-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

هل ينهض من موته؟ (مرثية وطن)

 


حسّان عزت

 

لو أن المجرّةَ ماتتْ

لكانتْ تنامُ وترتاحُ في قَبرِها

فماذا يُقالُ عن الموتِ في وطني

وماذا يقالُ عن وطنٍ

منذْ عشرِ سنينَ

ميّتٍ وذبيحٍ وما شيّعوه إلى قبرِهِ؟

أهو الموتُ أثقلُ منْ كونٍ وميعادِ القيامةِ،

أم أنّها الرّوحَ بينَ السماءِ والأرضِ واقفةٌ بما قدْ رأتْهُ

الملايينَ قتلى وصرْعى ومنْ بالجراحِ

يُجرْجرُ أشلاءَهُ؟

أتراهُ الزمانُ توقّفَ بالمستحيلِ

لا يتقدّمُ أو يتأخّرُ عنْ أمْرِه؟

وكيفَ لهُ ذاهلاً لا يريمُ بأشلائِه؟

دلّني يا سَرابُ بالرّمْلِ والميتينَ، وخذْ أمَلي.

 

ومَن أنا لأبكي وأرثي وأسأل بعدَ الرّمادِ الثقيلِ عنْ وطني؟

ميّتٌ ما أرى في استكانِةِ قطبِ الجليدِ أمْ أرى وَطني

أمْ تُرى في النّزاعِ الطويلِ كيومِ القيامةِ

أمْ مسجّىً على هَيئَةِ الموتِ ولا مَنْ يُداوي لهُ موتَ أولادهِ في قبورِ الحنين...

أأرثي الحياةَ بهِ

وأنا مثخنٌ بالجِراحِ ودمعي بفاضحةٍ وغريبْ

والعيونُ الغريبةُ ملءَ بلادِ الشّتاتِ تسألني؟

أنا منْ فقدتُ أمّي أبي إخوتي وأبناؤهمْ راحوا... وبقيتُ لأرثي

وإنْ متّ مَنْ ذا سيبكي عليّ ويَنْدُبُني

أمّيَ كانتْ تقولُ مراراً

لتشكلَ آسي وتَقْبِرنِي

وإذْ قلتُ مستنكراً في رجاءٍ لماذا أنا يا أمّ

قالتْ بدمعِ الحنانِ

لأنّكَ قلبي

لأنّي...

وقلبُ بلادي مَعي

وإن متُّ منْ بِحِزمةِ آسٍ يُوَدّعني

ولي ألمي ونُدوبي ورثُّ اهترائي منَ القهرِ

ومازلتُ غرقانَ في وَجَعي

دمعي عَزيزٌ... كيفَ لا أبكي وبي كلُّ هذا الحطامُ

بالدّاءِ والحبّ والمَوتِ

وهو الآن مسجّىً لا يموتُ فأرتاحُ

أو يقومُ كما كانَ سيّداً في البلاد

أقومُ

يقومُ معي

أميَ ماتَتْ

وما عَرفتُ بالأمسِ قبراً لها ولا لإخوتي وأبي

ماتتْ ولمْ أرها في الرحيلِ

صوّحَ الآسُ ولمْ يَزلْ في يديَ والدروبِ يَبكي معي

ومازلتُ في الحلمِ أمُدّ يَدي

لستُ أدري أأبكي عَليها بِدَمعي أمِ الحبُّ يبكي علينا جميعاً

والمدى والخلائقُ تبكي معي... وَلي وَجعي

وَمنْ أنا لأطوِّفَ بالدّمعِ ويَحْضُنُني الكونُ

إن قلتُ دَمعي على وَطني

ويا ربّ يا دمعُ ملءَ بحارِ الفجيعةِ أيّ المفازاتِ لنا وطناً لنعانقَ فيهِ الحياةَ

وقد أصبَحَ الدمعُ رملاً

ولا مَنْ يزيحُ الأذى عن بلادٍ كانتِ الرّوحَ

وعاثوا بها

ومن قتّلوها على قلبِها ما يزالونَ

ومازال فيها المسجّى على دمِهِ واقفاً يتشهّى الحياةَ

هل ماتَ

أو مازالَ في رعشةِ الاحتضار الطويلِ يَحملُ بلواه... لعلّ تدبّ الحياةُ ما بينَ جنبيهِ

لعلّ شتاتاً نجا بينَ أهلٍ يعودُ بزيتونِ غصنٍ نجا مِثْلُهم ويعودُ بأسمالِهِ

ومن أنا لأرثي وأبكي على وَطني؟

 

وطنٌ لا قبور لَهُ

البلادُ مرايا لحكّامها

ومن قتلوها

ولي ملءَ قلبي دموعٌ

 دمعي عزيزٌ

ولكنّ قهرَ الرجالِ في وجعي.

 

سأعليهِ فوقَ الزّمان

وأجعلُ قبراً له في الزمانِ بطولِ السماواتِ والأرضِ

أجعلُ من آسِ أمّي تاجاً على قبرِه

ومن كلماتي شاهدةً له في كتابِ الأبد.

 

صباحُ الخيرِ يا بلداً على التابوتْ

ولا يموتْ

دعني أمرّغُ دمعيَ في ناظريكَ لكيْ أرى قتلاكَ

بل جرحاكَ

في سُمّ البراميلِ الحقودةِ في سماكَ

هل أطفَالُكَ ماتوا بجوعٍ يَصرخونَ بصمتهمْ (بابا)

ومن آخرةِ الرّوحِ القتيلةِ غيلةً (ماما)

ومازالَ الطغاة...

أرى الطعناتِ والسارينَ يضربُ في مداكْ

وأرى صباحَكَ بالجنونِ ملوّعاً

ولا قتلى سواك

لكيْ تموتَ

ولا تموتْ

يا وطناً مسجّى في المدائنِ والحواري والبيوتْ

لن ينبتَ الآسُ المقدّس والبنفسجُ في رُباكْ

هل يدفنوك...؟

متى...؟ أجبني يا أبي المقتولَ حتّى لا أراك

ويا ثَرى أمّي أجبني

هل أموت؟

 

تعديل المشاركة Reactions:
هل ينهض من موته؟ (مرثية وطن)

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة