حاورها: ميران أحمد
«كثيراً ما نتحدّث عن
الحروب القاسية، التي تسلب منّا مَن نحبّهم، بيوتنا وماضينا... والمستقبل. نتحدّث
عن الفوضى والرعب والتضحية والأماكن المدمّرة، التي خلّفتها الحرب. ولكن ماذا عن
الحروب التي تخاض بلا أسلحة ودماء وجنود، والتي لا تخلّف وراءها بيوتاً مدمّرة، بل
تدمّر الكثير من الأشياء؟ حروب لا تظهر في وسائل الإعلام، ولا تشتعل إلا في أعماق
الروح. حروب تسرق حياتك ببطء بخفائها. وراء كلّ نجاح صغير في حياة اللاجئين تكمن
صراعات صعبة وغير مرئية، لا يمكن لأحد سواهم رؤيتها. وإذا لم يتحدّث عنها ستبقى
حروباً غير مرئية».
للحديث أكثر عن ما كُتب عن الكاتبة والصحافية آلجين حسن، وتجربتها في اللجوء والكتابة وكسر المخاوف والصعاب كان لموقع «سبا» معها هذا الحوار:
·
كيف تعرّفين
نفسك للقرّاء؟
آلجين حسن، صحفية كردية من
مدينة كوباني، وطالبة جامعية، مقيمة في النمسا، وهي حالياً على وشك إنهاء رسالة
الماجستير في الدراسات الشرق الأوسطية في جامعة فيينا. عام 2016، لجأت آلجين إلى
النمسا مع عائلتها، وتعلّمت اللغة الألمانية فيها, ثم درست الإعلام في جامعة
سالزبورغ وتخرجت عام 2021.
بالإضافة إلى دراستها في
مجال الصحافة, فهي تنشر مقالاتها الصحفية في العديد من المجلات، وكتاباتها تتمحور
حول الوطن والهوية والاندماج, الأدوار الجندرية والمساواة. وفي أيلول من هذا العام
نشرت كتابها الأول باللغة الألمانية تحت عنوان «حروب غير مرئية».
·
عن ماذا يحكي «حروب
غير مرئية»؟
يتناول الكتاب عبر مجموعة
قصص قصيرة الصراعات الداخلية بعد الحرب وأزمات الهوية والوطن, وصعوبة تحقيق الأحلام،
التي تدمرها الحروب فينا. وأيضاً تتناول آلجين في كتابها موضوعاً مهماً, ألا وهو
الصعوبات والتحديات التي تواجهها الفتاة بشكل خاص فيما يتعلق بتحقيق الأحلام
كلاجئة وامرأة كردية من مجتمع شرقي, هذه الصعوبات لا تتمحور فقط حول صعوبة اللغة
والاندماج, وإنما صراع العادات والتقاليد وتأثيرها على الفتاة الحالمة.
تقدم آلجين حالياً كتابها «حروب
غير مرئية»، وتقوم بقراءات أدبية في جميع أنحاء النمسا وأيضاً في ألمانيا.
·
حدّثينا عن
مسيرتك في الكتابة واللغة، متى بدأتِ الكتابة؟
لقد بدأت علاقتها مع
الكتابة بعمر مبكّر جداً؛ نظراً لأنها بدأت دراسة المرحلة الابتدائية بعمر الرابعة
والنصف فقط، وبعمر السادسة التحقت بالصف الثاني، وبذلك كانت تتخطّى التلاميذ في
عمرها بفارق سنة واحدة، وتعلّمت وأتقنت الكتابة بعمر مبكّر جداً.
·
هل هناك مَن كان
يدعمك في مسيرتك الأدبية؟
لم أحصل على شخص يرافق
مشوار الكتابة لدي, كنت أبحث دائماً عن مرشد يتبنّى موهبتي ويوجّهني، ولكني لم أحظَ
به, لذلك كانتِ القراءة موجهّي الأول، وكان لدي أستاذ لمادة اللغة العربية يشجّعني
على القراءة وتوسيع أفقي كثيراً، ووعدني بأن يعلّمني تطوير مهارة الكتابة الإبداعية
لدي، لكن الحرب حالت دون تحقيق هذا الحلم. كنت أقرأ منذ صغري روايات لكتّاب
عالميين, مثل باولو كويلو, غيوم ميسو ونيكولو أمانيتي, وكنت أستلهم منهم، فأزوّد
نفسي بكل المعلومات التي تخصّ الكتابة الإبداعية من منصّات عالمية، خاصة في مجال الأدب
والكتابة، فحتى ولو لم يكن لدي مرشد يوجّهني, كنت بفضل هذه المنصّات أتدرّب على
الكتابة، من خلال تمارينها وتقنياتها. ولكن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك من يشجّعني,
فعائلتي كانوا أول مَن لاحظوا هذه الموهبة، ودعموني معنوياً، ولم يتردّدوا في إظهار
فخرهم بي.
·
وما موقفك من
النقد في المشهد الثقافي؟ وهل تتقبّلينه؟
نعم! أقبل النقد بصدر رحب,
وأطلبه دائماً, فانا أصف نفسي كإنسانة تعيش على النقد البنّاء, آراء أشخاص أعرفهمـ
وأشخاص آخرين محترفين في مجالهم، يشجّعونني ويوجّهونني إلى الطريقة المثلى لتطوير أدائي,
كما أن لدي صديقات نمساويات, أتحدث إليهم وأتناقش معهم حول كتاباتي, وأطلب رأيهم
في كل المقالات والنصوص التي أكتبها.
صراحة ولكوني لست ناطقة باللغة الألمانية كلغتي الأم فهذا كان يزرع في داخلي التردّد الدائم والخوف من نشر كتاب باللغة الألمانية، يكون موجّهاً للقرّاء الألمان ومعرّضاً للنقد من قبل أدباء ألمانيين, وهذا كان الرادع الوحيد الذي جعلني أتجنّب كتابة ونشر الكتاب. ولكن تدفّق الأحداث والحاجة للبوح عمّا أتعرّض له من صعوبات وضغوطات من المجتمع النمساوي، وحالة الرفض الدائم جعلوني أتغلب على خوفي وإقدامي على هذه الخطوة, والآن أنا منبهرة تماماً بردود فعل القرّاء الإيجابية؛ فخلال كل قراءة أدبية, أشاهد الجمهور المستمع وهو يمسح دموعه إثر حديثي عن قصة مؤلمة عشتها أو شاهدتها، وهو يبتسم ببهجة معي, فرؤيتي لتأثر الحضور بكتابي يعطيني الثقة الكافية لأثابر.
أما بالنسبة للجمهور
العربي أو الكردي, فهم لا يتردّدون بإبداء آرائهم وإعجابهم بقولهم أنني من خلال
كتابي هذا عبّرت عن أوجاع الكثير من اللاجئين، الذين يعانون من نفس الضغوطات، ولكن
لا يستطيعون البوح, لذلك أرى أن الكتابة ليست فقط كمشروع، وإنما رسالة أوجهها للمجتمع
المستضيف لنا, وأيضاً أداة لتخطّي الصور النمطية عن اللاجئين، وفتح أبواب لرؤية
اللاجئ بصورة أكثر إنسانية؛ فالأدب يستطيع بناء جسور قوية بين الشعوب، ويفتح الآفاق
لاكتشاف ثقافات أخرى وأناس آخرين يعيشون بينهم، ولكن غير مرئيين، بسبب خوف الأوربيين
الدائم من الانخراط، لذلك أحرص دائماً أن تكون قراءاتي ليست فقط كأمسية أدبية، وإنما
أمسية للتعرّف على الآخرين، وليغوصوا ويتعرّفوا ويتفهّموا هويتنا الكردية أكثر فأكثر.