-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

عقد الفراغ الماسي




علي السباعي (العراق) / خاص سبا


نجمة أثر نجمة،  تمتلئ السماء بالنجوم، تنتظم كل النجوم لتصنع قلادة يزدان بها صدر السماء الأبيض، أنظر الى نفسي، اغوص بداخلها.  أجدها كالدار الفارغة من أي أثاث إلاّ هيكلها الخارجي، كانت هنالك نجوم تظهر بفخامة وحيوية مثل قطع من الماس الرائع الذي يزين صدر من أعشق.  قلادة معشوقتي ذات الماسات السبع الزرق تشع فوق صدرها الأبيض الفخم دفئاً، تدفئها أشعتها العذبة، تزودها بشيء من الجاذبية ليزداد سحر انوثتها، فأفول لها:
ـ أتعلمين . بأنني فارغ من الداخل؟
قالت غير مكترثة، وهي تغرز أصابعها الطويلة في شعرها الأحمر:
ـ أو . . ه  حقاً !!
قالت مؤكداً حقيقة ما رأيت:
ـ هكذا رأيت نفسي شاهدتها من داخل فوجدتها فارغة !
قالت بحبور، وأعقبتها بضحكة صاخبة:
ـ أنا سعيدة كونك فارغاً من الداخل، سعيدة جداً.
انطلقت ضحكتها صاخبة، أخذ صدرها يهتز بارتجاج لذيذ،  قالت بعدما أنهت ضحكتها:
ـ بما انك فارغ فلسوف أساعدك على البقاء مبحراً في خضم الحياة الواسعة.
سألتها بأستغراب:
ـ أتساعدينني على العيش؟
ـ قالت بكل هدوء، وصوتها ينساب رصيناً عذباً:
ـ بكل تأكيد .
ران على المكان صمت متأمل، كأن كل واحد منا يحتاج الى هذا الصمت، نظرتُ الى داخلي ثانيةً، امعنت النظر فيها، خضتُ مبصراً بتلافيف جسدي كلها، لم أجد شيئاً سوى الفراغ،  كل جزء فيه كان عبارة عن فراغ .

نور القمر يرتطم بجسدي، يخترقه، يتشعب فيه متداخلاً برشاقة مع التماع النجوم، انظر من جديد،  كل شيء كما تركته خالياً وخاوياً ومهجوراً،  قلت لمعشوقتي التي بدا شعرها الأحمر أسود:
ـ يا شهرزاد. تأكدت من إنني فارغ بضياء القمر و تلك النجوم. أسأليهم ؟
 لم تجبني، أستمرت تنظر الى النجوم، كأنها تستمد ضياءً عزوماً يعبر كل محيطات الروح الى سواحل العيون العاشقة.  ما زال صدرها يرتفع وينخفض برتابة حاملاً القلادة الماسية التي أخذت تلتمع بسنا الأضواء المتراقصة فوقها، تطوف حول الماسات بخشوع فيروز وهي تغني، قلت بنفاذ صبر:
ـ اسأليهم يا شهرزاد؟
أجابتني قائلة :
ـ ما بك اليوم؟  ما الذي تريده؟
استطردت تقول:
ـ سوف اجلب دلوين من الماء، واسكبهما بداخلك حتى تمتلئ ...
تضحك بعذوبة، لكنها تقول مجدداً:

ـ لقد قلت لك أنا شهرزاد ، وسوف أخلصك من
فراغك هذا .
من جديد اهتاج مثل نهر اخترق الجدول، والجدول
بدوره اخترق كل السواقي، وأغرق كل شيء ، اندفعت الكلمات من فمي كالفيضان الذي ضرب النهر وأغرق السواقي:
ـ يا شهرزاد لقد فات الأوان، ولا أستطيع إن ارجع الماضي إلى الوراء فأنا متعب ، وفارغ ، وهذا الفراغ يسبب لي الألم . ألا تشعرين بألمي ؟.. يا شهرزاد ، لا استطيع النظر إلى الأمام أنا فارغ !
أمسك عن الكلام وأرى جسدها مثيراً، وهي تجلس بجانبي على الأرض مشرقة يلفها ذلك الضياء كالمعطف، ينبعث من أعلى صدرها إلتماع القلادة الماسية حيث تتمازج مع حلاوة جسدها الأبيض البض، تكسر حاجز الصمت، تتحدث بأسف:
ـ أنا آسفة .. نسيت بأنك فارغ.
دنوت منها فارغاً غارقاً بسنا و إلتماع القلادة، نظرت إلى عينيها الخضراوين والى السماء، والى عينيها من جديد فقد لاح في عينيها عطفٌ يكاد لا يدرك، قالت لي:
ـ ماذا دهاك؟
قلت لها:
ـ خسارتي بلا حدود!
قالت:
ـ لقد منحك الله أشياء عديدة، فلماذا .....
أقاطعها قائلاً:
ـ ولكنه جعلني فارغاً .
تنفي ما أقوله :
ـ لا. وألف لا. ازرع نفسك في الأرض، مد جذورك إلى أعماقها الدافئة الطيبة، أنمو لتصبح شجرة متينة، عندها تحصل على أشياء تؤهلك لأن تكون ممتلئا كالنخلة الباسقة التي تحمل أعذب الرطب، وتحضن العديد من العصافير المزقزقة وهي تغني سعيدة بالحياة .
بالرغم من كلامها المشجع إلا أنني أحسست في لحظة بأنني كمسمار يحمل في رأسه زوائد تمتعه من أختراق قطعة خشب، وشهرزاد كحورية من حوريات البحيرات السندبادية التي تمنح الحياة والدفء الى كل من يشاهدها يحدثها وتحدثه قائلة:
ـ رغم الخسائر التي يمر بها الإنسان، ذلك الكائن العجيب إلا أنك تشاهدهُ يقف دائماً إمام العواصف والزوابع فأرجوك يا ضياء قلبي أن تقف وتمد جذورك وتكبر رغم خسائرك .. قف أرجوك.
تأخذ بيدي لتوقفني. أنتصب، أشعر بالبرد يجتاح عظامي إلا أنني قوي، وكأن الفراغ الذي كنت أعيشه قد فك قبضته عني قليلاً، أتمدد، أكبر، أمد جذوري بعنفوان، وإذا بقبضة الفراغ تتهشم فأقول لشهرزاد:
ـ أنني أمتلئ يا شهرزاد أمتلئ .
أرى الدموع تجمعت في مقلتيها، بدأت بالنزول على وجنتيها ، تلتمع كالماس المشرق البراق. أمسكتها من ذراعها، وجذبتها بقوة الى صدري لتملأ فراغي كله. 

تعديل المشاركة Reactions:
عقد الفراغ الماسي

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة