-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

عندما يأتي الصباح

 
 

خديجة بلوش

 

أفتح الصفحات واحدة تلو الأخرى, أبحث عن عنوان يليق بحالة تترصّدني هذا الصباح، كل الحروف المبعثرة على رصيف الافتراض داكنة, باردة, لا تلائم ما أشعر به الآن...

ثمّة قصص قصيرة جدا وقصائد تبدو طويلة جدا, لكنها لا تشبه شيئا مما يحيط بي.

أنقر على لوحة المفاتيح على أمل أن تسقط كلمة ما لتثير ما يجول بداخلي وتجعل الحبر يسقط مثلما تسقط كومة أحجار تصدعت عن جبل كان يبدو صلبا غير قابل للانكسار, نحن ننكسر في اللحظة إلى ملايين الشظايا دون أن تحرّض جراحاتنا غريزة الحبر ليعبّر عما نرجوه فعلا.

رتبّي حالتك الماضية، تقول إحداهن بلا مبالاة كأنها تلمّح إلى ما يعمّ الحياة من فوضى لا نولّيها حقها من الاهتمام..

الفوضى فعل دائم مستمر.. لماذا أفكر في ترتيب ما تخترقه إن كنت سأقع لاحقا في فخها المحتمل..

دعي كل شيء على حاله و لا تلتفتي حتى لخزانة ثيابك التي يعمّها الدمار منذ عقود كثيرة..

سخرية الرد أيضا لا تليق بحالتي الصباحية المتأخرة...

أستيقظ على نفس الصور..غرفة تحيط بها الظلال و جدران تصرخ كل مرة لأغيّر لونها الغريب.. هو لون لا أعرف كيف أصنّفه على أي حال..

السرير الكبير و أكوام ثياب لا تصلح للارتداء,,أغلبها مثل خيمة مهترئة ، كجيوب القلب الذي اخترقته سهام العزلة و صار يرشح نبضا مرتبكا..

و النافذة الوحيدة التي لا تطل إلا على جدار داخلي مغبر,أبقيه مغلقا و أخفي ملامحه بستارة تحمل ما تحمل من ذاكرة ربيع مضى قبل أوانه.

أتعثّر أحيانا بما أسميه لحظات سكينة..

هي أفضل حالا الآن مما كانت عليه قبل ألف عام..

النبتة التي بدأت تتلمّس طريقها نحو فضاء يتّسع لجنوحها الكبير..ستثمر لاحقا لا بأس في انتظار قد يطول,انتظار تتخلله لحظات ترقب و مراقبة لتلك الوريقات الخضراء التي تولد كل صباح بإصرار  كبير لحياة نراها مجرد وقت ضائع و تعيشها هي كل لحظة بلحظتها دون التكهّن بما قد يأتي لاحقا..

سأكون نبتة تمتد تفاصيلها لتغطّي ندوب الجدار القديم..

كيف قد يبدو موتها حين تصاب بلوثة إرهاق تضرب جذورها الضاربة في عمق التراب؟

أتخيّلها وقد بدأ الاصفرار يدب في قلب الخضرة اليانعة..خيوط واهنة تتسلل بخبث لتضرب قلاع صمودها شيئا فشيئا..

تعصف صورة أخرى بخيالي الصغير..

الأصفر لون الشمس.. لون النضج.. مساحات شاسعة من حقول سنابل تتمايل برشاقة تراقص الريح التي تخطّط لكسرها.. ولا تنجح..

لون زهرة عباد الشمس, بكل بذخها و عنفوانها.. و لون زهرة أخرى لم يتسنّ لي أن أبحث عن اسم لها يليق بفضولي المتعب..

ربما أكون الآن وجدت لونا يليق بجدران الغرفة المكتئبة.. لون صيفي يذكّي شرارة الترقّب و يمسح ذاكرة الخنوع, لون الحصاد..

والنبتة الصامدة حين تلقي عن كاهلها كل ما تشبع بلون الشمس فهي لا تكتب بالخط العريض عن موتها المحتمل بل تفتح صفحة أخرى أكثر نضارة لحياة ستأتي بعد حين..

أسأل العابرة التي تنصح بترتيب الفوضى.. هل ثمّة ما يمكن ترتيبه بعد كل ما مضى؟

سأنصحها أن تترك كل ما تساقط ليصبح ماضيا بعيدا و إن تبحث عن عنوان يليق بها في ما هو متاح و إن لا تفكّر في ما قد يأتي من فوضى ممكنة...

لا تستدرجي الفراغ إلى محيطك المصاب بوعكة النسيان, ثبّتي خطواتك على طريق يتجدد كل حين, كوني مثلي..

تضحك السنابل التي بدأت تنضج في عقلي,و تبتسم الأغصان التي تستمر في التمدّد لتمنح كل ندبة وريقة تغطيها بحب..فيما تتهيأ عناقيد الصبر للتلوّن كي تكون قابلة لتعتق في جرار القلب النقية..

هنا يبدأ الصباح الذي وجد عنوانا يليق بتقلباته المبهمة..

تعديل المشاركة Reactions:
عندما يأتي الصباح

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة