recent
جديدنا

«الغابة السوداء» لـ مازن عرفة

الصفحة الرئيسية

أشعر بحركة ما ورائي، ألتفت. تصيبني أقصى درجات الذعر. أرى أناس ورائي، العشرات منهم، حشود كأنها دون نهاية. لا، إنهم نسخي، التي ظننت أني غادرتها في المبنى. يرتدون ملابسي نفسها. لكن الملابس أصبحت ممزقة مهلهلة. لا، ملطخة بالدماء. بل تنزف منها الدماء. لا تسير هذه النسخ منتصبة، بل منحنية الظهر، تجرجر نفسها. مثقوبة الرأس والصدر، كأن طلقات بنادق أطلقت عليها من قريب، في إعدام ميداني مباشر. بعضها دون أعضاء، أشلاء، مزقتها قذائف، وبعضها الآخر مفروم، كأن دبابات سحقتهم، ولملم نفسه. ليست نسخي، إنها جثثي. الدماء محت ملامح الوجوه؛ ملامح وجهي. أشعر بالشلل، أتوقف. تتوقف الجثث. أواجهها. لا أشعر بالذعر، أنا أواجه ذاتي؛ ذواتي المتشظية. أشعر بالحزن لها، كأن كل جثة ترغب أن تروي حكايتها، "حكاياتي". لا أعرف ماذا ينبغي أن أفعله.

فجأة تظهر الحوامات في الفضاء، تحلق حولنا، والدبابات تتقدم أيضاً من خلف البناء نحونا. أراها الآن حقيقة. يحدث الآن شيء يشبه جنون وحشي. الحوامات تلقي على جثثي براميل متفجرة، تُسقط مُحدثة دوياً هائلاً. تتفتت الجثث. الدبابات تنقض مزمجرة على الجثث، تسحقها أكثر. أركض هارباً باتجاه التقاطع. الإشارة حمراء. أتجاوزها. دويّ "صفّارات الإنذار" يعلو من جديد. لا أهتمّ. أصل إلى الطرف الآخر، يصمت دويّ الصفّارات فجأة، يصمت ضجيج المحركات وصرير الجنازير. ألتفت ورائي، لا أرى شيئاً. اختفى كل شيء. لا يهم، مادمت أحمل أكياساً ممتلئة بالمشتريات، تعلوها ماركات جبنة مختلفة.

مازن عرفة – الغابة السوداء

google-playkhamsatmostaqltradent