recent
جديدنا

مهرجان كوباني السينمائي: لا علاقة لنا بالسياسة!

الصفحة الرئيسية

 


آميتس كراد

 

 

هناك الكثير من الأصوات، التي خرجت في مهرجان كوباني السينمائي الدولي، بدورته الخامسة التي استضافتها ألمانيا، ونادت داعية: «لا علاقة لنا بالسياسة!»، دون أن يدركوا أن السياسة تقتحم كل مفاصل الحياة.

لا بأس. لكن يحق لنا أيضاً أن نسأل تلك الأصوات: ماذا عن القضايا الإنسانية، التي تمسّ وجودية الإنسان؟ وأين الإنسان منها؟

 

إن إقامة مهرجان دولي يحمل اسم كوباني العظيمة، رمز القوة والانتصار على قوى الشر، واحتضان الجميع فيه بروح منفتحة بعيداً عن العنصرية والتمييز هو أمر إيجابي نفتخر به. ولكن، عندما يُسمى أي مشروع فني أو ثقافي أو مدني أو اجتماعي، باسم مدينة تحمل هوية ودلالات سياسية وثقافية معينة، وتعكس قضية شعب بأكمله، فإن ذلك يحمّل المنظّمين والكوادر المتخصصة مسؤولية أمام الشعب الذي يمثله هذا الاسم في تمثيلهم أمام العالم في أبهى صورة.

 

نعم، «اسم كوباني ليس ماركة مسجلة»، كما عبّر أحدهم، لكن  تجاوز القضايا الإنسانية والسياسية المرتبطة بهذه المنطقة وبأبنائها الذين قدموا للعالم أعظم ملحمة في العصر الحديث، قد يكون بمثابة إهانة لهذا الشعب وطعنة في الذاكرة الكردية الحية والتاريخية. لذلك، من الضروري أن يكون المهرجان منتبهاً، أن اختيار اسم كوباني يعني انعكاس وتمثيل لكل القيم الإنسانية والأخلاقية، التي يتمسك بها أهالي كوباني. لذا، فإن اختيار المشاركين الذين يتماشون مع هذه القيم، هو أمر لا بد من مراعاته، ومن الطبيعي أن يغضب الشارع الكردي من تجاهل هذا الأمر، خاصة أنه تمّ دعوة أشخاص كانت قد تلطخت أيديهم بدماء وآلام الشعب الكردي، والذين لم يتقبلوا يوماً الوجود الكردي، لا اجتماعياً ولا سياسياً ولا حتى إنسانياً، وكان تعاملهم مع الكرد مليئاً بالتهميش والإقصاء والنكران، مليئاً بالعنصرية والتآمر، مع تصريحات واضحة وعلنية منهم، توضح موقفهم السياسي واللا إنساني تجاه الكرد وقضيتهم العادلة.

 

«لا علاقة لنا بالسياسة»:

 إن اختزال القضية الكردية، وكل أشكال الاضطهاد، الذي يتعرض له الكرد على أنها مجرد قضية سياسية، ما هو إلا تقليل من حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها هذا الشعب، وإجحاف بحق معاناتهم وآلامهم المستمرة حتى يومنا هذا. أما الاعتقاد بأن الفن لا علاقة له بالسياسة، فهو يعكس فهماً ضحلاً للدور الحقيقي للفن؛ فالفن، بكل أشكاله، ليس مجرد وسيلة للربح أو الاستعراض فقط، بل هو أداة ووسيلة قوية للتعبير عن القضايا الإنسانية والأفكار النبيلة، أو سلاح لمحاربة الحقيقة وزرع الإيديولوجيات وتشويه الواقع وتزييف التاريخ.

 

ولو عدنا إلى تاريخ الفلسفة الإغريقية، سنقرأ عن أرسطو، الذي ورغم أنه لم يكن فناناً، إلا أنه كان يعتبر الفن أداة إيجابية، ويمكن استعمالها في التطهير العاطفي أو «الكاثاريس»، لتفريغ المشاعر السلبية وزرع مشاعر نبيلة عوضاً عنها، فالفن عنده ليس مجرد نسخة، بل هو تحقيق فكرة حقيقية في شكل مادي، ومثالية تحاول معالجة ما هو عالمي في تمثيل فردي.

 

نجد ونقرأ في التاريخ الحديث، أن دولاً عظمى استخدمت الفنون، وخاصة السينما، كسلاح لغسل أدمغة الناس، أو لتأجيج مشاعرهم القومية، أو لفضح وتحريض الشعوب ضد بعضها البعض. فهوليوود أنشأت ما يسمى بالقائمة السوداء في الخمسينيات من القرن الماضي، لاستبعاد كل من يخالف إيديولوجيتها الليبرالية من حضور مهرجان هوليوود. أما المثال الأقرب فهو ما فعلته، وما زالت تفعله، السينما والدراما السورية عبر تاريخها ومعاهدها وأكاديمياتها؛ حيث تهمّش الوجود الكردي ودوره الرئيسي في بناء فسيفساء المجتمع السوري، وتاريخ المنطقة، والثورات، والاستقلال، وتقدّم صورة نمطية للعالم، وكأن الشعب الكردي غير موجود.

 

فعلى الصعيد الدرامي، يتم تجاهل الوجود الكردي ومعاناتهم وثقافتهم الخاصة، ومن الطرفين، المؤيد منهم والمعارض، وأقرب مثال حيّ وواضح على تلك الثقافة ثقافة الإلغاء والإقصاء، هو مسلسل «ابتسم أيها الجنرال»، الذي كان ممولاً من قبل المعارضة السورية أو أجنداتها، حيث تم تهميش وإقصاء الوجود الكردي تماماً كما كان يفعله النظام السوري. وفي أحدث المسلسلات السورية لعام 2024م مسلسل «تاج»، الذي تناول حقبة تاريخية، كان للكرد فيها دوراً ثقافياً وسياسياً بارزاً، وقد تم فيه تهميش الوجود الكردي في العمل، بشكل كامل.

 

لقد انفعل الجمهور الكردي والأوساط الاجتماعية والثقافية من القائمين على مهرجان كوباني السينمائي الدولي، خاصة ضد بعض من ضيوفه، ممن دعموا ورفضوا الشعب الكردي وأيدوا قتله وتنكيله، حيث أغضب هذا التصرف الناس، وغضبهم هذا مطلب إنساني لا بد من احتوائه وتقديره واحترامه، وهو ليس «نباح كلاب»، كما وصفه أحد المثقّفين، بل هو صرخة وجع لشعب سئم الاضطهاد والنفي والقمع، ومع ذلك، يتمنى الجمهور الكردي والسوري أن يكون المهرجان في عامه القادم أكثر إشراقاً وأثر فعلاً وتفاعلاً، بحضور مَن يحترم الفن الحقيقي بكل قيمه الإنسانية النبيلة، ويدعو إلى السلام والتآخي بين شعوب المنطقة، وهو ما يعني أيضاً احترام حقوق الشعب الكردي، وأن يمثل اسم كوباني في أبهى صورة.

google-playkhamsatmostaqltradent