جان بابير
لا شيء يستحق الركض من أجله، فقط أن نعيش بتلقائية، لا تستطيع سيدي أن تبني من الغبار قصة ولا من العشب عشاً للقصيدة، كل ما تفعله هباء وأخبارك من وراء الشاشات من قبيل استقبل وودع لا تعني لنا شيئاً بقدر ما تبني رصيفاً ليفصل خطواتنا عن الشارع، فقط أنك تجري وراء سراب من الظمأ، لنسمع في النهاية لأحلامنا ثغاء الماعز، مراراً وتكراراً مارست حياتنا الثغاء والجفاء، دون أن ندنو من نبع ماء، صاعداً أيها الرئيس تحمل سنين عمرك على ظهرك كالحدبة، تسقي أوقاتنا من القيظ بزركشة العرق، وتنحر أمنياتنا في الصعود، ماذا ستجني أيها الفارّ من سعادتك؟ كمن يفر من الوباء سعادتك ما تملك وليس ما تود الوصول إليه، جدلاً أن كنت تتزين بالألوان والأوسمة تعتقد أنك ملك على العرش تملك كل شيء لكنك وحيد وخائف محروم أقل من أي فقير لم تتبضع من سوق شعبي جاكيت من الباليه، لم تجرب يوماً أن تشتري كيلو بندورة، أو أن تدخل في حفلة سهر اشتراكية كل من في الثلة يتقاسمون المبلغ لشراء قنينة عرق. هل جربت أن تسير مشياً على الأقدام حتى موقف الحافلات؟ أو أن توفر حق تذكرة فيلم سينمائي؟
لا سيدي، أنت فقير حتى وإن جلبت صالة السينما إلى قصرك الذي لا تعرف حجم مساحته، اعترف أنك وحيد أكثر من الوحدة، لا تصدق أنهم يصفقون لك بل يصفقون عليك مثل كادح صبور لم تجرِ خلف الرغيف، لم تقف يوماً كعامل وراء آلة في مصنع إلا للتصوير ليتناقلوا صورتك الباهتة التمثيلية في الإعلام، ستبقى صغيراً سيدي وقزماً لا ترى حتى وإن استخدمنا المايكروسكوب والتيلسكوب معاً، هل جربت يوماً أن تستدين بخجل علبة دخان من جارك السمان ليصل قلبك الصغير أمام مرمى الريح؟ هل قصدك جار ليقترض منك مبلغاً ليسعف زوجته الحامل ومن ضيق الحال لم تلبِّ الطلب فتمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعك، أو أن تقف بذل أمام موظف وضيع أنجبته من أنفك يطلب منك رشوة لأية ورقة تخص الأحوال المدنية، هل وصلتك رسالة قصيرة من أحد الفروع الأمنية ولم تنم تلك الليلة وقرع قلبك كدونكزا إفريقي لا تدري حين مراجعتهم هل ستعود إلى البيت أم لن تعود؟ لم تعش كل هذا الألم ولم تقف يوماً في طابور الفرن لتحصل على ربطة خبز، ولم تقف أمام باب المدرسة تنتظر حبيبة صغيرة، لذا لن تعرف الحب يوماً فأنت مجبول بالطغيان تبقى تلح في إقامة الأسوار والسجون بحجة حماية الوطن لتحجبنا عنك ولتخفيك عن عيوننا المتربصة بك، المفتاح لم يزر بابنا، لا شيء في الداخل يستدعي للسرقة فأحلام الفقراء لا قيمة لها، نحن ننام صيفاً على الأسطح ولم تعش هذه المتعة لمراقبة النجوم.
أسألك: متى شاهدت القمر آخر مرة؟ ولا تعرف الفرح في دبكة عرس شعبي وأغاني المطربين التي تلهب المشاعر والخطوات للرقص معزوفة في خيمة النزوح نحو الروح وصعودها إلى جلجلة النشوة، درجت العادة أن يختاروا لك ألوان الأطقم وعطور الكلام في الخطابات الجوفاء، لم تمسك يوماً بيد عجوز لمساعدتها لصعود حافلة لإنجاب السعادة من حيض البر والتقوى، ماذا تعني لنا طائرات السيخوي والقصف، جعبة الوطن حبلى بأشياء كثيرة تجهلها بين كل شيء هناك شيء تجهله!!
بجرة قلم أصبحت الرئيس فاختلف تاريخ الولادات والوفيات وظهرت معك مصطلحات جديدة كان يجهلها المواطن من تشبيح وطائفية وأسلحة محرمة، أصبحت بومة تنعق على أطلال وطن تنشد الخراب.
أي نشيد وطني سيعزف عند موتك الوطن المقسوم أم الوطن الملحق؟ في الوداع تطردنا من وجوه المحبين وتكدست ذاكرتنا في حقائب اللجوء، من سيوقف سخطنا
بعد أن قلنا في وجهك سيدي الرئيس أنت جلاد؟
لكن للمرة الأخيرة أسألك هل سرقت تفاحة اشتهيتها من بستان مثلما قال صديقي منذر وطاردك الناطور بالشتائم؟
سيدي: أنت سرقت الوطن كله.