سربند حبيب
في الحلم يراوده حلم آخر, يرى شخصاً ما في المرآة, يتساءل:
-
مَن أنتَ؟ ماذا تفعل هنا؟
فيردّ:
-
أنا أنتَ.
يقول:
- كيف أنت أنا؟
-
أنا روحك وجسدك!
هنا يبقى الحلم على فراغه، يغمض عينيه شطراً من الزمن, تتدافع في ذهنه
الأيام, تعاوده الذاكرة، فيسمع جعجعة أمّه, وهي توبخه وتلومه على أفعاله، يمضي في
رؤاه إلى شارع آخر, موقف آخر، شاهد آخر...
يخطط مع نصفه الثاني ذات ليلة في قرع أبواب الجيران والهروب, أثناء
ذلك يسقط ويرتطم بالأرض، ينادي صاحب البيت:
-
يا بن الكلب.
فينشطر انشطاره الثالث. يركض، يرتعد، يزحف نحو البيت، يركن في زاوية
من بَهْوِه, يتذكّر ويقول في قراره «مَن أنا؟! أيعقل أن أكون ابن الكلب؟ هويتي
جرو...؟!».
تنبت شعيرات تحت أنفه وفوق نصفه السفلي. يسهر، يحلم، يتمرّد، يعشق،
يشتهي الأنثى، يراسلها فترفضه، تتجهم بوجهه، فيرتدّ خائباً، يشنّ حرباً على
الأنثى، ويتذكّر سؤاله «مَن أنا؟ مَن أكون؟»، فيجيب «أيعقل أن أكون المرفوض،
المنبوذ، لا بدّ أن أصارع, أقارع، أن أكذب؛ لأقنع الآخرين بأني صادق؟ أيمكن أن
أعبّر من ذلك الغروب إلى شروق ذاتي؟».
ينتفض في صمت, ينكمش، «آآآه, مَن يقرؤني؟ مَن يسمعني؟ مَن يحدّد
تاريخي، جغرافيتي؟ مَن يدلّني إليك؟ لكن لا أحد يردّ، ما من أحد, هل في الأصل من
أحد؟ الزمن, يسكنك، يرتديك, يأكل معك, ينتعلك أحياناً، دائماً, هو توأمك الذي لا
يشبهك, يعلّمك، لكنه يميتك, هل من موت فعلاً؟ أيمكن أن أكون أنا الزمان أو أن يكون
الزمان هويتي؟».
ذاكرته تتشتّت في اللامكان, تتبعثر أكثر فأكثر، فيحمل ما تبقى من
بعضه، يقرأ نفسه في أفكار الآخرين، «هيا تذكّر من أين تبدأ، من بداية كانت نهاية
غيرك أم من نهاية كانت بداية ذاتي»، يصمت قليلاً ويتساءل «إذاً مَن أكون؟ وما
هويتي؟»، فيجيب على الفور «لا أدري»، يقول «أنا هذا الذي أمامك».
«إذاً أنت أنا...؟!».