-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

المتمرد


 

نزار الحصان

 

أواجه أوقاتاً عصيبة منذ حين, والسبب يعود لحالة الحصار التي فُرضتْ علينا بسبب الكورونا, فأصبحنا لا نميّز الأيام من بعضها, بل قد ينتهي الشهر دون أن ندرك ذلك ويتداخل الليل في النهار, على الرغم أن أحدنا قد لا يخرج من منزله في الحالة العادية لأيام ولكن حالة الفرض تولد رغبة في التمرد والدفع باتجاه خطوة تبث فيك أمل أنك مازلت حراً ولديك القدرة لاتخاذ القرار.

وهكذا عزمت على التمرد ولكن للاحتياط وضعت مجموعة من الخطط  لتجنب أي مشاكل مع الشرطة في حال أوقفتني كوني أخرجُ في يوم الحظر:

أخذتُ معي طوق الكلب الذي كنت أملكه سابقاً وجمعتُ صورهُ في ملف خاص في الهاتف, ففي حال أوقفني البوليس سأقولهم: أن كلبي لحق بكلب آخر وفقدته وأنا الآن أبحث عنه. ولكن إن ضبطوني في مكان بعيد جداً عن منزلي, فقد يسأل أحدهم عن عنواني, ليس بهدف التحقق من صدقي بل لكي يقدموا المساعدة في حال وجدوا كلبي الذي (هرب).

جهزتُ أدوات التصوير وكل المعدات التي لدي وللاحتياط كتبت سيناريو باللغة الألمانية حول العمل الذي أقوم بتصويره, وأن فلمي «يتضمن مشهداً ليلياً في مدينة خالية من الناس والبوليس..., وفجأة يأتي رجال البوليس ليسألوا عن سبب تواجد بطل الفيلم  ليلاً في هذا المكان فيخبرهم أن... و... و...»، وسأعرض لهم السيناريو وهكذا سأقنعهم أن كل ما يحدث هو جزء من الفيلم الذي أصوره, وفي هذه الحالة لن أتعرض لأي مخالفة, بل سيمتدحون فكرتي وقد يوصلوني بعد ذلك في سيارتهم إلى منزلي وسيكون ذلك مسلياً لي وتجربة مختلفة.

أما في حال تم ضبطي في مكان لا يصلح للتصوير, جهزت تقريراً لتخطيط القلب حين زرت المشفى سابقاً ولاشيء فيه يذكر, وهم بالتأكيد ليسوا أطباء وسأخبرهم أني أعاني من أزمة قلبية وخرجت لأتفادى الموت وحدي في المنزل وتُهت في المدينة وأنا أبحث عن مشفى, أعتقد أن ذلك سيجعلهم يشعرون بالندم على شكوكهم بأني أخرق القوانين.

 

كل هذا استغرق مني أياماً طويلة، أٌبدل الخطط وأدرس الاحتمالات وأحفظ الجمل المناسبة للرد على أسئلتهم, وأكثر ما استهلك مني وقتاً هو سيناريو الفيلم, كتبته ثم ترجمته ثم أعدت الصياغة ليكون بسيطاً وواضحاً للشرطة, فهم ليسوا أخصائيين بل قد لا يحبون مشاهدة الأفلام, وفي النهاية خرجت.

كان الليل قد حل دون أن أدرك ذلك, فقد عودت نفسي على عدم النظر إلى الساعة لتجنب الملل.

في الطرقات فاجأني جداً الكَمْ الهائل من المتمردين مثلي وقد خرجوا أيضاً ولا بد أن كلاً منهم قد وضع الخطط المناسبة ليضلل الشرطة, بل كانوا أكثر جرأة مني فقد  تخلوا عن القناع الطبي الذي فٌرض علينا من قِبل السلطات, فقررتُ أن أنزع القناع فهم ليسوا أكثر ثورية مني.

 الغريب والذي كاد يصيبني بالجنون أن الشرطة قد لاحظت وجودنا دون أن تتدخل. فقررت أن أختفي قليلاً عن عيونهم, فقد يكون كميناً ليمسكوا بنا جميعاً, ولكن بنفس اللحظة كمتمرد ثوري قررت المواجهة معهم, أخرجت التقرير الطبي وطوق الكلب ومعدات التصوير وذهبت إليهم لكي أشرح لهم: كيف أني خرجت لأسعف كلبي المصاب بأزمة قلبية حين كان يصور فيلماً عن مدينة فارغة إلا من الشرطة...

ابتسم الشرطي لي بلطف مبالغ فيه, ففرحت إذ لا بد أن خططي قد نجحت في إقناعهم. وكما خططت فعلاً أركبوني معهم, وانطلقت سيارة الشرطة بأضوائها الوَامضة: أحمر.. أزرق.. وأحمر،  وأطربني صوت صفارتها: (وو, ووو, وووو)، فوددت الغناء.

حين توقفنا وجدت نفسي في مكان لا يشبه بيتي, لم يثرني ذلك فلقد خرجت منذ البداية لأبحث عن مغامرة.

ولكني عرفت فيما بعد أن أزمة الكورنا أصبحت من الماضي, كونه تم إيجاد لقاح لها وعلاج منذ أكثر من سنتين، وأني أعيش في هذا المصحّ الذي أحضرتني إليه الشرطة منذ ستة أشهر.

إنه منزلي الجديد الآن! في العنبر رقم (6)، زورونا.

 

تعديل المشاركة Reactions:
المتمرد

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة