-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

أتعرى أمام المرآة ولا أخجل ..

 


جان بابير

وأكتب بحقي ألف وخمسمائة طعنة .

في البدء لا بد أن أرفع التقديس والشكر لآلام المخاض في تلك الليلة الليلاء، وأمي تكز بأسنانها على أطراف اللحاف لتخفف الألم. ومن ثم بطني وركبتَيّ اللتين علمتاني الحب والزحف كدودة صغيرة في شرنقة ترابية تُسمى البيت الطيني لأتواجد في هذه الحياة ، لقدمَيّ اللتين تحملان تفاصيل خطواتي يومياً وأتعرج على اللغات التي أجيدها وأتلصص بها على   عورات شعوب أخرى غير ملّتي الضالة في شعاب الجغرافيا. ممتن جداً لكل كتاب قرأته وما سأقرأه في محطات عمري القادمة، أحيي عمري الذي لم يتركني قط وحيداً، وأحب كل الأشخاص الذين مروا بحياتي، حتى الذين كرهوني أحبهم جداً، لأنهم علموني الحب وبذلك الشغف وحده أملك لحظات يحسدني عليها حتى الشيطان.

لأرسم لي تلك الصورة الحقيقية 

أن أتسمك بظلال الأبيض والأسود 

كأن أغوص بركبتي في النهر 

 وألملم الأسمال البالية عن جسد السنين لتظهر النتوءات في شجرتي 

نكاية بالعصافير 

هناك الكثير من التجاعيد 

حينما يخاصم الظل الأسئلة التي تقف في بابي كمتسول 

تستجدي حفنة أجوبة 

كنت أملك يوماً فخاخ الكرامات للزرازير 

وأعصر الهندباء

لم نكن ندري أن فخاخ الحب ستصطادنا يوماً 

 كنت أشبه بسنونو يتمسك بعشه أشم رائحة التراب 

وتحرس طفولتنا حكايا أمي وقصصها الليلية 

الآن أشم الخوف 

بوابة من الخشب 

خلفه متر مربع من الإسمنت 

حمّام يدخل إلينا الهواء بارد كحد الشفرة 

ها إني بصورتي الجديدة أبدو أنضج وأكثر ألماً 

وأكثر بللاً من النهر  


لبقايا الأشخاص الذين التقيتهم مصادفة في محطات وحواري طفولتي ولم أعتذر لهم ، وممتن جداً لطفولتي التي نبت لها شاربان. وماذا أقول لشبابي و رجولتي؟ أعشق كل شعرة بيضاء في لحيتي وشعري؛ من خلالها تعلمت الحكمة. كل الشكر لمنبت ثديي معلمتي التي فتحت عينَيّ على باب الوسواس والقهر والاختلاء بنفسي في أماكن مظلمة وضيقة ، وأُجلّ كل امرأة مرت بشارعي وألقت عليّ تحية ورمتني بابتسامة، وكل فتاة عابرة شاركت أوقات جسدي. وفيٌّ أنا لكل أحذيتي التي حملتني على الطرقات لأتعثر بجمل ووجوه جديدة وقصائد تسير محشورة في سراويل جينز تحمل لي المواعيد في حقائبها. شكراً للبندقية حملتها يوماً على كتفي ككتاب مقدس. كل حب واحترامي لكل كلمة سطرتها في رواية وكتاب، ولإشارات التعجب والفواصل التي أوقفت لهاثي متقطعاً في منتصف الأسطر، وإشارات الاستفهام ونقطتَي القول: أحبك يا قديسة، يا من حملتني تسعة أشهر لترتاحي من عادتك الشهرية. الشكر وخالص الامتنان لخبز الصاج ويدَي أمي وأحذيتي البلاستيكية. الشكر للشتاء لأعطي قيمة لمحارمي القماشية، كل الامتنان للمحارم الورقية في الاستمناء والمضاجعة في الغرف الضيقة، وعلى الأدراج في مداخل الأبنية لأمارس الجنس واقفاً. لكل شتيمة سمعتها، لكل شتيمة ابتكرتها بصورة شعرية للإباحية والفلسفة في سردياتي. أحيي ملابسي من القماط مروراً بسراويل الجينز لأصل إلى الكفن. شكراً لكل أنواع القماش الخشن والرقيق، دائماً ما كنت أقرن القماش وأسماءه بالنساء وأنواعه بمواصفاتهن .

 إنني أكتبك أكثر من كاتب النفوس 

فأنت تصطادين عصافير الكلمات كالفخاخ 

وتتربعين على عرش كرسي الصورة الشعرية 

وأنا كمقيم مجبر في زنزانة نصك 

أدرك أن الحب كلمة حبلى بجنين المعنى

تتعثر في الوصول إلى الحب.  

لدينا كل تلك الدفاتر والقصاصات 

نيران تتقد من جديد في موقد الذاكرة 

تمسك بي وتقودني إلى معارك صغيرة خضناها على الأسرّة

 كأنغام عازفة مبتدئة يجرحها الوتر.

أو ميعاد مضاجعة تأخرت 

في سرد رواية من الوقت الذي هدرناه 

السنونو يعود إلى موطنه 

القلب يعود لسنواته 

أعلم أني أحبطت المرآة  كثيراً 

أكبر دون أن ألتقيك

ليتفتح الوقت كوردة حمراء

أن أنحر اللقاء بمدية التأخر 

وأرسل القمر إلى مقصورته 

بذلك الرصيد من الخيبات حتى لا أعيش الضجر

 لترميم الجانب المتصدع من قصتنا أذوب كقطعة ثلج في الكأس 

وجودك يزرع وسادتي بكلمات خضراء ويبعد عني جحافل الأرق 

كأنك دكتاتور جعلتني أصغي إلى شعاراتك 

أرددها دون ملل 

تقصفين خط جبهتي بوابل من الكلمات 

لأحمل جثث الأحلام على المحفات 

دون أن أحصي خسائري 

 فأحتمي بمتراس قبلاتي السابقة لأتيقن من أني أحيا .

وبهذه المناسبة أحيي أنفي الكبير الذي يشم الروائح الزكية والنتنة، أصابعي التي رسمت في العتمة الملامح؛ ملامح طفولية وأخرى خشنة. أمجد سنيني الخمسين التي أكلت الطريق أقدامها بعفوية، ولا أنسى عيوني الباكية في عتمة المدينة. لذاتي  التي انصهرت في ذوات الآخرين، لفتاةٍ تسحبني من الزحام إلى وحدتها. مرحى لشفاهي التي جادت بالقبل لفمي الذي تسول القبل ليدَيّ الصاخبتين في العناق، الصامتتين في الاحتضان، لنطفة أبي وبيضة أمي، للوحات الإعلانات في الشوارع، لوسائل التواصل الاجتماعي، لنساء فيسبوكيات، لشباب التويتر، لكل بوست منحني ابتسامة، لكل قول اغتصب من عينَيّ دمعة.

عندما تكبرين ستذكرين معنى الخطوط والتجاعيد حين تجتاح ربيع خديك.

 هل أدركت كم تألم اسمي المقترن بك ؟ 

ستكتشفين جمالك في بحة صوتي 

ومخلداً في قصيدة قلبي

إن سرت بداية أو كثرت التجاعيد حول عينيك 

فانظري إليك بعينَيّ  

من يحبك لا يهتم بتفاصيل الجسد. 

الشكر لسقراط ونيتشه، كل كلمات الحب لكلبنا جومر. اللعنة وكس أمك أيها الموجه الشوفيني في الإعدادية لكلماتك العاهرات، الواضحة الشكر لقواد ساحة المرجة. الحب كل الحب لعاملي النظافة، لمعلمي في الابتدائية، اللعنة كل اللعنة على شعارات القومجيين. شكراً لي أنا لأني موجود أكتب بصدق دون رقابة، أكتب بشعور منفلت من عقالها لوسائد الحزن  التي احتوت رأسي ولم تلفظني كاللعنة. كل قمح يدي لعصافير الدوري، لبعض أغاني فيروز وبوزان أحمد، والشكر لجانيار الذي نثر بعض بذار كلماتي في حاكورة أغانيه، للغة حافظ شيرازي وصوت معين ومهستي. أصافح ناظم حكمت في مضافة لغته الهجينة وصوت سوزان أقسوزيحلق بي إلى فضاءات التجلي . 

بلا سبب كنت أحبك، بكل الأسباب أحبك، بلا أدب سأحبك 

ككأس أتحطم على رخام وحدتك 

بكل حب يحترق دمي 

وأتكسر في مرآتك وأمشي مقبلاً عليك بكل سذاجة الهندباء والعاكوب 

وبرائحة الزعتر البري وأسقط كحجر في مائك 

وتضيئين في لياليَ نجمة انتشلتني من الوحدة وأتحد بك

ألثم أثر ظلك على الجدران، أشم مرورك  وكتاب تاريخ أقرؤك 

حيث العشب والنهر وأنا 

تمرين في محطتي كقطار سريع

 ونشرب اليوم نخب الأمس  

كرغيف خبز أمضغ جوع وقتي 

 وأحلم بالسرير الذي احتوانا كصدفة 

مازال الجسد يصرخ بتهمة الشوق 

وأتورط بحمل المسافات على كاهلي الهزيلين

وأبقى وحيداً كشاهدة قبر  

للجبال والأنهار والبحاروالأشجار التي سرقت ظلي لتزدحم بالعصافير، فلتصاب تلك اللغة التي فُرضت عليّ بجلطة قلبية، لكن قلبي شجرة وظل وزقزقة عصافير وصياد متأهب لقنص الطريدة، حول الضوء الذي تسبح فيه الروح. لنرجم الخذلان ونذوب كفص ملح، لنصعد أعالي الدروب، لنعدُ خلف غابة الظلال بندائنا المحبوس ونفتح الأحضان للنداء حين يهم الرقص بالرقص، بأسماء ترتجف من السقوط، فيسقط الوقت متباعداً متقارباً بملامح زائفة.  

خلف خطوط العبث

نتبع المعاني في خطواتنا  

في ترهات العبث تضرب بالجذور 

تتمددين فوق ليل وحدتك بلا منازع 

يتربص بها الحيرة تبحث عن فلول صوتها

  لتهدي أقدامها إلى الرقص 

 يركض إليها النهر والطريق

هي الفلّين وأنا الغريق 

كل الحب الحب كله للحانات، للندماء للكؤوس، لموائد الليل، لنباح الكلاب، لمواء القطط التي دوّنت وجودي في تلك اللحظات. راضٍ عن كل شيئ مر بحياتي من خذلان وتفاهة، من كره وحب. ممتنٌ حتى لأكثر الأشياء تفاهة، لصنع الفرق في حياتي، هكذا نضجت كرغيف خبز. للصباحات التي أمضيتها بصحبة حبات الزيتون وكؤوس الشاي والأماسي التي أمضيتها برفقة قلبي ونبضه في يومه الأول وعامه الخمسين، ككرسي بلا سند، مثل رصيف وحيد لا يعبره المشاة، كقميص مهمل في خزانة باردة، نُسي في جيبه موعد حب وقصيدة.

 حين أجد وقت شاغراً أجلس بعناية وأكتبك 

كأنني في حضرة السلطان 

وأتابع سيري في متن يابس أرويه بماء الاشتياق 

  أبتهل مطراً للمعنى وأهدي ثلاثين قبلة نثراً على الورق  

 كي لا أفقد اللذة 

يقع على عاتقي أن أهدر دمي بدل الحبر 

وأكتب القبلة الأخيرة على باطن كفك

 وأجازف بحبي العنيف سطراً تلو السطر  


أصافح الطفل الذي يخرج من عباءتي الكهلة كل صباح.

تعديل المشاركة Reactions:
أتعرى أمام المرآة ولا أخجل ..

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة