-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

مُصادفاتُ ضائع "الحلقة الأخيرة"


نزار حَجي مصطفى








... غَمرَتني راحةٌ بعدَ ضيقٍ مَكبوت، بينَما زارَ وجهَه ضحكةٌ هادئةٌ من فمٍ تجمّلَ بتـرهلات الحياة، لأنّه عرفَ أنّه بدأَ يجيبُ عن الأسئلة التي كانت لا تفارقُني، وتلاحقُني بينَ الحوار والآخر، وبينَ كلّ نظرةٍ وأخرى ..الإنسانُ في شبابه أرضٌ خصبةٌ، روحُه نشطةٌ، وذاتُه هشةٌ، يتسارعُ إليه كلُّ مَالكي القضية، ومُحترفي الإقناع، تجولُ في سمائه أفكاراً تأخذُه، ومَخاوفاً تعيدُه، وبينَ الأفكار والمخاوف يقعُ ضائعاً يستنجدُ بالمُنقذ،و بالمُنقذ يتحدّدُ مَصيرَه.

يُدَخّنُ سيجارَته المُبلّلة بالتعرُّحبإصبعين لامسَا كلَّ الأعمال المُكتظة بالشقاء – وهو يتمْتمُ هذه الكلماتِ الخارجة من أعماق أعماقه، مُعبرةً عن تجربةٍ قاسيةٍ، أقسَتْ عليه، وخطتْ له ما آلَ إليه حالَه.
 
صامتٌ أنا مُتنصّتٌ أنا، أنتظرُ المَزيدَ، غابَ عني النعاسُ ما إنْ دخلَ إلى مَسامعي مُفردة "الشباب"، كضائعٍ أنهكَه تعرّجاتِ الحياة، وصدّتْ أمامَه المَنافذُ إلى المُستقبل.

-         لا يُقاسُ الشبابُ في العمر!! فكلُّ مَنْ قلَّ تجاربَه ازدادَ جهلَه، وضعفَ إرادته.
يقولها، وهو يخطفُ بينَ الحينِ والحين أنظاراً إلى الفضاء المُظلم عبرَ نافذته المُطلة على الفلاء الشاسع.

-         لا شيءَ يشاركُ هذا الفضاءَ سوى أصواتُ الحيوانات البرّية المُرعبة والمَمزوجة معاً، تأتي صداها مع نسيم الليل الهادئ من فضاءٍ آخرٍ بعيد.
يتكلّمُ.. وعيناه مُتنقلتان في أجواء الغرفة، لا يلقي نظراتٍ مُباشرة إليّ، لكنّني كنتُ أراقبُه عن قرب، وأراقبُ لعابَه السائل بينَ اللحظة والأخرى من أطراف فمه من شدّة حَماسه وحبّه في الحديث، يحاولُ مُرتشفاً لعابَه لألا يسيلَ، لكن تغلبُه الغزارة، فيُسرعُ إليه بإحدى كفّيه.

ابتساماتي لم تكنْ تفارقُ وجهي، رغبةً مني أنْ أظهرَ له اهتمامي، وأحثُّه على المتابعة.
حديثٌ لأوّل مَرّةٍ أسمعُه، لم يسبقْ لي وأن استمعْتُ إلى عجوزٍ يسردُ لي تجاربَ حياته، حياةٍ تبدو مَليئةً بالتجارب والإخفاقات.

ما إنْ بدأ بالحديث حتى صارَ كآلةٍ تنطقُ من دون أدنى تفكير بمستمعيه، كانَ يداومُ حديثه كما لو أنّه يحاكي نفسَه، يغمرُ وجهَه حزنٌ أليمٌ وهو يعيشُ لحظاته الغابرة التي لم تجلبْ له إلا الندمَ في الحاضر، بَانَ عليه وكأنّه يريدُ أن يسمعَ تجاربَه للآخرين، كي لا يسلكوا مَسْلكَه الفاشل. لكنّه بالرغم من هذه الحالة التي هو فيها، يحاولُ دوماً أنْ يقنعَ نفسَه بمَبادئ يرى أنّها آخر ما يحفظُ له بعضاً من شخصيته المُتبقية بينَ شقاء الفناء.

لوهلةٍ نظرَ إليّ نظرةً قاسيةً، مُحدّقاً في أعماق عينيّ، كما لو أنّه يحاولُ اقتلاعَ كُرتيّ عينيّ، ليتحّكمَ بهما ويظهرَ لي الدروبَ التي أخفقَ قدرَه إلى المُضي فيها.

قالَ والحسرةُ تغمرُ كلَّ كلمةٍ ينطقُها:
-         صديقي:
"لا تنتظرْ أحداً يجلبُ لك وليمةً لتفترسَها، فالنفسُ البشريةُ طمّاعةٌ ،وإنْ جلبَ لك شيئاً فسيكونُ مِن ما فاضَ على مَخزونه، كالعظام التي نرميها للكلاب التي تحيطُ بنا في المَائدة – كنْ الفاعلَ في حياتك، وجالبَ الخير لقدرك – فالقدرُ ليسَ دخيلاً إلهياً بقدر ما هو نتائجٌ لأفعالٍ نقومُ بها".



 النهاية

 

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للقــرّاء:
الكاتب نزار حجي مصطفى، لم يحالفه الحظّ في إكمال الرواية لسببين اثنين:
الأول: الحرب التي شنّها تنظيم داعش على مدينته كوباني عام 2014م.
الثاني: تعرّضه لحادث سير على أحد الاوتسترادات بين الحدود الصربية – الهنغارية، أثناء رحلة اللجوء إلى أوروبا.
تعديل المشاركة Reactions:
مُصادفاتُ ضائع "الحلقة الأخيرة"

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة