recent
جديدنا

«ميثاق النساء» لـ حنين الصايغ


حدّقتُ في الضوء الكبير في السقف فوق رأسي وشعرتُ كما لو أنني في حلم أو في حالة تأمل عميقة. فكّرتُ في الله، في لحظة فيها الكثير من الحميمية... شعرتُ بقناع الأكسجين فوق أنفي؛ بدأت عيوني تنغلق. الضوء يغيب.. الله يغيب.. البرد يغيب....

استيقظتُ في غرفة رمادية فارغة إلا من سرير واحد كنت مستلقية عليه. سمعت أنينًا قبل أن أفتح عينيّ، وحين استفقتُ أدركت أنّني كنت مصدر الأنين. كلّ شيء فيّ كان خدرًا. نظرت حولي فلم أجد أحدًا. رفعت رأسي قليلًا، ألقيت بوزني فوق كوعيّ وجلت بنظري على الغرفة الفارغة، فبدت لي وكأنها مشهدٌ آخر من فيلمٍ صامت. لم أميّز المكان لدقائق ولا ما أتى بي إلى هنا! استجمعتُ قوتي وجلست فوق السرير بساقين متدليتين في الهواء. ثم دفعت جسدي إلى حافّة السرير حتى لمست قدماي الأرض. وحين وقفت، انساب خيطٌ من الدماء من بين ساقيَّ، وترك فوق الأرض بقعًا حمراء بأحجامٍ مختلفة. نظرت إليها مطوّلاً وحاولت أن أصرخ، ولكنّني لم أعرف اسم من أنادي ولا إن كان صوتي سيعينني؛ فصمتّ.

لم أغادر المنزل في الأيام الخمسة التي تلت هذا الحدث، والتي تفصلني عن عملية إعادة الأجنة المخصبة إلى رحمي. لم أتمكن من مغادرة السرير أيضًا أو ربما لم أشعر برغبة في ذلك. كان الألم ينبع من كل مكانٍ في داخلي من غير أن أتمكّن من تحديد موضعه، مثل الرطوبة التي تتغلغل في الأسقف وتقشّرها وتشوّه شكلها من غير أن نعلم مكان الشق الذي يسمح للماء بالتسرّب. شعرت أنّني السقف أحيانًا وأنني لا أصلح لإيواء أحد، وأحيانًا أخرى شعرت أنني الماء الذي سيخرّب مشروع هذه العائلة التي لم تكتمل بعد. كيف يمكن أن نكون المشوِّه والمشوَّه معًا؟ وفي هذه التلافيف التي أعيشها مَن يحدّد من يشوّه من، ومن ينزف إلى داخل من؟ فكرت في أبي ثم أبيه.. ثم في أمي وأمّها.. فكرت باحتمال الطفل الذي سيغرسونه في أحشائي. الطفل الذي بدأت علاقتي معه على شكل انتهاكٍ وحقنٍ وألم. من يرمم كل هذا أيها الاحتمال الصغير الرّاقد في أنبوب في عيادة فخمة في شارع الحمرا وأمك هنا تُحدِّق في السقف؟ كيف أبني جسرًا فوق نهر الألم لأعبر إليك سالمةً؟ وأنتَ؟ هل ستكون الماء؟ أم السقف؟ أم الشق؟ هل حقّا تريد أن تأتي لتكون جزءً من هذه المسرحية الهزلية؟

 

حنين الصايغ – ميثاق النساء

 

google-playkhamsatmostaqltradent