-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

صباح الزهور الملقّمة بالفرح

 


خديجة بلوش

 

تتساقط قطرات خجولة على الزجاج المعتم وتنقر أغصان شجرة لوز عتيقة على حوافها برتابة، ويأتي صوت فيروز ناعماً ببحة جميلة خافتة، بينما يتصاعد بخار القهوة الصباحية من فنجان تحيط به كل ألوان الغرابة، وأجلس كالعادة على هامش هذا الحلم أهمّ بفتح النافذة كي أتصيد بضع قطرات منعشة قبل أن تغلق الشمس القوز قوس هذا الفصل القصير من شتاء يراود ذاكرتي.

النافذة المعتمة حين فتحِها تتحول لمرآة، أغضّ الطرف عن النظر فيها لتفاصيل ستدهشني حول ذاتي.

هل أنكر ما أنا عليه؟

أعرف مسبقاً كيف أبدو.

أنا الحالة، القوية، الغريبة، المستسلمة لنمنمات الرتابة.

فيما تفكرين أيتها النبتة؟

أحاور همساً نبتة عجيبة زرعتها من بذور لا أعرفها، سقيتها بعطف أُمّ لا تعرف المستحيل. منحتها وطناً قائماً بذاته على أفريز النافذة المطلة على حد سواء على الشارع الطويل وعلى قمم الجبال البعيدة، تحت سماء لا تعرف الكآبة.

أحب ما تمنحني إياه الصباحات المبكرة. تلك الخالية من ضجيج الخارج وهدوء معطّر بزخّات أفكار أبقيها دائماً طي النسيان.

أطلّ على الشارع الذي بدأ يستيقظ وأنا أرتشف من الفنجان عصارة هذا الصباح، أترنم بأغنية قديمة علقت بذاكرتي.

لا أجيد الغناء ويخرج الصوت نشازاً قد ترتج منه جدران الغرفة، لكن هذا لا يهم طالما ترافقني موسيقى الحياة فكل شيء يصير جميلاً.

وما يزيد صباحاتي جمالاً هي تلك الزهور التي أجدها في بريدي، من كل بستان وردة وألوان تمسح غبار الحزن المعتق عن جيوب القلب، وجمل قصيرة كتبت على عجل لكنها كتبت بكثير من الود والاشتياق.

صباح الزهور الملقّمة بالفرح.

صباح جميل كابتساماتك الحانية.

صباح التفاصيل الملونة مثل زهور البنفسج.

جمال يحرض فينا الجمال.

فنشرق مثل الأشجار التي تنفض قطر الندى فتمنح صورة الضوء ألوان قوس قزح.

النافذة تمنحني هذا الشعور المفعم بالرضى، إنها ليست فقط فجوة تطل على الخارج، هي نافذة الروح التي أستقي منها تلك الذبذبات الطيبة،

وتتمرن نظراتي على الغوص في سحابة بيضاء مثل الثلج تنفذ منها لعوالم مرح خيالي إذ أشكلها على شكل قلب، ثم أنثره في الفضاء الفسيح ليسقط على راحة يدي، وأعيد نثره من جديد ليتشكل زهوراً أقطف منها باقة أضعها على صدر الصباح الفتي.

صباح النقاء  أيتها الأرواح النقية.

تتعالى أصوات صغار تسللوا من عتمة المنازل لشساعة الطريق، تتقاذف أقدامهم الصغيرة الحصى وترتفع وتيرة أصواتهم شيئاً فشيئاً لتغطي على صوت الأغنية الحالمة.

صباح الواقع الذي نعيشه بكامل إرادتنا ونتبلّه ببعض الخيال البريء.

تعديل المشاركة Reactions:
صباح الزهور الملقّمة بالفرح

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة