بانكين عبدالله
جلسنا مطولاً اليوم وتبادلنا النظرات، سألتني بإلحاح كاد يحرجني لو لا أن أحدهم طرق الباب ودخل علينا قاطعاً حبل الاسترسال بيننا بسؤاله المتأخر عما نرغب في شربه؟
«الأحمق لا يدري أننا سكرنا، وأن الوقت تأخر على الطلب» فاكتفيت برفع حواجبي، وعدت أنظر إليها مجدداً متمنياً أن تكرر السؤال – ربما لأني ما عدت محرجاً، أو قررت اتخاذها بيت أسراري – لكنها اكتفت بابتسامة لا تخلو من المكر، وكأنها تراجعت هي الأخرى عن سؤالها وكبحت جماح فضولها؛ خوفاً على ما قد يثير السؤال في نفسي «بفضل ما عكسته مرآة عيني من مشاعر لا تخفى عليها، وهي التي كلفت منذ الأزل بنقل الرسائل المبطنة بين حبيبين غير ناضجين بعد».
عدنا نتبادل النظرات مجدداً «ورحت أبحث في بحور عينيها عن ذاتي، كطفل أتعبه الفراق، وجاء يرتجي حضناً يحميه من صخب الحياة، رمقتني بنظرة يفيض منها الوجد وينسكب منها لوعات القبل، قامة ممشوقة بوجه يحمل براءة الأطفال، ووجنتين يقطر منهما الحياء والخجل، تتمايل شبقاً وتتبسم ضاحكة؛ كأنثى متمرسة في فنون إغواء الرجال».
قطعت حبل سرحاني ورحتُ أحضر نفسي مجدداً لأفاتحها بموضوعٍ يتمحور حول سؤالها المعلق ذاك – في إشارة مني على استعدادي لاتخاذها خليلة لي – ولكنها بادرت بالقول: «التردد مقبرة الفرص، والوقت لا يكفي لنعيش كل ما نرغب به، يجب أن نصارح من نحب؛ لأن الفرص قد لا تتكرر، ونندم بعدها طوال العمر على تأجيل ما لم يقبل التأجيل، فكل الفرص ناضجة إن ملكنا الشجاعة الكافية».
أومأت برأسي مشيراً بموافقتي على كلامها، ورحت أستجوب لساني سراً «إذ كان قد نطق بشي دون علمي ولكنه أنكر ذلك، مما أدخل الشك في نفسي»، وأنا أتشخصها بحذر، ترى هل هكرت دماغي وبدأت تقرأ أفكاري؟ كيف عرفت بكل هذا ولم أخبرها بشي؟ وتمتمت قائلاً: «ربما بكل الأسرار تدري؟».
نوديّ عليّ من الخارج، ألا تريد الذهاب إلى البيت؟ عدت إلى رشدي وابتسمت قليلاً، ثم تفحصت مائها، وأعدتها إلى جانب المقلمة ومسدت بيدي أوراقها البيضاء، وهممت بالخروج قائلاً: إلى اللقاء.