يفقدُ الجنونُ عقلَهُ أحياناً، متصرِّفاً كالبشرِ العادييْنَ
كتاب جديد للروائي والشاعر السوري سليم بركات المقيم في السويد تحت عنوان « تأْليْبُ المعاني على أُصولِها، وتصعيدُ المَطَالبِ بحقوقِ النَّثْر » ، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، وجاء في 160 صفحة من القطع المتوسط .
لن نستطيع اختزالَ كتاب سليم بركات الجديد ومضمونه بالاعتماد على المعاني المبوَّبة. ستطول اللائحة حتى « تأليب المعاني على أصولها » . أيْ تحريضها على تدمير ماضيها بإنشاء مضمون يتسع لحاضر ومستقبل مختلفين من البلاغة النثرية.
إيماءات وومضات قصيرة جداًّ . كثيفة، فيها ظرافة جامحة تصدر عن خيال واسع، وفيها تعابير مشغولة كالبارود : تفجيرٌ واحدٌ لا يستوفي هَدْمَ السدِّ بين أساطيرِ الخَلْقِ .
هذيانٌ ساحر ٌ: « الدموعُ براءةُ اختراعٍ» . عنفٌ لا مواربة فيه : «هَدْمُ المبنى على مَنْ فيه » . تأمل فلسفي : «الاستحمامُ مُعَادَلاتٌ من مَنطقِ الماءِ » . حكمة بلا تاريخ : « يفقدُ الجنونُ عقلَهُ أحياناً، متصرِّفاً كالبشرِ العادييْنَ » .
إذن ما الذي نقرأه في هذا العمل الأقرب نوعاً إلى كتاب سليم بركات الشعري « الشظايا الخمسمائة »؟ الفارقُ كبير . كان كتاب الشظايا … توثيقاً شعرياًّ للأحاسيس يعتمد على البلاغة كمصدر خاص به جمالياًّ ، في تأليف التركيبة والتوليفة اللغوية ، وكذلك في « نَحْت الصور »، الكتاب الجديد الذي وضعه المؤلف تحت باب ( خواطر ) يذهب إلى ما هو نثري الطابع من التعابير ليستظهر منه شعريةً مخبأة فيه :
كلُّ رقمٍ مقدَّسٌ في عُرْفٍ،
إلاَّ الرقمَ الذي أنجبَ الصِّفْرَ .
معركة سليم بركات واضحة التخطيط: تبديل كلمة في جملة نثرية يمكن قلْبها من معنى معروف إلى معنى جديد. إنه يريد عن قصد أن يكون النثر هو حامل الإلهام الشعري أيضاً بدلَ مكوثه في ظل الكتابة التقريرة الإخبارية . الصورة التي يركِّبها لهذا المسعى طريفة :
فتياتٌ مجهولاتٌ ،
وفتيانٌ مجهولونَ ،
يتبادلون عناوينَ اللقاءِ في ملهى النثرِ براقصاتهِ خَلَعْنَ سراويلَ الشِّعْرِ في رقصهنَّ .
***
تقنياتُ النص تتراوح بين ضمير المتكلم الذي يخاطب نفسه، لكنه يخاطب الآخرين في صيغة تنبيه وتحذير ونقد عنيف، وكذلك بضمير المخاطب في صيغة كأن المؤلف يكلم نفسه ويذكِّرها: «سَئمتُ من الإصغاءِ إليكَ مردِّداً حكمةَ الطريق/ أسْمِعْني حكمةَ المُنحدَراتِ الصخرية».
وهناك ضمير الغائب المُفرد:
«أراحَ جسدَه قليلاً من جِلدِهِ الموسيقيِّ نَزَعهُ عنهُ،
وأبقى أعصابَهُ الأوتارَ مشدودةً للعزْفِ اللَّاحقِ».
وضمير الجمع الغائب:
«مُعقَّمونَ كإبرِ الحَقْنِ،
وهُمْ لَقَاحُ الوباءِ بلا مفعولٍ».
الضمائر كلها ماءُ بركة تسْقُطُ فيها حصاةٌ فتتمدد الدوائر فيها، والحلقات التي هي المؤلف نفسه المتعدد.
وقد تندفع التركيبة «التحويرية» إلى سياق شعري في ظل السياق النثر: «ما آخرُ الأخبارِ؟/ ما آخرُ الظلالِ المقتولةِ فيها؟».
هل هذا الكتاب هو حكمة عمر الشاعر والروائي و.. «الرسام» (يرفض بركات هذا الوصف: لستُ رساماً)، بكل ما فيه من عنف وخيبة وخذلان وألم؟ الكتاب يجمع الكثير من الحياة المنهوكة في واقعنا. يجمع الكثير من العسف اللاحق بالأفكار والقيم، والعلاقات بين الإنسان وإيمانه الذي يبدو منهاراً على رغم مظاهر المجابهة، والتحدي والاتهام: «أيها الكذَّابُ/ لم تخُنْ أحداً،/ بل سايَرْتَ العالَمَ».
ويستوقفنا الكثير من السخرية أيضاً: «ما المُقْتَرَحاتُ؟/ نُسِفَ البابُ،/ وأُخْليَ القَدَرُ من المُحْتَجَزَيْنَ».
أو: «حامضٌ لَبَنُ اليومِ؛/ فائضُ الحموضةِ/ بأيِّ إنسانٍ كانت تفكِّرُ البقرةُ التي حَلَبوها؟».
وهنا هذيانٌ ساحرٌ: «الدموعُ براءةُ اختراعٍ». وعنفٌ لا مواربة فيه: «هَدْمُ المبنى على مَنْ فيه». وتأمل فلسفي: «الاستحمامُ مُعَادَلاتٌ من مَنطقِ الماءِ». وحكمة بلا تاريخ: «يفقدُ الجنونُ عقلَهُ أحياناً، متصرِّفاً كالبشرِ العادييْنَ».
لن يكون ممكناً اختزالَ هذا الكتاب ومضمونه بالاعتماد على المعاني المبوَّبة. ستطول اللائحة حتى «تأليب المعاني على أصولها». أيْ تحريضها على تدمير ماضيها بإنشاء مضمون يتسع لحاضر ومستقبل مختلفين من البلاغة النثرية الغنية الثرية. إنه كتاب « تصعيد المَطَالب بحقوق النثر»، فهل فقدَ النثر حقوقه؟ ربما بركات يريد النثر بحقوق كاملة في عمله هذا الخاص الطابع، يضيفه إلى قائمة أعماله البالغة 60 كتاباً.
ربما يمكن إطلاق عنوان إضافي للكتاب: هكذا تكلم زرادشت الكردي !
كلماتٌ تتجنَّبُ النظرَ إلى عيونِ المعاني
لا شيءَ من هذا حقيقياًّ:
لا المعاركُ ولا وصْفُها؛
لا الجيوشُ ولا وصفُها؛
لا المآسي ولا وصْفُها،
لا الانهيارُ ولا وصفُه:
إنها الكلماتُ تتجنَّبُ النظرَ إلى عيونِ المعاني.
الكثيرُ من الحياةِ كثيرٌ على الحياة.
كأنك لم تعِشْ.
كأنك لن تعيش.
كأنك في نزولٍ من شوقكَ إلى الغياب،
وفي صعودٍ من شوقكَ إلى مُلْغَزٍ كالأصواتِ تحت الجُسور.
هناك مَن يراقبنا في الأشعارِ،
من الجهة المقابلةِ في الخيالِ النَّثريِّ.
الوهمُ فصيحٌ بلا قواعدِ إعرابٍ،
ووجيهٌ كَفُتيا الإمامِ في نِكاحِ القاصر.
زلزالٌ أرضيٌّ
بلغَ الدرجةَ التاسعةَ على مقياسِ الرغبةِ في الجسدِ المُغْتلِم.
محاربٌ نظيفٌ حقاًّ:
كلُّ مَقْتلةٍ أنجزَها لم يلوِّثها بصراخِ المقتول.
لا تُعبَّدُ الطُّرقُ بالإسفلتِ أولاً،
بل بأصواتِ العِجالِ في آتيها.
السهمُ الذي أصابَ الظلَّ،
أسقطَ صاحبَ الظلِّ قتيلاً.
ما الجبلُ؟
ما السطرُ الذي سيخلِّدُ الجبلَ إن لم يعثر على مخلوقاتٍ صائحةٍ في أرجاءِ الجبل؟
للأَرقِ أعيادُه.
يلزمُ تثبيتُها على التقويم السنويِّ لأعيادِ الفرحِ بالمواليد.
حين رجعوا من حدائقِ الحيوانِ،
باتوا عائلاتٍ حيوانيةً إعجاباً.
لم تخيِّبْ ظنَّ أحدٍ فيك.
لم تتراجعْ.
لم تستثمِر أو تُسْتثْمَرْ.
لم تُهزم.
لقد تولَّيتَ المفاوضاتِ قاسيةً في الظلِّ، تحت سحابةِ الطوفان.
أعصيرُ برتقالٍ هذا،
أمِ ابتسامتُها في القدح إلى جوار حساءِ الهليون؟
صادِروا ما شئتم من أثاثِ البيتِ،
ومن خزائنِ البيتِ،
ومن آلاتِ البيتِ،
ومن نوافدهِ، وحديقته.
صادِروا البيتَ حجراً حجراً،
وعموداً عموداً،
لكنْ أَبْقوا لي خرائطَ المَلَّاحيْنَ، التي لم يعْتَمِدها أحدٌ في الأسفار.
لا يؤكلُ الغمامُ عادةً إلاَّ على الإفطار.
ذعرٌ طليقٌ،
ووحشٌ مقيَّد.
حانَ موعدُ إقلاعِ الأممِ من مطاراتِ الطين.
لكنَّ الساعات متأخِّرةٌ في ضبطِ مواعيدها.
اعتقالاً خُذْهُ،
أو قتلاً.
لا تدعْهُ يَفلِتُ منكَ.
أنتَ تعقَّبْتهُ من عصرٍ إلى آخرَ في الكتبِ سطوراً سلختْ قدميك.
استدرِجْهُ إلى موتك إن لَزِمَ الأمرُ لتقتله.
اعترافٌ صغيرٌ بالإنسانِ يُلغي موجباتِ إثباتِهِ أنَّهُ إنسانٌ.
ما تسمعونَه ليس صدى أصواتٍ،
بل زفيرَ الوقتِ مستيقظاً من حلمه المزعجِ صارخاً:
لماذا أنا وقتٌ، يا أبي، ولستُ شيئاً آخر؟
أطلعتْني النجومُ، وأنا جالسٌ على مقعدِ الحافلةِ إلى البيتِ،
أنها لم تعُدْ صالحةً للفخرِ رسوماً على الأعلامِ،
أو أكاذيبَ في الأشعار.
الصَّفقةُ مكتملةٌ.
أرى ورقةَ العَقدِ منسيةٌ على المَقْعد.
أراكَ الإثنينَ.
أراكَ مطلعَ الأسبوعِ القاتل.
اجخلْ مَدرسةً ببعضِ الوسائدِ معكَ،
وببعض الأشعارِ المنتَحَلةِ في وصْفِ الطربِ،
وببعض الأسلحةِ،
لإنهاءِ التهريجِ في مناهجِ الصفوفِ الإبتدائية.
يحيا فيَّ الماءُ على عطشٍ أكثرَ مما يتوقعه الماءُ،
يحيا معي عطشانَ كعطشي.
حفْظُ الأخلاقِ في غيبوبتها حيَّةً بالمصْلِ موصولَ الأنابيبِ إلى شرايينها:
تلك مهنةُ الممرِّضةِ السَّكرى، ذاتِ النِّقابِ لم تخلعهُ منذ قرون.
حلمٌ ينقذُ الوقتَ من شَغَبِ الحياةِ عليه،
لكنه لا ينقذُ الحالمَ.
لم أنَمِ البارحةَ فرَحاً بما وَعَدتْني حبالُ الغسيلِ.
وعدتْني بملاقطَ أعلِّقُ بها الرمادَ إلى الحِبال.
واجِهِ الجدارَ.
تصنَّعْ أنه ليس جداراً:
ماذا يعنيك من الآخريْنَ إن حدَّقوا إليك؟
توقيعانِ على ورقةٍ لا يصنعانِ جدارتَها بمكتوبها.
أن تتظاهرَ أنك لا ترى الأبوابَ،
تتظاهرُ الأبوابُ أيضاً أنها لا تراك.
مرغوبٌ أن تتطفَّل على مَحَاضِرِ الجرائمِ مفتوحةً، تتبوَّلُ فيها سطورٌ على سطورٍ.
قواربٌ محتجزةٌ في المضيقِ،
وسُلطاتٌ تدقِّقُ في رحلةِ الراكبيْنَ الزرقاءَ من المناجمِ إلى المناجم.
كثرةُ المصادرِ استغاثةٌ بثقةِ الخوفِ من الخوف.
عصيانٌ خياليٌّ أن نتفق على حربٍ نستعيد بها الكونَ قناعاً أجملَ من أقنعةِ الجليد.
أعيدوني إلى العصرِ الحجريِّ،
مالِكاً دكاناً لبيعِ جهاتٍ حجريةٍ،
وأثاثٍ حجريٍّ،
وحياةٍ من صفافيحِ الحصى.
خروجٌ على السيطرةِ هذا الجمالُ العشوائيُّ.
جَهِّزوا القيَّافينَ:
انقراضُنا طريدةٌ سندركها قبل دخولها متاهةَ الغابة.
لا تسْقِ الجريحَ ماءً؛
اسْقِهِ ما يسمع به جرحُهُ صراخَ كلِّ جرحٍ آخر.
لا سِحرَ. لا ساحرٌ:
عبثٌ رأسماليٌّ بالمصطلحاتِ مجرَّدةً من مالِها.
فلْنذهب في جولةٍ بالزورقِ إلى البحرِ الهيروغليفي.
أرِحْ أعصابَكَ من مشاغلِ الدنيا،
بالتهامِ رعدٍ مخلَّلاً في حمْضِ الملهاة.
أتفضِّلين السيرَ وحدكِ؟
حسناً. سأرافقكِ على الجانب الآخرِ،
الذي أفضِّلُ السيرَ فيه معكِ وحدي.
مخيفٌ هذا الشاحبُ، المتراقصُ الملامح،
يتأملني من نافذة المنزلِ المهجور، المتصدِّع.
كلُّ مَن حولي يعرفون مَن يكون إلاَّيَ:
إنه ليس سوى شبحيْ.
كم مُرهقٌ هذا النظرُ من أحفَّةِ الكلمات العالية إلى مقابرِ المعاني.
في أيِّ مطارٍ أضعتَ حقيبةَ النارِ لم تملكْ سواها،
بما فيها من الثيابِ النارِ، والأحذيةِ النيرانِ، والأوراقِ الملتهبة بسطورِ الجمر؟
في أيِّ مطارٍ أضعتَ البحرَ ـ جوازَ سفرك؟
الذي تسبَّبَ لك بألمٍ لا خلاصَ منه، تراه كلَّ يوم في النظرِ إلى المرآة.
في السماءِ البرِّيَّةِ وحدها مُرخَّصٌ إشعالُ الحرائقِ،
وصيدُ الموتى المُطارديْنَ.
لا تتلكَّأْ:
نريدكَ للجليلِ من خطوبِ النهارِ متمدِّدةً عارياتٍ على سريرِ الليلِ المُغْتَلم.
هذا استخراجُ الزمنِ بِدِلاءٍ من آبارِ الخلودِ الضحلة.
أرضٌ محايدةٌ.
حروبٌ محايدةٌ.
ميثاقُ المنتصرِ برايته تحت سُرادقِ الموتِ المحايد.
أُحرقَ صلصالُ الجِرارِ طويلاً،
لتكونَ لائقةً برمادِ المحروقين.
مُحرِّكاتٌ نفَّاثةٌ،
على قَدْرِ وقودِها من مخزونِ المعضلاتِ،
والحماقاتِ،
والهزائمِ،
والنكاحِ في مراحيضِ الطائرات.
هُم مُنسجمونَ مع المهاراتِ في قضْمِ الكَعكِ،
واستنشاقِ العطْرِ،
والانتهاءِ سريعاً من تبديلِ مساكنهم.
منسجمونَ مع المهاراتِ التي تبعثهم في الأقفاصِ مَرِحيْنَ كقُضاةٍ.
حين تكلِّمُ مقتولاً، لم يزل هاتفُه في جيبهِ، احْذَرْ أن يُسجَّلَ ما تقول.
ألإْضَلُ المطارداتِ فوقَ السطوحِ العاليةِ،
تحتَ الشمسِ،
في نهارٍ صابونيٍّ بفقاقيعَ من االصخر.
لا جريمَ في هذا:
أن تشْتُمَ المرآةَ،
وتشتُمَ البابَ، والنافذةَ، والمائدةَ، وقارورةَ الماءِ، والأحذيةَ، والخزائن؛
أن تشتُمَ الكعكعةَ لم يَذُبْ سُكَّرُها بعدُ في فمِ الحصانِ المَلكيِّ.
لستَ جاهزاً بعدُ.
لم يكتمل تدريبُك.
أنتَ على قُرْبٍ لا يكفي لإثارةِ الفوضى في قوانينِ الجاذبيةِ الجسدية.
مقايضةُ الفراغِ بالخرائطِ شأنٌ تاريخيٌّ في مُتاجَرَاتِ التاريخ.
ماذا ستفعل؟
أمْ لن تفعل شيئاً؟
قسوةٌ أن تُتَّهَمَ بما ستفعلُ، وبما لن تفعل.
ارْفَعْ صوتُ الأغنيةِ صاخبةً،
حتى ارتطامها بالسقفِ التاسعِ من عمارةِ الجنونِ العاليةِ،
أو تُمطرَ فوق سطحها.
الوافدونَ إلى الغربِ لجوءاً من شرْقِ عقولهم،
يستجمعونَ الغربَ في مُعْتَقَلاتٍ دينية.
مَن رسمني على نقيضٍ كُنتُهُ دائماً فموَّهْتُ على رسومه؟
مَن أنزلني إليَّ أخيراً بلا صورةٍ؟
(67) لن أتَّخذَ قراراتٍ من غيرِ استشارةِ الخذلانِ الصديق.
(68) في مكتبة التاريخ، لا في سواها،
يحلو شحْذُ السكاكين.
(69) بحقِّ كلِّ ألمٍ عليكَ،
اتَّخِذْ إجراءات قاسيةً في حقِّ القسوة.
(70) لن يوقفكَ أحدٌ في هربكَ منكَ،
بقدمينِ لا تمتلكهما.
(71) سيءٌ هذا المقعدُ؛
سيءٌ ذاكَ الذي يجاوره.
إبْقَ جالساً على المقعدِ الحديديِّ، الباردِ ـ مقعدِ طفولتك.
(72) تسجيلٌ صوتيٌّ،
موثوقٌ نبْرَةً بعدَ نبرَةٍ،
للمحاورةِ الصامتةِ بين الإنسانِ وأقدارهِ المُخْتَرَقة.
(73) سأُخرجكم من هذا المأزق:
انتظروني بمكانسكم على الحافةِ لتنظيفِ الهاويةِ من غرورها.
(74) حرِّرْ صاعقَ القنبلةِ اليدويةِ بأسنانك:
هذا حُكْمُ الإعدامِ على الأرَقِ بتفجيره.
(75) سأريكِ ساعتي الذهبيةَ،
ومحفظتي المنتفخةَ لا أدري ما فيها من غرائبِ نبضِ القلوب.
سأريكِ هوايَ نابتاً أضلاعاً مُضاعَفَةً في قفصِ صدري.
(76) الرياضياتُ سجنُ الأرقامِ في مخاوفِ اللانهائيِّ.
الجنونُ اتِّزانٌ حُرِمَ منه العاقلُ؛
بلْ ضبطُ نفْسٍ عن أخطاءِ المنطقِ الواقعية.
(77) لم يُحْضِرْ رجالُ الإطفاءِ خراطيمَ المياه:
أحْضَروا سَفافيدَ اللحمِ مُتَبَّلاً للشواء.
(78) سننجحُ. هذا مضمونٌ:
أسمعُ الجنَّ يحدِّثونني بألسنةِ أسلافكم.
(79) طوارئُ. إسعافٌ.
ممرِّضاتٌ بأسياخِ اللحومِ في الأيدي،
للشواءِ على مناقلِ جمرِ الفحمِ الروحانيِّ.
(80) نعرفُ مذاقَ الأصواتِ سَمعاً بالآذانِ.
(81) تنطقيْنَ اسمَكِ في المرآة كما لا تنطقينَه خارجها.
(82) حين يحدِّقُ بَشَرٌ كثيرون في اتجاهك، على فضولٍ كالسيلِ، تضمحلُّ الجهاتُ التي هُم فيها، ويضمحلُّون.
جهتُكَ هي الصامدة.
(83) مُسيَّراتٌ أنَّى وجَّهتُها اتجهتْ قصفاً عليَّ.