هيئة التحرير
لا يكفي أن نطعن في الوقت إن لم تكن لدينا درب تعرف خطواتنا التي توصلنا إلى جهتنا المرجوة، قد يطول السفر وترهقنا المحطات، لكن في النهاية نغفر للعمر ما مررنا به، ونسامحه على كل تلك الهفوات في لحظات أردنا أن ننزح عن الصعاب وخذلنا الأصدقاء، واختارتنا الوحدة لنقول لأنفسنا: كلما ضاقت دائرة معارفك، سكنتك الراحة والهدوء، وكلما ازدادت علاقاتك، تشعبت مشاكلك لتصل/ ين إلى درجة أن لا تنتظر يداً تمتد إليك لتنتشلك من المحن التي كنت جزءاً منها. لا تفلح دائماً في إنقاذ نفسك مما تورطت فيه بسذاجة، وأنك كنت تثق بالآخر، ولا تعلم ما في الغيب كي تتجنب السقوط في الجحيم، أو تنتزع خصية اليأس وتحرق قلبك في فرن الحياة وتسقيه ليصبح فولاذاً، فتعبر ما بقي من العمر بسلام دون أن تنكسر أكثر مما انكسرت. لا يكفي طعن بعض الوقت بكؤوس من السُّكر لتنسى بها ما فقدت من أشياء عزيزة لن تعود، كقبلة كنت ستجود بها في مكان لا يلائم تلك الحميمية فمنعك الحياء، والآن تندم/ ين بحجة الحياء وتتمنى عودة الزمن إلى الوراء لتستعيد ذلك العناق المحفوظ في متحف ذاكرتك أو كتاب دوّنته دون أن تطبعه.
حديثاً تفوهت به أزعجت به شخصاً آخر قمت بعمل سيء وكنت تعاقب نفسك كل ليلة وأنت تخلد إلى الفراش، أو قمت بفعل جيد لم تنال الشكر عليه لتعيد حشوداً من الأشياء الثمينة التي فقدتها من كمائن الاشتياق، قوافل الندم، جيوش الحسرة، ولوعة لم تدرك بعد الحكمة التي تقول: لا تندم لما مضى، بل اندم لما هو قادم.
أنت تعلم أن العمر كل يوم يقطع من التقويم يوماً كان لك، تتحسس سنوات من التجاعيد على وجهك وتعد خطوط جبهتك، أي شجرة ستخضرّ بعد أن نالها اليباس، كم الشعر الأبيض زاد؟ لن يشبع الوقت مهما أكل منك، أنت قوته حتى تتلاشى، وعندها سيقتات على الآخر.
الوقت ليس على عجلة من أمره دون أن يكون هناك طبيب يوقف نزيفك من طعناته، من يستطيع أن ينتزع لحيتك ويعيدك إلى الصبا، من بمقدوره أن يعيد أثداءك المترهلة إلى الكواعب ويوقظ الطفلة داخلك لتمضين مع الألعاب بدل عشيرة الأطفال.
جرح الكهولة يمهل ولا يهمل. كجواد سباق يمضي في مضماره لتخسر بعمرك ويربح هو برهانه الكامل وبذلك السباق والعدو تختصر/ ين الوقت وتتلقّى/ ين الطعنات ليست ثمة وقت للكتابة تحتاج/ ین ثلاثة عشر عمراً ومثلها للحب والنوم. والهرولة في دربك الذي اخترته/ اخترتِه.
والأكل، ما بقي من سفر تدّخره ما بقي من وقت لشراء حمّالات الأثداء وإبر البوتُكس، تغادر/ ين وحيد/ ة في تابوت وتودع/ ين العمر على مفترق الوقت دون أن تنسيا كم عانقتما الطعنات. ستتركان الأسئلة والألم فوق مائدة الإفطار لتودعا الحياة في تابوت على شكل قصيدة رثاء لك وله. في التشييع الأخير سيخلعون عنك وعني وعنها أثواب الذكريات ويدثروننا بكفن وقح ببياضه.
تقهقه/ ين عارياً يسقط المكان، يضيع الزمان، لتودعا صخب الحياة، وتستسلما للنوم الأبدي.