، وخاض معركة في سبيل حبّه وانتصر، بينما ترك زنار المقود لعقله ومبادئه، فكبت غصات ولهاث قلبه، وترك جيان تائهة في صحراء قاحلة لا بوصلة ترشدها لتعود.


·       ما العلاقة الروائية بين أفين كمادة روائية وشاهدة عيّان على الخراب السوري؟ وما الحالة المشتركة بين صاحبة الشهادة ومتلقّيها؟

أول جملة كنت أسمعها من القارئ لروايتي «وكأنني كنت بطل روايتك، والحديث كان يدور عني»، وهذا ما يجعل من الرواية قريبة لقلب القارئ والمتلقّي؛ كونها أحداث واقعية بحتة، ما سطرته من مواجع الحرب والنزوح وحالات الذعر التي خيّمت على الشخصيات، ربما ليس جلّها بل أغلبها مرت معي، وكنت شاهد عيّان حيّ على المجازر.
القارئ يشعر بحرارة دمك وأنت تكتب، اليد الباردة حين تكتب سيغطّي الصقيع على حروفه، بينما مَن يكتب بعيون هتون الدمع ويلتزم الفراش يطالب العزلة تأثراً بما يكتبه ليقف دقيقة صمت على أرواح أبطال روايته ستتسرب حروفه لقلب قارئه ويمسح على رأسه في عزائه.


·       تأخذ الشخصيات بمجازاتها دلالات عميقة بقيمها الإنسانية والروحية السامية، لتبني فضاء حكائياً، وتنشر أحوال عالم العشّاق المؤلم أيام الحرب واللجوء.
لماذا فرضتِ العزلة والسوداوية على جميع الشخصيات الرئيسية في روايتك؟

 
أفين اوسو – روائية كردية
ابتداء من العنوان وصولاً للشخصيات والأحداث كانت تصبّ في بوتقة واحدة وهي المأساوية، كنت أدوّن ما عصف ببلدي من أحداث في ظلّ حرب شرسة لم تقبل أن تترك أحداً لا يلتوي من مصائبها. روايتي عن الحرب ونحن أبناء الأوجاع وسليلو الفقد، فلم أستطع تحويل خيمة العزاء إلى فرح. الحرب أطبق فكّيه علينا، ومهما نحاول الإنكار تطفو المواجع على سطح أيامنا. سلبوا منّا أقلام التلوين فحملنا فحماً أسود قاتماً من رماد قلوبنا وبدأنا نكتب ونسكب سخاء أوجاعنا، وفي كلّ مرّة حاولنا رسم قوس قزح فشلنا. 




يتبع في جزء ثانٍ وأخير
تعديل المشاركة Reactions:
أفين اوسو لموقع «سبا»: «أرواح تحت الصفر» مبطّنة بالأوجاع ومقدّدة بالدمع والدم (ج1)

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة