-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

جان جاك روسو: يولد الإنسان حراً وهو مقيد في كل مكان


رشيد جمال / خاص سبا

جان جاك روسو فيلسوف وناقد اجتِماعي، وكاتب سياسي، وموسيقي، وزعيم النزعة الطبيعية بلا منازع، وُلِد في «جنيف» بسويسرا عام ١٧١٢م، لأسرة فرنسيةٍ بروتستانتية. واحد من أبرز عمالقة عصر التنوير وأكثرهم تأثيراً حتى الآن؛ فبعد ثلاثمائة عام على ميلاده ما زال يَحظى بإعجاب العالم، وما زالت أفكاره موضع نقاش؛ تلك الأفكار التي هزت أركان المجتمعِ الأوروبي، وألهمت الثورة الفرنسية فاعتنقتها؛ وهو ما أكده «نابليون بونابرت». عانى في حياته من الحاجة وشظف العيش؛ لذا عمل بالعديد من المهن والوظائف، فعمل نقّاشاً وموسيقياً ومُعلماً، وسكرتيراً للسفير الفرنسي بالبُندقية.

له كتب مهمة في مجال التعليم والأدب والسياسة، ويعبر كتابه «العقد الاجتماعي» من أهم الكتب في مجال الفكر السياسي والاجتماعي، إلى جانب مؤلفات مهمة في مجال التربية ككتاب «إميل أو التربية»، وأيضاً كتابه الذي يتحدث عن سيرته الذاتية «الاعترافات».

يفتتح روسو كتابه العقد الاجتماعي بمقولة مهمة: «يولد الإنسان حراً وهو مقيد في كل مكان. إن أولئك الذين يعتقدون أنفسهم سادة الآخرين هم في الحقيقة عبيد أكبر منهم».[1]
عند دراستنا لكل من فلاسفة العقد الاجتماعي من هوبز ومروراً بلوك نرى بأن هناك نقاط اختلاف كثيرة بينهم، وسنرى أيضاً عند بحثنا في نظرية روسو بأنه يحاول إكمال ما بدأ به أقرانه من فلاسفة العقد الاجتماعي، وإضافة نقاط مهمة في هذه النظرية، هذه الإضافات التي ستجعل روسو من أهم فلاسفة العقد.

يبدي روسو في نظريته بالرجوع إلى الحالة الفطرية التي كان يعيش عليها الإنسان وكيف كانت تمضي حياته ضمن نسق من الحياة الفطرية حيث الفوضى وعدوم المساواة البعيدة عن الحالة المدنية التي تحميها القوانين، ويحاول روسو البحث في أعماق الحياة الفطرية التي يصفها بحياة الفضيلة «انما تلك الحياة كانت حياة تتميز بالفضيلة وهذه الفضيلة كانت مطبوعة في كل القلوب ولم يكن امتهان الفضيلة موجود في حالة الطبيعة الأولى وإنما ظهر مع ظهور المجتمع المدني».[2]

فنرى بأن روسو يحاول أن يأخذ موقفاً وسطاً بين هوبز ولوك في نظرته إلى حالة الطبيعة لدى الإنسان، حيث رأينا في الدراسة السابقة (نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز) كيف أن هوبز وصف الطبيعة البشرية بالشريرة، فيما لوك وصفها بالخيّرة، ولكن روسو يحاول القول بأن الطبيعة البشرية ليست شريرة وبهذا الجحيم الذي وصفها هوبز وليست مثالية وبريئة كما تصورها لوك، إنما هناك مراحل يمر بها الفرد والمجتمع فقد يكون بسبب تغير أسلوب الحياة بشكلها العام، مثل وسائل الإنتاج وتطوير الزراعة والتوجه إلى القوة في تحصيل الحقوق، فكان لا بد من وجود نظام وقانون يحمى المصالح الخاصة والعامة ويقدم له الأمان.
رشيد جمال - كاتب كردي

وأيضاً وجود التفاوت بين الناس في حياة الفطرة كان لا بد من البحث عن حالة بديلة وخاصة بأن تصرفات الناس – بحسب روسو – كانت تستند إلى الحالة الفطرية والبحث عن المصلحة الذاتية دون مصلحة المجتمع.

وكذلك للاقتصاد الدور البارز بظهور الزراعة وبروز الطبقات، والتي كانت معظم الثروات بيد قلة من الناس، فيما العامة تعمل لديهم كالعبيد. والأمر كذلك بالنسبة للبذخ والتطرف الذي كان يعيش عليه قلة قليلة من الناس على حساب العامة.

فكان لا بد من وجود قانون ونظام يقوم بالمساواة بين الناس وتحمى مصالح الجميع وخاصة بظهور وسائل إنتاج جديدة، وبهذه الحالة لا يستطيع المجتمع الاستمرار على الحالة الطبيعية؛ بسبب تحكم القوي بالضعيف، فأصبح المجتمع يخرج من الحالة الطبيعية ويقع بيد مجموعة من الأشخاص الذين يتميزون بالقوة والنفوذ، فكان من الضروري إنقاذ المجتمع والبحث عن نظام سياسي واجتماعي يحمي حقوق وحريات الجميع ضمن نطاق العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وصون كرامته، فكان لروسو فكرة العقد الذي يكون هو الحل الأمثل لتكوين ذلك المجتمع الذي يقوم بحماية الجميع ضمن تأسيس لنظام سياسي اجتماعي أخلاقي بين الناس، عن طريق ميثاق يطرحه روسو، وهو أن يتنازل بموجبه الأفراد عن كامل حقوقهم لصالح الجماعة، وأن هذا الفرد الذي تنازل عن حقوقه يكون جزءاً من الجماعة، وبذلك ينهي العقد عهد حالة الفطرة وينتقل إلى الحالة المدنية ليعمل على إنشاء المجتمع، حيث تصبح السيادة والسلطات من حق المجموع ككل لا من حق فرد واحد.
إذاً يتنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع عليه حينها أن ينطق بالصيغة التالية: «يسهم كل منا بشخصه وبكل قدراته تحت إدارة الإرادة العامة العليا، ونلتقي على شكل هيئة كل عضو كجزء لا يتجزأ من الكل».[3]


إذاً العقد الاجتماعي عند روسو يركز على نقطة تنازل الفرد الكامل عن كامل حقوقه لصالح الإرادة العامة، وعن طريق هذا التنازل نستطيع تأسيس قانون وشريعة تحمي حقوق الجميع، ونؤسس لمبادئ المساواة والعدالة، وبهذه الحالة التنازل يكون واجب على الجميع بدون استثناء، ومجرد تنازل الفرد للمجتمع أي كل فرد يكون قد حقق المساواة بمبادئ تنازل الكل للكل، وأي قانون أو نظام يطبق على المجتمع يكون الفرد جزءاً منه؛ لأنه هو الذي أراد سنّ هذا القانون ولم يكن مفروض عليه من أحد، وهو أيضاً لم يتنازل عن حقوقه للآخر إنما تنازل للجميع فهو ليس خاضع لأحد إنما خاضع للمجتمع، وهو جزء من المجتمع ويستطيع أن يبدي رأيه ويقرر ما يكون لصالح الجماعة وليس لصالحه فقد، وبهذا المنحنى تصبح السلطة بيد المجتمع، أي السلطة التشريعية التي تكون السلطة العليا؛ لأنها سلطة الشعب والحكومة، وهي مجرد جهة وسيطة تقوم بتنفيذ القوانين، ولا يتطلب قيام الحكومة عقداً؛ إذ العقد عنده أساس لقيام المجتمع، فهذه السلطة التنفيذية هي مجرد موظفين لدى الشعب، ويقومون بتنفيذ قوانين السلطة التشريعية، ويستطيعون استبدالهم عندما لا يلتزمون بتطبيق قرارات السلطة التنفيذية.

وهكذا يكون روسو قد أسس لمفهوم الإرادة العامة بهذي الطريقة التي تحاول أن تقترب من الحالة المدنية والابتعاد عن الأنانية والمصلحة الشخصية فيقول روسو في كتابه الاقتصاد السياسي:
«أن للمجتمع السياسي شخصية معنوية ذات إرادة هي الإرادة العامة التي تنجو دائماً نحو تحقيق وصيانة الرفاهية للمجتمع، وهي مصدر القوانين، وتتكون من كل الأفراد في علاقتهم بعضهم ببعض، وحكامها عادل عير جائر».[4]


وهذه الإرادة تعتمد على المنفعة التي تعود على الجميع وليس على الفرد فقط؛ لأن إرادة ومصالح الأفراد تختلف، فيما المصلحة العامة مشتركة، وتعود بالمنفعة على الجميع، لذلك حاول روسو التركيز على جانب التعاون بين الأفراد والمجتمع، لتأسيس حالة مدنية بعيدة عن المصلحة الخاصة وحالة الطبيعة العشوائية، فعندما تركز على مبدأ المنفعة العامة والتي تكون غايتها المجتمع، وأن منفعة المجتمع لا بد أن يكون الفرد جزءاً منها كونها أيضاً تعود لذات الفرد.

وهكذا نرى بأن في نظرية روسو السيادة أصبحت بيد الشعب، فهو الذي يقرر مصيره، وهذه السيادة غير قابلة للتجزئة، ولا يتنازل الشعب عنها لأحد؛ لأنه مجرد تنازله عنها يكون قد تنازل عن شخصيته؛ فالسيادة تمثل الإرادة العامة للشعب، وهي إرادة معنوية تتعلق بشخصية الفرد والمجتمع في نفس الوقت، فهي تعبر عن الإرادة الكلية العامة للشعب.

هوامش

[1] جان جاك روسو، العقد الاجتماعي، ت. عادل زعيتر، القاهرة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012م.
[2] عبد الفتاح، غنيمة، نحو فلسفة السياسة، الإسكندرية، دار الفنون العلمية، 1986م.
[3] جان جاك روسو, العقد الاجتماعي, نفس المصدر.
[4] فضل الله، اسماعيل، من أصول الفكر السياسي، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2000م.

تعديل المشاركة Reactions:
جان جاك روسو: يولد الإنسان حراً وهو مقيد في كل مكان

canyar

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة