كلمة هيئة التحرير
هل أصبحت عادة القراءة والمطالعة عبئاً ثقيلاً بعد أن غزا الانترنت جميع مجالات الحياة؟ هل بات شغف ارْتداد المكتبات العامة موضة قديمة؟ هل ستستقيل المكتبات يوماً عن عملها وتتحول متاحف في زمن العزوف عن القراءة وضمور هاجس المعرفة؟
عندما ننظر في سرعة إيقاع العصر يتراءى لنا مشاهد مأساوية، بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بزغت أدوت جديدة للثقافة تحت هيمنت التكنولوجيا والثقافة الافتراضية، فتكدست الكتب على رفوف المكتبات تعاني من وطأة غبارها لدرجة أن المكتبة أصبحت نوعاً من الديكور المنزلي في بعض البيوت الفاخرة، لقد انعدمت عادة القراءة والمطالعة فينا، فباتت مظاهر القراءة في الساحات العامة والحدائق وعلى الشواطئ وفي وسائل النقل ظاهرة قديمة وخاصة وسط فئة الشابة بعد توجههم لاقتناء أجهزة رقمية وإدمانهم على الألعاب ومواقع التواصل الاجتماعي، انعدام دور الأسرة في إرشادهم وكذلك المدرسة التي كانت بالأمس لها الدور الفاعل في زرع بذرة حب الكتاب والمطالعة اختزلت دورها في توجيه الناشئة نحو أنشطة تحفزهم في الحصول على علامات مدرسية لتحصيلهم الدراسي فابتعدت برامجهم المشجعة على تنمية القراءة كفعل واع وذاتي ونقدي وتعليمي، لقد عجزت الدولة في ترجمة سلوك القراءة الفردي وتوطينها في الفكر الجمعي، فأصبحنا مجتمع سطحي نحاصر بنظرات غير مشجعة لفعل القراءة والأكثر من ذلك غياب أمكنة وفضاءات خاصة بالقراءة، في المقابل نجد الدول المتقدمة ثقافياً تشجع القراءة وتقدم جميع السبل من اجل ارتقاء مجتمعها ثقافياً، معززة بذلك سلوك القراءة منذ الصغر، فهي تخلق لدى الطفل حساً عالياً من النباهة والفطنة وقوة التركيز، وتقوم بنشاطات كثيرة كالقراءة في مترو الأنفاق، والقراءة في الشارع من خلال مبادرات لإنشاء مكتبات صغيرة مجانية على أرصفة الشوارع لتبادل الكتب بين المارة...
القراءة هي أساس الحرية الفكرية والثقافية والسياسية، ويستحيل بناء فرد حر من دون تمكينه من القراءة وسبل الوصول إلى المعرفة والعلم، كما يتعذر صناعة حاضر المجتمع ومستقبله فهي الذاكرة الحضارية ضد النسيان.
الإنسان لا ينمو فقط باحتياجاته الأساسية العضوية من الطعام والماء والهواء... فثمة حاجة ملحّة وضرورية لتغذية العقل والفكر بفعل القراءة، حيث كتب الفراعنة قديماً على جدران أول مكتبة تم أنشاؤها «هذا غذاء النفوس وطب العقول».
فكم كان جميلاً لو انتشر وباء القراءة بدلاً من وباء كورونا! ومرض حمل الكتاب عوضاً عن الموبايل!
نعم بالقراءة نرتقي ونحيا أكثر من حياة، فهي تعزز مكتسباتنا وخبراتنا وتفتح أمامنا آفاق المعرفة والعلم، فهي ضياء الفكر ومؤشر وعي ودليل حضارة ولغة عقول وغذاء لازم لحياة المجتمعات.
ترى سبا بأن جميع الوسائل الحديثة لا تعيق من حركة القراءة ولا تقلل من قيمتها وأهميتها بل تزيدها ثراء ومعرفة، فالكتاب لن يموت ولن يندثر وهو مكمل لكل ألوان المعرفة اللامحدودة في عصرنا الذي يُقدم للمطالعة، فالأدوات والتقنيات المستخدمة حديثاً من السمعية والبصرية جامدة وجافة كوجبات الطعام الجاهزة والسريعة، بينما نجد المتعة الحقيقية في البحث والقراءة، فعندما نلامس أفكار أي كاتب من خلاصة أفكاره وعصارة إبداعه فإننا نشعر بالنشوة الحقيقية، فشتان ما بين عطاء رجل ذي عقل نير وبين آلة بلا روح.
القراءة فالقراءة؛ لتكريس وجودنا في البحث عن الحقيقة، وهي الوظيفة الحيوية كالتنفس، فاقرأ طالما ينبض قلبك بالحياة.