recent
جديدنا

مساهمات جان بابير في الأدب العربي



شفيق. ك[1]

  

الملخص:

جان بابير هو كاتب ومبدع كردي سوري، يعتبر من أبرز الأسماء الأدبية في سوريا والجزيرة العربية في الوقت الحالي. ولد في منطقة كوباني (عين العرب) في سوريا، وله إسهامات بارزة في الأدب العربي والكردي بشكل خاص. يتمتع بابير باهتمامات متعددة تشمل الأدب والفنون والشعر والإعلام، وله مؤلفات متنوعة تضم الروايات والقصص والشعر.

يعتبر جان بابير أول كاتب روائي من منطقة كوباني، السوري، وقد أضاف بكتاباته بُعدا ثقافيا وأدبيا غنيا للمشهد الأدب العربي والكردي. يعكس في أعماله الواقع الثقافي والاجتماعي لمجتمعه المحلي، وهو يعمل على إبراز التحديات التي يواجهها الكرديين في سوريا والمنطقة بشكل عام. وبالإضافة إلى ذلك، يعرف بابير بقدرته على معالجة القضايا الإنسانية والشخصية بعمق وحساسية، مما جعل له قاعدة جماهيرية واسعة بين القراء من مختلف الخلفيات.

يتميز بابير بقدرته على ترجمة كل ما حوله إلى أدب عميق يتجذر في وجدان القارئ، حيث يلامس شغاف الأرواح والقلوب. وقد أولى اهتماما خاصا بالفولكلور[2] الكردي، وهو ما يظهر جليا في أعماله الأدبية.

وفي هذه المقالة سنبحث عن نبذة حياته ومساهماته في الأدب العربي.

 

المقدمة:

تاريخ سوريا يمتد لآلاف السنين، وقد شهد كثير من الأحداث المهمة في تاريخ الإسلام، بما في ذلك ارتباطه بتاريخ الأنبياء. أصبحت سوريا، وخصوصا دمشق، عاصمة في عهد الخلافة الأموية، وأيضا مركزا مهما للأدبفي العصر العباسي. برز العديد من الأدباء والشعراء من بلاد الشام، وكان لهم تأثيرات كبيرةفي تشكيل الأدب الإسلامي، مثل أبي تمام، وأبي العلاء المعري، والبحتري، وأبي العتاهية، وغيرهم.

شهد أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تحولات كبيرة أدت إلى ظهور أجناس أدبية جديدة، وذلك بفضل عوامل مثل انتشار الطباعة والصحافة، التي ساعدت في نشر الأعمال الأدبية والنقدية. أسهمت الدوريات المتخصصة مثل "الأديب" و"الثقافة" في توضيح مفاهيم الأدب وإبراز أعلامه. كما ساهم انتشار التعليم والترجمة في تعزيز الأدب وتطويره. حركة النضال ضد الاستعمار والأحزاب السياسية أثرت أيضا في الأدب من خلال تشجيع الأدباء. برز في هذه الفترة العديد من الأدباء والشعراء مثل فخري البارودي، نزار قباني، وسليمان العيسى وغيرهم.

ولد جان بابير في سوريا، في مدينة كوباني، عام 1970م، وهو من أصول كردية. منذ طفولته، كان لديه شغف خاص بالأدب، حيث بدأ بكتابة الشعر باللغة الكردية. ثم انتقل إلى كتابة باللغة العربية، وأصدر مجموعته الشعرية بعنوان "الشطحات في الجحيم" عام 1998م. ثم تحول إلى كتابة الرواية، وكانت روايته الأولى بعنوان "الأوتاد" وغيرها من الأعمال. وله عشرات من الرواية العربية ومجموعات الشعرية في اللغتين الكردية والعربية.

وهو الذي قد كتب عشرات من المقالات والدراسات النقدية والأدبية في صحف ومجلات مختلفة، وقد قدم مقدمة أكثر لعشرة كتب أدبية وفكرية.

عمل أيضاً في مجالات فنية متعددة في دمشق، بما في ذلك إخراج الأفلام والإعلام. وله العديد من المقالات التي نشرت في الصحف والمجلات، مما يعكس إسهاماته المتنوعة في المشهد الثقافي.

تتناول كتاباته مجموعة من الموضوعات الإنسانية والاجتماعية والثقافية، وقد تطرق إلى قضايا متنوعة لم يتناولها الكتاب الآخرون، خصوصا تلك المتعلقة بالمخنثين والتحديات التي تواجههم في المجتمع. يعد هذا الاهتمام بمواضيع حساسة ومهمة دلالة على رؤيته الأدبية التي تسعى إلى تقديم صوت متنوع يعكس الواقع الاجتماعي.

كانت روايات جان بابير بمثابة جسر بين العالمين العربي والأجنبي. بدأ مسيرته الأدبية كشاعر، حيث صدرت مجموعته الشعرية باللغتين الكردية والعربية، ثم انتقل إلى كتابة الرواية. يتمتع بمهارة عالية في كلا اللغتين، الكردية والعربية.

 

نبذة عن حياة جان بابير:

جان بابير هو كاتب وشاعر وروائي ومترجم ومخرج سينمائي كردي، ويعرف أيضا باسم "جان شيخ حسن بابير". ولد في سوريا، في قرية بوزيك التابعة لمدينة كوباني، عام 1970م، وهو من أصول كردية. يعتبر اسم كوباني اسماً كردياً، ويترجم في اللغة العربية إلى "عين العرب". تقع هذه المدينة في غرب كردستان، وهي تابعة لمحافظة حلب. قبل الحرب الأهلية السورية، كان عدد سكان مدينة كوباني تقريبا 4500 نسمة، وأغلبهم من الكرد. هاجرمعظمهم إلىبلدان أخرى بسببها.

مدينة كوباني تعد رمزا للتضحية والإصرار والإرادة، وقد اختزلت في ذاتها وطنا بأكمله. منذ العصور القديمة، عرفت المدينة بتاريخها الغني وثقافتها المتنوعة، وأصبحت مثالا للبطولة والصمود أمام التحديات. وقد شهدت المدينة محطات تاريخية متعددة، مما جعلها مركزا هاما للثقافة الكردية.

جان بابير هو أحد أبناء هذه المدينة الذيأسهم بشكل كبير في شهرتها الحالية. استطاع بابير أن يعكس من خلال أعماله الأدبية التحديات والآمال التي يعيشها شعبه. وهو من الكرديين الذين استمدوا صلابتهم وقوتهم من تلك الأرض الغنية بالتراث والمقاومة. لقد لعب دورا مهما في تسليط الضوء على قضايا مجتمعهم، مما ساهم في تعزيز الوعي بأهمية كوباني كرمز للنضال.

بدأت حياته كما كل أطفال الكرديين بين الفقر والعوز والحرب. كانت الحكايات التي ترويها النساء، وخاصة أمه، تجذبه كثيرا، فبدأ يتشكل لديه حب الحكايات والشعر، لذا له شغف كبير للقصص والأشعار القروية. فبدأ كتابة الشعر والقصص في اللغة الكردية،ثم تغير كتابته إلى اللغة العربية، 

يقول جان بابير عن شعره: "كانت بدايتي مع الشعر، أنا أكتب الرواية الشعرية. حتى عندما أقوم بإخراج فيلم سينمائي أغلب حواراتي شعرية"[3].

عاش طفولته متنقلا بين مدينة "كوباني" وانتقل لاحقا للعيش في دمشق. ولديه اهتمامات متعددة في الأدب،والشعر، والفنون، والإعلام. حيث عمل في مجلات فنية متعددة في دمشق ومنها إخراج الأفلام والإعلام.

تخصص في الفولكلور[4] الكردي، مما انعكس في أعماله الأدبية التي تتناول مواضيع إنسانية واجتماعية وثقافية. كما تناولت موضوعات متنوعة لم يطرقها كتاب آخرون، مثل التحول الجنسي والتحديات التي يواجهها في المجتمع.

جان بابير ليس مجرد كاتب ، بل هو صوت بلاده وشعبه ومعبر عن أفكاره وصراعاته. دخل إلى عالم الأدب من بابه الواسع، وكتب الشعر في اللغة الكردية واللغة العربية، وآلف الروايات، مستلهما من آلام شعبه وتجاربهم في المقاومة. وبهذه الأعمال والمساهمات، أصبح جان بابير رمزاً للأدب والمقاومة الكردية، حيث يعبر من خلال كلماته عن إرادة شعبه وتطلعاته.

جان بابير يجسد في أعماله آلام وآراء شعبه ورفع صوته من أجل حرية قومه. هو أيضا متعدد المواهب، ويكتب في مجالات أدبية جديدة مختلفة. انضم اسمه في موسوعة الشعر العربي الحديث في سوريا سنة 2005م. وقد تم تكريمه مؤخرا من قبل فرع دهوك لأتحاد أدباء كردستان. 

عمل في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، فكان مخرجاً سينمائياً وتلفزيونياً، وعمل أيضاً كمراسل ومذيعاً للأخبار في القنوات الكردية، وحاليا هو يدير جريدة سبا وردايو سبا، وأيضا كان رئيس لجمعية ثقافية اسمها "جمعية سبا الثقافية"[5].

وهو يقول عن هذه الجمعية في مقابلة - "في البدء كانت فكرة صغيرة، فاجتمعت مع بعض الأصدقاء المهتمين بالأدب، أن نلتقي في نهاية كل أسبوع- في صالون أدبي- وطرحت الفكرة فلاقت إعجابا، وأما عن دورها فهذه الجمعية لديها أحلام كبيرة،أن توزع في نهاية كل عام جوائز باسم الجمعية للمبدعين والمبدعات والنشر، وإقامة مهرجانات أدبية وفنية، وإصدار جريدة"[6].


 

نبذة عن حياته الأدبية:

يمتلك جان بابير اهتمامات متنوعة في الأدب والشعر والفنون والإعلام، وله مؤلفات عديدة باللغتين الكردية والعربية، وقد تشمل الشعر والقصص والروايات.

بدأ حياته الأدبية كشاعر، ثم انتقل إلى كتابة الرواية، وهو كان أول كاتب روائي من منطقة كوباني. صدرت له سبعة دواوين شعرية باللغتين الكردية والعربية، بالإضافة إلى تأليفه ست روايات باللغة العربية حتى الآن.

وله أفلام وثائقية ومنها: لالش، جيكرخوين لم يرحل، حارس التراث جليل جليلي، فيلم صامت بعنوان الخطوة، وأيضا له أفلام روائية ومنها: نفرستان، الرمان المحظوظ، الأغنية المتكسرة، وأيضا له فيلمان قصيران، الأول بعنوان (الحلم)، والآخر (الزمن).

 

·       مؤلفاته في مجال الشعر:

بدأ حياته الأدبية كشاعر، ويمتلك مهارات عظيمة في الشعر باللغتين العربية والكردية. وقد صدرت له دواوين شعرية باللغتين الكردية والعربية.

صدر ديوانه الشعرية أولا في سنة 1998م في اللغة الكردية باسم "GEWIRIYA HELBESTE ZA"، وصدر ديوانه الشعرية في اللغة العربية أولا باسم “شطحات في الجحيم" سنة 2001م من دمشق، ثم صدر "قرارات الخطيئة" التي ألف اشتراك مع صلاح الدين مسلم سنة 2003م. وبعدها "طفل يلعب في حديقة الآخرين" سنة 2012م. وصدر بعدها "عقد قران في القصيدة" اشتراك مع الشاعرة الأمازيغية خديجة بلوش من تونس سنة 2013م. وقدم أيضا ديوان الشعرية باسم "متن الغجر، اشترك معه "تارا إيبو".


ديوان “طفل يلعب في حديقة الآخرين":

يعد هذا الديوان من أشهر ديوانه الشعرية التي صدر في سنة 2012م. اللغة التي استخدم الكاتب لغة الألم والحزن، وأفكاره منها عميقة التي تلمس قلوب قرائنا، حيث يميل الشاعر إلى تغليف أفكاره بالألم والحزن. ونرى أن الأفكار لا تكون صادقة إلا إذا كانت مغموسة في الألم العميق.

وقد يقول الشاعر في شعره هكذا:

"لم أقصد أنك فقط امرأة

أقصد يدينا

في خصام التعرق

من خلف باب المطبخ"[7]

إن تجسيد الأشياء التي قد تبدو عادية في حياتنا اليومية، يصبح فنيا في عالم الشعر، حيث تحمل هذه الأشياء روح الحياة المرهفة. هنا، يكمن هدف الفن في تحقيق الرهافة من خلال تناول المألوف وتحويل اللامرئي إلى احتفال تقيمه الحواس الواعية المتصلة بالفن والإحساس العميق برابط وثيق. كما نجد في الشعر عنصر المفاجأة، والبحث عما هو غير بسيط، ليحفز اللاشعور وينتفض، محولا لإدراك إلى حالة من الغرابة والذهول.

يستخدم جان بابير في هذا الشعر العديد من الانجازات اللغوية، ويعتمد على صور رمزية تعبر عن معاناة الذات والعشق الإبداعي للآخرين والعالم. كما يرتبط بالحلم، خاصة بعوالم الطفولة وتأمل ملامح الآخرين وأشيائهم. تتسم كتاباته بتداخل الأفكار والعبارات التي تحمل معاني خفية وألفاظا غامضة مليئة بالبلاغة. وما يميز لغته هو استخدامه للسرد، خاصة في الحوارات القصيرة هنا:

"ما الذي يميزني

هكذا أحب يديك

لماذا تعاملني بإشارات متلاحقة

لأنك موجودة وحسب"[8]

الكلام طويل والبوح عميق وما أوردته هنا في هذه النظرة السريعة، هي رؤية انطباعية آنية، وبقعة ضوء على مفازات وعوالم جان بابير المحلق في عباب الحياة.

·       مؤلفاته في مجال الرواية:

جان بابير، بدأ حياته الأدبية كشاعر، ثم انتقلت إلى كتابة الرواية، وهو قد يقول في مقابلته عن هذا: "انتقلت من الشعر الى الرواية بعد ثلاث مجاميع شعرية واغلبها مطوﻻت شعرية والسبب يعود الى انني وجدت نفسي في كتابة الرواية أكثر، والآن الكتابة الروائية أوسع واشمل ونستطيع استخدام المثل والمورث والشعر فيها ولكنني لغاية اليوم لا اعتبر نفسي روائياً بل احاول ان اكون راوي جيد اعكس معاناة مجتمعي من خلال السرد والتدوين، وكانت روايتي الأولى بعنوان الاوتادوتحدثت فيها عن حقبة الثمانينات لغاية عام 2000م وما مر به المجتمع الكردي من ظروف سياسية واجتماعية"[9].

وصدر ت ست روايات عربية حتى الآن، ومنها:

·    رواية "الأوتاد"- 2000م- دمشق (طبع ثانيا في سنة 2018م من دار مقام للنشر والتوزيع، مصر)

·       رواية "فوضى الفوضى"- 2005م

·       رواية "صرير الأحد غرفة الأربعاء"- 2007م

·       رواية "نبوءة اغتالها التدوين"- 2019م

·       رواية "هيمن تكنسين ظلالك"- 2019م- دار آفا للنشر والتوزيع- مصر

·       رواية "خيط واهن"- 2020م- كوباني- سوريا- دار آفا للنشر والتوزيع، كوباني

وله روايتان في اللغة الكردية أيضا Çarsing، Takî Xav.

وسنبحث عن بعض من رواياته المشورة ومنها:

 


1.     "رواية الأوتاد":

"رواية الأوتاد" هي ملحمة الحب، صدرت أولا في سنة 2000م من دمشق وصدرت ثانيا من دار مقام للنشر والتوزيع، القاهرة سنة 2018م.

ويقول الشاعر أحمد عبد الكريم ونوس في مقدمة الرواية: "الأوتاد عمل أدبي أعرض من الرواية، وأعلى من القصيدة..".

رواية "الأوتاد" هي عمل أدبي مميز يعكس تجارب متعددة ومتعقدة من الحب والثورة والظلم والأمل، ويمثل الوطن من خلال محاورته للقضايا الإنسانية والاجتماعية العميقة. الرواية تبرز كملحمة في عدة أبعاد، حيث تمتزج العناصر الفلسفية والوجدانية، مما يجعلها تأخذ طابعا متشابكا بين مختلف الأبعاد.

رواية "الأوتاد" لجان بابير هي ملحمة أدبية تعكس الواقع الكردي المعاصر، حيث تدمج بين التاريخ الشخصي والجغرافي، وتستعرض معاناة الأفراد والمجتمعات في ظل النزاعات السياسية والعسكرية، فضلاً عن رحلة البحث عن الهوية والحب في ظروف قاسية. تبدأ الأحداث من محطة قطار كوباني، التي تشكل بداية الرحلة الرمزية في الرواية، وتنطلق إلى مناطق جبلية بين جنوب وشمال كردستان، حيث تدور معركة مفتوحة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي.

تنقسم الرواية إلى أربعة فصول رئيسية:

·       الفصل الأول: تنهيدة التراب 

وفيه يبدأ الكاتب هذه الرواية بسرد أحداث قصته من الطفولة وحتى نضوجه في فعاليات الحياة المتنوعة.

·       الفصل الثاني: أرجوحة النار 

يوضح الكاتب علاقة حب سريالية وتراجيدية[10] بين شخصية "هتاو" وحبيبته "ميديا"، التي تفارق الحياة برصاصة تقتلها، فتأخذ روحها.

·       الفصل الثالث: ترانيم الهواء

يسرد الكاتب قصة الحب الرومانسية بين "شاهو" و"أفين"، حيث يبرز الألم وينتقد الواقع المأساوي بأفكار إبداعية. كما يكشف عن مشكلتين تواجههما الكرد، وهما "الجغرافيا والتاريخ"، بالإضافة إلى "السياسة"، التي تمثل لعنة عالمية أصابت البشر.

·       الفصل الرابع: أثلام الماء

يمزج بين التداعيات النفسية والروحية للحلم واليقظة.

تحتوي هذه الرواية على أكثر من عشرين شخصية، من بينها شخصيتان رئيسيتان هما "شاهو" و"هاتو"، الصديقتان الحميمتان والمقاتلتان العاشقتان، الضائعتان في فوضى أوتاد الحب والتاريخ والجغرافيا وصراع المفاهيم الأيديولوجية والنفسية.

يفتح الكاتب أبواب روايته "الأوتاد" من خلال سرد كثيف ورؤية الراوي الذاتي، مما يبرز التحديات التي تواجه الكتابة.

رواية "الأوتاد" هي ملحمة أدبية تتناول الواقع الكردي المعاصر، حيث تدمج بين التاريخ الشخصي والجغرافي لتستعرض معاناة الأفراد في ظل النزاعات السياسية والعسكرية. تبدأ الرواية من محطة قطار كوباني وتنطلق إلى المناطق الجبلية بين جنوب وشمال كردستان، حيث تدور معركة مفتوحة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. تركز على شخصية "شاهو" الذي يبدأ رحلته من كوباني، متأثرا بتجاربه في القتال، وتنقلنا الرواية عبر أماكن كردية متعددة. تعكس الرواية معاناة الشخصيات في مواجهة الحرب، الحب، الاعتقال، والصراعات الحزبية.

2.     رواية "فوضى الفوضى":

"فوضى الفوضى" هي الرواية الثانية لجان بابير، صدرت عام 2005. تتكون الرواية من اثني عشر فصلا وتحتوي على 629 صفحة.

وعندما دخلت هذه الرواية، شخصية "كورستان" هي شخصية قروية ثورية ومثقفة، معقدة ومليئة بالجدل. يختلف كورستان عن أقرانه من الناحية الجنسية والفكرية والنفسية وحتى الجسدية، مما جعله مكبوتًا بسبب هذه الاختلافات. في روايته، يظهر كورستان كشخصية فوضوية، تحمل أسماء معقدة مثل كورستان، مهتن، نتهم، هتمن، كورو، سليل التراب، وريث الاخضرار. يتبع المذهب والديانة الزرادشتية، إذ يقول جان بابير: "أنا كورستان، مهتن، ابن الأحد ووريت الأخضر والنار، أبو الأربعاء وليل التراب والفلفل الحاد. الحاد كالشفرة، الناعم كالقطن المتمرس كالمجابهة، الساقط الحضيض، إنساني الذروة، وباء المعرفة، الإغرائي الخمرة، الشبق الجوهرة، الناشر العار كالسراويل، المار الظل في الحيز. إلا أنني أتأرجح بين اليقين والشك من وجودي، ولي أصدقاءوصديقات، ومن بينهن كانت نازو، السند والسندان، وأوهايو المطرقة التي تشبعني أملا وألما".[11]


ينتقل الراوي "كورستان" بين حواسه وتقنياته الروائية، متجولًا بين شخصيات مثل "نازو"، الحبيبة التي لا وجود حقيقي لها، لكنها حاضرة في خياله وفوضاه الشاعرية ولوحاته الثورية. ومن بين الشخصيات أيضًا "أوهايو"، الصديقة اليابانية، و"هيفاء"، الجارة. تعتبر هذه الشخصيات الرئيسية في الرواية، إلى جانب شخصيات ثانوية مثل "بوزان" و"منير كشكو"، وهما صديقاه، و"سردار"، الموسيقي وخبير الإلكترونيات، و"نوروز"، شقيقته، و"أم ميشيل"، المرأة المسنة والبخيلة وصاحبة الغرفة. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الشخصيات الأخرى التي أدرجها الكاتب بأساليب غير محكمة وتقنيات ضعيفة.

اللغة التي اختارها الكاتب في هذه الرواية جيدة، حيث تنبض بالعاطفة والخيال. في هذه الزاوية، يطرح الكاتب العديد من الأسئلة، فلكل رواية سؤال رئيسي يمكن الإجابة عليه، وهذا يشكل الحبكة التي تعتبر العمود الفقري للرواية. هنا يمكننا رؤية بعض القضايا والمشكلات، مثل قضية قتل النساء بداعي الشرف، والقومية المهمشة، والتخلف، والإيمان، والاتجار بالخرافات.

صدرت جزء الثانية لهذه الرواية باسم "صرير الأحد غرفة الأربعاء" سنة 2007م، وجزء الثالثة باسم "نبوءة اغتالها التدوين" سنة 2019م.

3.     رواية "هيمن تكنسين ظلالك":

صدرت هذه الرواية في عام 2019 عن دار آفا للنشر والتوزيع في القاهرة. كما يتضح من العنوان، "هيمن" هي بطلة الرواية، وهي ابنة مدينة كوباني. تبدأ الرواية من طفولة "هيمن"، حيث تسلط الضوء على صورتها وأدبها. في كل فصل من فصول الرواية، نكتشف مرحلة جديدة من مراحل تطور شخصية البطلة.


استخدم الكاتب أسلوب المقارنة بين البطلة "هيمن" ومدينة كوباني، بدءا من ولادتها، مرورا بتسميتها، وصولا إلى تطور شخصيتها وانتهاءً بغربتها، سواء الخارجية أو الداخلية. تمر البطلة خلال حياتها بالعديد من الأحداث، ويعرض الكاتب أيضا سياسة المدينة ومشاهدها. يلعب الكاتب دورا مهمًا في وصف التفاصيل بدقة، مصورا كل مرحلة من مراحل حياة البطلة منذ طفولتها، مع التركيز على جوانبها الجسدية والفكرية والنفسية. وكأنك تعيش كل لحظة مرت بها البطلة ومدينة كوباني، من فرح وألم ومشاكل وعشق وحروب وغربة وصراع وحنين وفراق، وغيرها من المشاعر.

يعتمد الكاتب جان بابير على ذاكرته وخياله في وصف المشاهد وخاصة بعد مغادرته مدينته، معتمدا على الصور التعبيرية في وصف أدق التفاصيل.

رواية "خيط واهن":

صدرت هذه الرواية حديثا في عام 2020 عن دار آفا للنشر والتوزيع في كوباني، سورية. وهي الرواية السادسة لجان بابير، وتعتبر من أشهر رواياته. في هذه الرواية، يستعرض الكاتب "قضية المخنثة" وأثرها في المجتمع.

تتكون هذه الرواية من أربعة وأربعين فصلا، وتدور حول شخصيتين رئيسيتين هما "تاجين" و"بريشان". تبني الرواية حول شخصية "تاجين"، الذي يعرف أيضا بـ "تاج الدين"، وهو شخص يختلف عن الآخرين؛ إذ يحمل في داخله أنثى، لكنه يقلد الرجال في سلوكه اليومي نتيجة سيطرة المجتمع الذكوري. تدور أحداث الرواية خلال فترة إقامة "بريشان" معه في منزل كبير وبحالة اجتماعية ميسورة.


تصنف الرواية ضمن الأدب النفسي والاجتماعي، وتحتوي على إسقاطات سياسية. تركز على الشخصية الرئيسية "تاجين"، الذي يعيش صراعا نفسيا عميقا. يشعر بالقلق والإحباط نتيجة ضمور عضوه، مما يجعله يميل نحو الإناث ويتزوج من فتاة. يستمر هذا الصراع والتناقض لمدة سبع سنوات، حتى تنتهي حياة "تاجين"، مما يؤدي إلى تحول جذري في حياة زوجته.

تبدأ الرواية بشخصية "بريشان"، وهي طالبة الأدب في جامعة مشهورة في سوريا. منذ طفولتها، كانت تحب القصص والروايات والأدب كثيرا، لكن والدها كان ضالا وجاهلا، وكانت تعيش في مدينة كعك. أجبرت على ترك الجامعة في السنة الثالثة من قسم الآداب. في تلك الفترة، بدأت علاقة عشق بينها وبين شاب يدعى "زنار"، لكن موته المفاجئ أثناء خدمته العسكرية دمر حياتها. نتيجة لهذا الحادثة، تزوج والدها من "تاجين"، مما جعل "بريشان" تعيش حالة من الشبه بين الحياة والموت.

كان "تاجين" هو نصف ذكر ونصف أنثى، وصراعه الداخلي النفسي مع ذاته، إذ يشعر بالقلق والإحباط، فهو يميل إلى الإناث، فهذا يقول الكاتب في رواته "أنا الآن تاج الدين، وبعد ساعة سأكون غيره بتصرفاتي وسلوكي، الآن نبرة صوتي المقلد الخشن تختفي، تشبه حالة الفصام، ويحل محلها صوت رفيع حادّ كالشفرة، ربما لامرأة جميلة تسكنني، ولسنوات طويلة بدت تلك الفكرة ساذجة ومضحكة، ألا تكون أنت، إنما شخص آخر داخل ثيابك".[12]

بعد زواجهما، بدأت تظهر مشكلات عديدة في حياتهما. ورغم أن ذلك، استمرت "بريشان" في كتابة الأدب والقراءة. خلال تلك الفترة، قرأت رواية "حب في شارعنا الخلفي" ورواية "ما وراء الشاشة" للكاتب "محمد خان"، مما أثر فيها بعمق.وهو روائي معروف يقيم في ألمانيا. بدأت "بريشان" في التواصل معه من خلال كتابة الرسائل.

يستمر زواجها مع تاجين لمدة سبع سنوات، وخلال هذه الفترة تتعمق علاقتها مع "محمد خان"، فتكتب له فصول عن حياتها بشكل روائي. هكذا تكتب بريشان روايتها بنفسها.

 

الخاتمة:

جان بابير، الشاعر والروائي، يعد من أبرز الكتاب المعاصرين في الساحة الأدبية العربية. ولد عام 1970م في كوباني، سوريا. يتميز بقدرته على ترجمة كل ما حوله إلى أدب عميق يتجذر في وجدان القارئ، حيث يلامس شغاف الأرواح والقلوب. وقد أولى اهتماما خاصا بالفولكلور الكردي، وهو ما يظهر جليا في أعماله الأدبية.

وهو يعالج في كتابته عن القضايا المهمة التي تسلط الضوء على التحولات الاجتماعية والثقافية. تتناول كتاباته مجموعة من الموضوعات الإنسانية والاجتماعية والثقافية، وقد تطرق إلى قضايا متنوعة لم يتناولها الكتاب الآخرون، خصوصا تلك المتعلقة بالمخنثين والتحديات التي تواجههم في المجتمع. يعد هذا الاهتمام بمواضيع حساسة ومهمة دلالة على رؤيته الأدبية التي تسعى إلى تقديم صوت متنوع يعكس الواقع الاجتماعي.

 

المصادر والمراجع:

·       جان بابير، شطحات في الجحيم، دمشق، 1998م

·       جان بابير، خيط واهن، دار آفا للنشر والتوزيع، سوريا، 2020م

·       جان بابير، فوضى الفوضى، دار مقام للنشر، دمشق، ط1، 2005م

·       مقابلة مع رونيدا أحمد، باسنيوز، يوم الجمعة، 11، 2018م

·       مقابلة مع هوزان أمين – في قناة ديار بكر

·    رونيدا أحمد، جان بابير.. جامعاً بين الشعر والرواية والإعلام والرواية، باسنيوز، 2018م، نوفمبر، 24.

·    إدريس سالم، القضايا المخنثة في رواية خيط واهن وتأويلاتها الإشكالية، جريدة سبا، 2021م، فبراير، 02

 



[1]  باحث الدكتوراه، قسم اللغة العربية، جامعة كالكوت.

[2] التراث الشعبي أو الفنون الشعبية، هي مجموعة الفنون القديمة والقصص والحكايات والأساطير والثقافة المادية.

[3] مقابلة مع رونيدا أحمد، باسنيوز، يوم الجمعة، 11، 2018م.

[4] المصدر السابق.

[5] في اللغة الكردية: Komeleya Sibaya

[6] مقابلة مع قنات "الحوارالمتمدن – موبايل":

[7] جان بابير، شطحات في الجحيم، دمشق، 1998م.

[8] جان بابير، شطحات في الجحيم، دمشق، 1998م.

[9] مقابلة مع هوزان أمين في قناة ديار بكر.

[10] المأساة هي شكل من العمل الفني الدرامي يهدف إلى تصوير مأساة قد تكون مبنية على قصة تاريخية.

[11] جان بابير، فوضى فوضى، دار مقام للنشر، دمشق، ط1، 2005م.

[12] جان بابير، خيط واهن، دار آفا للنشر والتوزيع، سوريا، 2020م.

google-playkhamsatmostaqltradent