-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

لم تكن تنوي شيئاً سوى شراء أحلام صغيرة

 


الكاتب والروائي جان بابير

لم أكن قد خططت لكي أراك لكن صدفة حرية، خرجت لي من بين الأوراق البيضاء وظهر اسمك مهساء (كترند) إنساني على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. كلما فتحت قناة تلفزيونية أو أي صفحة اجتماعية ظهرت لي بكامل هندامك، بكامل أنوثتك التي تنضح بالحرية والعصيان، ثورة بدأت من الوشاح، وكثيراً ما كنت ألقاك  دون ميعاد، دون سابق إنذار. 

في زحام جسدي تعثرت بك، ثورة في  رأسك الذي أبى ورفض الخمار. تفجُّر جسدك بالعصيان هي شرارة بوعزيزي الثانية في بلد تقوده العمائم؛ بلد هو عرضة للانهيار في أيّ لحظة...لحظة ترتفع الأوشحة، تتساقط العمائم. كنت موجودة أنتِ قبل حواء حيما تمردت على الضلع الكاذب حينما كانت الأمازونيات يقطعن ثدياً ويحملن الترس ليدافعن عن الحرية؟! كانت هذه الوسيلة الفُضلى أن تدفع مهسا بجسدها الى أقصى حد، لتعرف أنها كانت الحياة...كان وجود مهسا اميني وشقيقاتها، الباعثَ الوحيد للطمأنينة!  حيث يشكلن مساحة الوجود ويتنفسن، وأنا لا زلتُ أتنفّس بكُن حبراً... حبراً أبيضَ على عباءة ليالينا المتشحة بسواد الطغاة، قد لا يكون حبراً بل دموعاً بيضاء. 

انتشر اسمك ومشى على الطرقات، دخل خلسة الأسرّة ونام على الوسائد، وسال دماً على الشوارع  والأرصفة وعَلِقَ على المباني... والطرقاتِ التي عبرتِها! ألقيت النظرة الأخيرة على قلبك وأنت تعبرين شارعين بخطوات عمرك الاثني وعشرين، إلى المترو حيث جنود اللاأخلاق يرمونك في الأتوبيس السجن، العصي تنهال عليَّ، الشتائم تنهال عليك. جسد مَن ذاك الذي كان ينادي؟ في المشفى فيلم كاذب بسيناريو رديء يعرض ممرضات يلتفتن يمنة ويساراً ، يأتي الخبر الكاذب عن إعلان رحيلك، فتُحملين في محفة وتُدثَّرين مع أحلامك الخضراء. ينتشر الخبر . شقيقات يرفعن رؤوسهن، بإصرار يحاولن إعادة الحياة إلى جادتها لكي لا تتوه الجهات أكثر ممّا تاهت، منذ أن جاء آية الله والحاكم بأمر الله وخليفته إلى آخر كل هؤلاء العرصات المكررين بألقاب مختلفة  ...

من هي التي  حملت الحُزن على متن جسدها، من الذي حمل الحزن على عربة الجهات وجرّها بخيول النزق إلى المنفى البارد وأنت لم تكوني وحدك بل اتحدن معك يحكين قصص البلاد الرثة الثياب. اشتعل الليل بروحك مستنجداً، وكان صدى الاشتعال تتردد أصداؤه في بلاد بعيدة ، وتكاسر الليل الطويل في كأس حزني خمراً 

وغبار الأرصفة والحرب الباردة والساعة الأولى التي دفعت بك للمجيءِ إلى هاهنا، تمسك يد البلاد بدل أن تمسك البلاد يدك. خفت على البلاد أن يطول ليلها، لم يتسنَ للكثيرون بأن يخبروك  قصصاً مليئة بالحلوى،  ولم يشتروا لك ثياباً لعيد النوروز حيث كانت تنتظرك أمك، لكنك لم تعودي بل عاد وشاحك علماً يرفرف براية مقتبسة من ألوان الإله وصاروا يرددون اسمك للأبد كل قطرة، لم يخبروها أن تنتظر لتزور صباحات وطن أنهكه الطغاة، أن ترتب بنفسها مائدة الظهيرة وتعد أشهى الأمنيات بنكهة الربيع، لم يمهلوها ربيعاً آخر، غادرت أمسنا وتركت أحلامها لنا تحت الوسادة ومضت نحو السماء.



تعديل المشاركة Reactions:
لم تكن تنوي شيئاً  سوى شراء أحلام صغيرة

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة