-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

أين نحن من ما ندّعيه؟!



محمود علوش / خاص سبا


بدايةً لو أردنا مقارنة ومعرفة ماهية الفيس بوك بالنسبة للمجتمعات والشعوب التي تجيد استخدامه والتي تسيء استخدامه لوجدنا أنه هنالك فارق كبير بينهما، من حيث المبدأ، ففي المجتمعات الأكثر تحضّراً ترى أنه موقع فاعل للتقارب الاجتماعي ومشاركة الآخرين لصورهم ومناسباتهم الشخصية في أفراحهم وأتراحهم والتكاتف فيما بينهم على مبدأ الإنسانية قبل كل شيء ومن ثم الاحترام المتبادل وحسن إبداء النقد أو الرأي ونشر واكتساب المعرفة وتحليل الأفكار وآراء الآخرين ومشاركتهم، دعماً وسعياً وراء تحقيق أكبر تطور وتحضّر للإنسان، على عكس المجتمعات الأخرى التي تسيء استخدامه، ليس سعياً خلف تصنّع، أو لحصد قدر ضئيل من «اللايكات» أو لنشر التزييف والفتن بين أفراد المجتمع، أو السعي لدمار الآخر، بينما نجد في مجتمعاتنا التي تسيء استخدام الفيس بوك.

لو تمعّن كل واحد منا على ما ينشره الآخرون لوجدنا أن الإنسانية هي أكثر صفة يتم تداولها وتكرار الحديث عنها أو إدعائها بصورة يومية ودائمة، وهذا جيد نوعاً ما معنوياً، ولكن الأمر يختلف كلياً عندما يتعلق الإنسانية بأمر مادي أو مساعدة أو لمَن يثبت إنسانيته بجدارة مطلوبة، فلوهلة تجد أن ما من مغيثٍ ولا مُجيب، وهذا السلوك الخداعي الذي يتستر خلفه غالبيتنا ناتج من تركيبتنا الشكلية الافتراضية، حيث الاندماج في عالم الافتراض قد جعل من كل واحد منا عبارة عن روبورت، يتصرف حسب المعايير الدارجة من تفاهات وترهات، فقط لحصد قدر كافي من «اللايكات»، متناسين بذلك كل صفات الرحمة التي تجمعنا.

كلنا يعرف بأن هنالك كمّ هائل من فنانين وكُتّاب وأشخاص كانوا بحاجة إلى مدّ يد العون لهم، رحلوا من عالمنا ولم يجدوا الاهتمام من الناس إلا ما بعد مماتهم، وهذا يدل على صحة إدعائي بأننا افتراضيون ومستثمرو «اللايكات»، لا أكثر، وكما نعلم في الفيس بوك الكل على حق والكل إنساني، لدرجة لا تطاق، لكن هذا بعد فوات الأوان، أما قبله فنكتفي بتغاضي النظر والتجنب قدر الإمكان، وعلى ما أظن إن هذا التصرف دافعه الأساسي هو التقدير الذاتي أو بمعنى أكثر تقارباً هو تفضيل الذات على الآخر، لكن بصورة خاطئة، حيث لا نشبه أنفسنا وبعيدون كل البعد عن واقعنا وتركيبتنا الواقعية والحياتية، التي كنا نتمتع بصلة المودة والأخوة فيما بيننا.

وخير دليل هو هذا الشخص، الذي يدعى «لازكين محمد سغديه»، طريح الفراش، ودون معيل، من أهالي مدينة قامشلو، فَقَدَ كل أولاده في بحر إيجة وهم في طريقهم إلى برّ يحتويهم ويحترم وجودهم ويمنح فرصة للاستقلالية والحياة، فهو الآن لديه ما يقارب ألفي صديق على صفحته في الفيس بوك يستنجدهم من خلالها بالفيديوهات والصور وبكل الوثائق التي تثبت صحة مرضه، والسبب الذي جرّ به الحال إلى ما عليه لمساعدته ومدّ يد العون له، وعلى الأقل إيصال صوته لذوي الشأن، لكن ما من مجيب، ولا سمح الله في حال فارق الحياة نتيجة ما هو عليه، سنرى الصفحات العامة والخاصة ممّن يعرفونه وممّن لا يعرفونه تعجّ بنشر صوره، ورمي أكاليل الرحمة عليه، لا لشيء فقط لحصد موسمهم من «اللايكات».
تعديل المشاركة Reactions:
أين نحن من ما ندّعيه؟!

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة