علي عبد الله سعيد في «سكّر الهلوسة»: توق الجسد وإشراقات التاريخ المعتم



صدرت حديثاً عن محترف أوكسجين للنشر في أونتاريو بكندا، رواية جديدة للروائي السوري علي عبدالله سعيد، بعنوان «سكّر الهلوسة».

 

تتجاوزُ هذه الرواية زمنَها الحقيقي بين عامي 1983 و1986، لتفرض زمنها الخاصّ، مديداً وآنياً، مليئاً بالأحداث والشخصيات، في حبكةٍ تتخطى فيها كل ما هو تقليدي، ليس تناغماً مع موضوعها الشائك وعوالمها المركّبة فحسب؛ إنَّما لقدرةِ علي عبد الله سعيد على إحداث الدهشة منذ السطر الأول: «هارباً من الجحيم اليوميّ».

 

ولتمضي لعبة السرد على مدار تسعة فصولٍ يطارد فيها البطل هروبه إلى ما يتوق إليه وينفلت منه، إلى ما يجعلُه يصارع مصائره بضعفه وهشاشته، بتأمّلاته الفلسفية، بتوقه المتجدّد للحبّ والامتثال الكامل للجسد، باقتحامات وتصادمات وهلوسات تتجلى في غرفٍ مظلمة، وفي شوارع تتربّص بالعابرين إلى خلواتهم في زمن الحرب، وفي دهاليز المؤسّسة بجدرانها الصمّاء ومكاتبها الضيّقة، وبموظّفيها وطقوسهم المجنونة في محاولةٍ لدرء تصدّعات الحياة.

 

في كلمة الغلاف يضيء الناشر على ما سيتبدّى للقارئ في هذا الكتاب، فيكتب: «لا تأبه هذه الرواية بالمنع والتغييب، ولا بكل ما جوبهت به لئلا تُطبع، وها هي تخرج إلى النور طازجة كما لو أن الروائي السوري علي عبد الله سعيد انتهى من تأليفها للتوّ، وليس منذ أكثر من سبعٍ وثلاثين سنة. إنها رواية عصيّة على الزمن، توقظ وردة ندية من حلمها، وتجعل من الشهيق والزفير معركة، أما سُكّرُها فله أن يذوب بحياة راويها ونسائه، وهو يقصّ على سلام الجزائري حيواته مع النازفين المرميّين في العراء، تارة يسرد ويضيء، وأخرى يهلوس ويهذي، وفي خضمّ ذلك تتوالى الحكايات والإشراقات والرغبات، والخيانات والخيبات والهزائم، كما لو أنّ النص قفزةٌ في الزمن، ومعبرٌ روائيّ استثنائي إلى واقع يوثّقه سعيد بأن يشكّله ويعيد تشكيله مراراً تحت إملاءات التوق إلى الحب والحرية والحياة».


 

لعلّ هذا ما جعل صاحب «اختبار الحواس» (جائزة مجلة الناقد 1992) يستهلّ روايته بمقولة هوبل، من «كتاب الضحك والنسيان» لميلان كونديرا: «لتصفية الشعوب... يُبدأ بانتزاع ذاكرتها، وتتلف كتبها، وثقافتها وتاريخها، فيكتب لها آخر كتباً أخرى، ويعطيها ثقافة أخرى، ويبتكِر لها تاريخاً مغايراً، وبعدئذٍ... تنسى الشعوب شيئاً فشيئاً ما هي عليه، وما كانته، وينساها بسرعة أكبر... العالم الذي يحيط بها».

 

وهنا مجتزأ من الغموض المثير للفضول، من الدراما الوطنية والإنسانية في تلك الحقبة من تاريخ سورية وما ولّدته من استكشافات آنية في اختبار الصداقة والموت والانتماء، وإشراقات مؤلمة تمتزج فيها السخرية بجرأة اختراق المحظورات فكرياً وسياسياً، كيف لا، وهو يخاطب في سلام الجزائري تلك الحالة البريئة النقية، من العري والحنان والطمأنينة:

«الحب... يا سلام...

ما الفائدة من الحب؟

ما الفائدة من الحزن؟

ما الفائدة من الوطن؟

ما الفائدة من الفرح؟

أبدو يائساً وشهياً...

كان يأسي لذيذاً...

كان الوطن بين القتَلة ضيِّقاً كالحذاء الذي اهترأ. لذا... أتلمَّس مسامير اللحم التي خلّفها الوطن على قفا أصابعي.../ وأنتِ أتقبلين يأسي هكذا؟ أم تريدين وردة السفرجل الحزينة الذابلة؟».

 

«سكّر الهلوسة» لعلي عبد الله سعيد، رواية أيقونيّة بحداثتها ونفَسِها التجريبي ولغتها المدهشة الممتدّة عبر 320 صفحة، كتبت قبل 37 سنة لتصدر اليوم عن محترف أوكسجين للنشر، وتكون شاهدة على زمنٍ يأبى التصنيف، بحروبه الدموية ودماره متعدّد الأوجه، ومنها وجهُ الحبّ كما لم يُكتَب من قبل.

 

ومن الجدير ذكره أن علي عبد الله سعيد روائي من سورية، مواليد اللاذقية 1958. من رواياته: «جسد بطعم الندم»، (2020).

«البهيمة المقدسة»، (2020).

«براري الخراب»، (2000).

فازت روايته «جمالية المتاهة» بجائزة منتدى ابن خلدون، القاهرة (1993)، بينما نالت روايته الأولى «اختبار الحواس» جائزة مجلة الناقد، لندن (1992). صدر له في القصة: «موت كلب سريالي»، جائزة أصدقاء الأدب، دمشق (1996). و«هكذا مات تقريباً»، (1993).

 

 

عن مجلة أوكسجين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملحمة فرهاد وشيرين

ما معنى الوجود يسبِق الماهية؟ وهل الإنسان حرٌّ في أفعاله؟

نظرية العقد الاجتماعي عند جون لوك