recent
جديدنا

(هيا إلى التنوير) زهرة يانعة في حديقة فلسفة التنوير العربي

الصفحة الرئيسية

د. وجدان الناهض - أبوظبي


ما أسعدني وقد أمضيت أياما أحسبها رائعة مع كتاب (هيا إلى التنوير) للفيلسوف العراقي الدكتور رسول محمد رسول، هذا الكتاب، وبطبعته الأنيقة (376 قطع متوسط)، بدا لي من حيث خطابه الفلسفي المنعطف المضيء في الفكر التنويري بالعراق والعالم العربي، لا سيما أننا لم نلتق بكتاب في الفلسفة وكذا الفكر العراقي، لا سيما التنويري كما هذا الكتاب، من حيث ما يضمّه من خطاب تنويري واضح المعالم في المسائل والإشكاليات التي تصدّى لها المؤلف بجرأة عقلانية نقدية فلسفية بدت معروفة لنا عبر كتاباته التي تمتد بحسب سيرته إلى نحو ثلاثة عقود من السنين. ولعل الواضح أن رسول محمد رسول لا يتعامل بوصفه مجرّد كاتب أو مفكّر فقط إنما بوصفه فيلسوفاً وهي صفة يبخسها القارئ العربي على مفكرينا العرب من دون قراءة الخطاب المُنتج وهو أمر مؤسف، لا سيما عندما نعمد إلى قراءة ما يكتبه رسول من مقالات أو بحوث أو كتب أو نستمع إليه في محاضراته الموسمية أو السنوية؛ فنحن هنا لسنا مع فقيه أو رجل دين، ولا كاتب مؤدلج حزبياً؛ بل مع فيلسوف تنويري أداته العقل لا يتقاطع مع الإيمان الديني فللإيمان تنويريته الدينية الخاصة به لكون الله حفل ويحفل بالإنسان وملكاته العقلية ومكانته بين الخلق وفي الوجود، وهذا لعمري المؤشر الواضح على التنوير، على أن هذا التخريج يبدو نادراً في المشهد الفكري العراقي خلال القرن العشرين.
يضم الكتاب نحو خمسة وعشرين فصلاً مدوّنه بلغة فلسفية سلسة هي من عنديات المؤلف؛ بل لغة تحف بها شعرية القول من دون ادعاء أو عسف وهي براعة مأهولة لدى الكاتب رسول محمد رسول منذ سنين.
يتحدّث هذا الفيلسوف وفي فصول كتابه هذا عن تطلّعاته التنويرية منذ "ثمانيات القرن العشرين" (ص 10) عند دخوله إلى (قسم الفلسفة - كلية الآداب - جامعة بغداد)، ولذلك يقول: "يومها كنت أبحثُ عن لطائف الفكر التنويري وإشراقاته بين ألسنة أساتذتي الأجلاء بالجامعة وخارجها في الوسط الثقافي" (ص 10)، فكم عيلنا أن نهنئك يا رسول في مسعاك هذا الذي أثمر تحفة تنويرية اسمها (هيا إلى التنوير)؟
إن الإيمان بالتنوير "لم يبلغ طوره النهائي بعد حتى نتغافل عنه" (ص 14). بهذا الإيمان يحتفي المؤلف بالتنوير، ويشق الطريق إليه رغم الصعاب والمطبّات، فهو يؤمن بأن التنوير لا ينتهي؛ بل أن ذات التنوير لم تتوار؛ فهي ما زالت "تمشي بساقين قويين يحملانها" (ص 14). ولا يتغافل المؤلف عن هيمنة الأصوليات الدينية المتطرفة أو "الأصولوية" والأيدولوجيات التي لا تريد للتنوير النهوض في أزمنة الخراب التي نعيش.، فعصر التنوير "لا يزال مُمكنا" (ص 15)، وهذ تفاؤلية بديعة؛ بل إن بداية التنوير لا تزال جارية بيننا" (ص 16)، وما يزال التنوير "يضيء عتمة المعمورة الإنسانية والظلام الذي يحيطها" (ص 16). وما أجمل قوله: "إن التنوير هو أن يكون الإنسان إنساناً ومن دون حجب الإنسان في الإنسان" (ص 17)، وتراني أحسب أن هذه الفكرة هي لب الخطاب التنويري في المشروع الفلسفي الذي يتبنّاه الدكتور رسول محمد رسول؛ بل هو جوهر فلسفة التنوير لديه، وعلينا أن نتذكّر ذلك بأنه يمثل أيضاً الامتداد التواصلي لجوهر فلسفة المؤلف في كتابه السابق (هيا إلى الإنسان) لسنة 2018.
في محاضرته سابقة له بعنوان "المثقف العربي الزمان وأسئلة العصر" والتي كان ألقاها في أبوظبي سنة 2002، يكشف رسول عن أن أول غيثه في التنوير كان تنوله في فقرة ترد في تلك المحاضرة وتحت عنوان "سؤال التنوير" عندما راح يتحدّث عن الـ "النحن العربية" بوصف هذه "النحن" هي مجال خلق الثقافة الذي لا بد أن يتخلّص من "أحاديّة الرؤية" عبر ربط الأصول بزمانية النحن فيقول: "لا بد من ممارسة زمانية تنوير مزدوجة الفاعلية؛ تنوير الأصول بتنوير الهويّة وتنوير النحن الثقافية بتنوير الذات عبر المشاركة والتعارف الثقافي بالعالَم المعاصر وإن كان مترامي الأطراف" (ص 46).
يأخذنا رسول محمد رسول إلى محاضرته بالجامعة المستنصرية البغدادية في آذار 2015 وعنوانها "الفيلسوف والتنوير"، وهي المحاضرة التي ارتقى ملفوظ "التنوير" فيها إلى حافة العنوان، وفيها تتضح أكثر "فكرة التنوير" لدى المؤلف وهو يتحدّث عن "التنوير الأصيل" الذي هو مَهمة الفيلسوف في عالمنا المعاصر، فلا بد للفيلسوف أن يترجّل من "كونه المعرفي المعزول وغير التاريخاني صوب الانخراط في موجودية وجوده ودوره التاريخي" (ص 59)، ولا بد للفيلسوف أن "يستحضر إرادة الرغبة الأصيلة بالتنوير" (ص 69)، وكذلك يؤمن إيماناً حقيقياً "بقدرة الذات على ممارسة ما هو تنويري" (ص 61). مع ملاحظة أن "الفيلسوف التنويري الأصيل يتخذ من العقل الإنساني النقدي دربة ودرباً له" (ص 62) بوازع "استنفار الدور التنويري العقلي النقدي الإنساني للفيلسوف" (ص 66).
نبقى في شهر أيار/ مايو سنة 2015 حيث محاضرته "بعيداً عن نزوة الطاووس" التي تحدّث عن "تنوير عراقي" (ص 89). بحسب تجربة الشاعر جميل صدقي الزهاوي الذي كان نموذجاً للمفكر الذي تصدى للفكر المعادي للتنوير، وهي مَهمة بدرت منه في مطالع القرن العشرين تكشف عن نأي الفيلسوف عن برجه العاجي وانخراطه في بحر مثقف "متفلسف تاريخاني أصيل ينفتح على الوجود اليومي غير الاستهلاكي 


ليضيء دروبه" (ص 96).



يتحرر رسول محمد رسول من أسطورة حصر التنوير في العصر الحديث، ولذلك يذهب إلى المرحلة ما قبل الإسلام، بل هو يرى أن التنوير يوجد في كل عصر بسبب وجود الإنسان الذي له الفهم والعقل والتأمل والتفكير في الغديّة؛ فالتنوير وبوصفه "توجها مؤنسناً لدى الإنسان لا بد أن يكون أساسياً في صميم موجودية الإنسان الذي كان في الوجود الثقافي للإنسان من الناحية التأريخية" (ص 100). لذلك يفترض رسول وجود التفكير التنويري في الحضارات العراقية القديمة. وفي هذا السياق يتحدّث رسول عن قانون أورنمو وشريعة حمورابي لكونهما وغيرهما بناء عقلي حتى وإن مرّا على دروب المخيلة، فكلاهما صنعة قانونية عقلية، ورسول هنا يتحدّث عن طفولة التنوير في التأريخ.
ولعل محاضرة الدكتور رسول محمد بعنوان "ماهية التنوير" التي ألقاها في بغداد أيلول/ سبتمبر 2018، تعد مفصلاً في خطاب التنوير الذي يقوله كتاب (هيا إلى التنوير)، فهو لا يريد أن تكون ماهية التنوير متوارية أو معطلة؛ بل يجب استئنافها بوصها "استعادة الإنسان من جحيم النسيان" (ص 112)، ودعوني أضع مفردة "استئناف" بين مزدوجتين، وتلك رسالة مُهمة في سبيل التنوير ومعاودته في الراهن، لا سيما أن رسول محمد رسول بوصفه فيلسوفاً يربط نهوض التنوير بما اسماه "التبصّر" والإنسان "هو صانع ماهية التنوير" بمعنى أن الإنسان الإنسي هو "جالب ماهية التنوير، عبر "تبصره" (ص 113)، وهذا يعني أن بنية ماهية التنوير ليست متعالية ولا مفارقة ولا منزلة من السماء المفارقة؛ بل هي "بنية فعل وحدوث وانفتاح على الوجود والموجود أو الكينونة والكائن" (ص 115).
التنوير هو الحصن والقلعة للأنا الإنسانية لكن وفي الوقت نفسه يبقى التنوير هو "الابن الحقيقي للعالم والتاريخ" (ص 128)، وهنا تكمن واقعية الخطاب التنويري المرتجى، لأن "التنوير" - كما يقول رسول - هو "خطاب إنساني لا بد أن يكون مُشبعاً بشروط الوجود التاريخاني" (ص 131)، الشروط الفردية والمجتمعية. ولكن يبقى السؤال متاحاً أماننا؛ فبأي معنى نفهم العقل في التفكير التنويري؟
إن التنوير، يقول رسول: "يعترف بضحالة العقل الإنساني عندما يهبط إلى بشرية الكائنية الرعاعية ويتماهى معها" (س 143)، لكنه أيضاً لا يتوافق مع هذا العقل الرعاعي الذي تصدى الدكتور رسول إلى تعريته في كتابه (نقد العقل التدميري) والذي كان صدر في سنة في طبعته الأولى سنة 2005، هذا العقل لا يرحب به العقل التنويري ولا يجاريه مثلما الأمر ينطبق مع العقل الشرس أو العقل المشاكس من أجل المشاكسة أو العقل الاستعماري، فهذه العقول لا تتوافق مع العقل التنويري المنقّي لكينونته من البراثن بكل أشكالها السلبية ومفاعيلها" (ص 143)، لا سيما تلك البراثن التي تؤتي الخراب والتدمير" (ص 144).
إن الدعوة إلى التنوير لا بد أنها تنفي الحجاب عن "التنوير"، وتلك هي مَهمة الشخص التنويري، ولذلك يكتب رسول عن "التنوير الإنساني من الاحتجاب إلى الانفراج". على أن الحاجب من بين حاجبين آخرين إنما هو الإنسان نفسه، لا سيما عندما يخرج هذا الإنسان عن طبيعته الإنسانية ليغرق في أوحال طبيعته البشرية الغرائزية وهو ما لا يريده التنوير الإنساني لأنه سيسقط في حبائل "ومترهلات من الخيبات والهزائم في مجتمعاتنا العربية" (ص 151)، لينتهي في هذا الصدد إلى أن "الإيمان بماهية التنوير هو لُب الثورة الثقافية التي لا بد أن تكون واقعاً يعيشه الإنسان العربي" (ص 154).
إن فلسفة التنوير - بحسب خطاب الدكتور رسول محمد رسول - تغادر منطقة الجهويات العرقية والمناطقية والطائفية والرعاعية والاستعمارية والتابعية، فهذه الموجّهات لا بد للتنويري مغادرتها بغية أن يلامس المواطنة العالمية من دون التخلي المطلق عن محليته شرط أن تكون محلية متحررة من الجهويات. وهنا نلقى تعريفاً مركزاً للإنسان التنوير؛ فهذا الإنسان هو: "الموجود المتنور الذي خرج بعقله الرشيد ووعيه العميق من جهويّات الغرائز ضيقة الأفق ظلامية الفضاء إلى فسحة الإنسانية" (ص 161)، ويلقي رسول على عاتق هذا الشخص التنويري مهمة أساسية "تكمن بتخليص الكونية الإنسية من تبعات فهم الإمبريالية العالمية والكولونيالية الجديدة للكونية بوصفها تبعية الهامش للمركز، والصغير للكبير والضعيف للقوي. إن الكونية التي لا بد أن يضطلع بها الشخص التنويري هي الكونية المتحرّرة من كل فوضى التبعية الُمجحفة لمعنى الإنسان كإنسان" (ص 165 – 166).
ويتساءل رسول فيما إذا كان التنوير هو فلسفة أقلية؟ وهو سؤال في مكانه ومحله فالتنوير شأنه الكونية لا المحلية ولكن لا تنوير بلا محلية، يقول رسول: إذا شئنا "فتح ذواتنا على غيرنا فلا يسعنا إلا شمل نظراؤنا معنا" (ص 167). ويقدم الكتاب صورا للمحلية منذ وجود الطفل في صلب لأبيه ورحم أمه، وبالتالي في رحم الحياة بعد الولادة وهي محلية أخرى تتضاعف مع مرور الوقت وتعدد الأزمنة. وقد يبدو الأشخاص التنويريين أقلية في مجتمع عربي، على سبيل المثال، لكنها أكثرية من حيث الطموح، ولذلك يطمح رسول إلى إيجاد ما يسميه "العقل التنويري الجماعي بين الناس حتى لا يكون التنوير مجرد انتهاج نخبوي غريب الحال يكرسه شخص تنويري بمفرده" (ص 177). وفي هذا السياق يطالب رسول بأن يكون "التنوير ممارسة لا ينبغي أن يمتلكها أي أحد من الناس كحيازة له دون غيره فقط" (ص 177)، فمثل هذه الحيازة لا بد أن تكون "نهجاً لا بد أن يسود كالهواء النقي الذي يتنشق ويشمه الناس كل الناس، وفي هذا انزياح للتنوير بمعناه الأقلوي في إلى فضاء الأكثري الإنسي الكوني" (ص 178).
ويقترب الدكتور رسول من الفلسفة أكثر عند يسعى لوضع بعض المبادئ في التنوير وعبر اقتراح ثلاثة مبادئ تتنافذ فيما بينها تواصلياً لتأكيد الاعتراف بالإنسان في مجموعه الإنساني الأنطولوجي، وهذ المبادئ تفترض أساسياً مفهوم "الغيرية"؛ ففي المبدأ الأول: أنا أفكر وغيري يفكر فإذن كلانا موجود. والمبدأ الثاني: غيري مفكر فيه من جهتي إذن هو موجود. والمبدأ الثالث: أنا مفكّر فيه من جهة غيري إذن فأنا موجود. وإذا كانت هذه المبادي تفترض "الغيرية" فإنها تفترض أيضا مفهوم "التفكير"، وكذلك مفهوم "الأنا". وألمح ههنا دخول المؤلف إلى بناء عقليّة التفكير فلسفياً وأبستمولوجيا، لذلك يقول رسول: "لا وجود من دون مذاهنة وتفكير وفهم وقول أو خطاب ما يعني أن التنوير هو وجْد الوجود والتنوير يوجِد الوجود" (ص 187) إذا ما ابتغينا تحقيق الوجود التنويري.
إن ماهية التنوير يقول رسول: "لا تني تشكل المستقبل لكونها ماهية غدية" (ص 197)، فمثلما أوجد الدكتور رسول عمقا تأريخيا للتنوير في الماضي السحيق الذي يمتد لأكثر من ألفية هما هو يبني رؤيته التنويرية على ملازمة المستقبل أو تشكل الغدية أو الغدية، وهذا الأخير نراه مُفضلاً لدى رسول، ذلك أن التنوير يفكر في القادم، ومن ذي قبل عرّف رسول الفيلسوف بأنه "مفكِّر صباح الغد أو اليوم التالي"، فجاء تفضيله لمصطلح "الغدية" من هذا الباب.
وفي هذا المجال يتساءل رسول عن "الاعتباطية" في نشأة التنوير، نعم هو يؤمن بالقصدية لكن هذه القصدية لا تعني غياب الاعتباطية فالتفكير التنويري قد يولد اعتباطياً لكنه ينتهي قصدياً؛ والتنوير هو "فكر إنساني تتعدد مشاربه بتعدد الناس، وكذلك تتعدّد الرؤى فيه وتختلف من شخص إلى آخر، ومن أقلية إلى أخرى، ومن جماعة إلى أخرى، ومن قوم إلى آخر، ومن أمة إلى أخرى في بناء رؤيوي اعتباطي" (ص 209).
يفهم الدكتور رسول التنوير بأنه "وجود إنساني حيوي يتخذ شكل علامة دالة عليه" (ص 211). يقول ذلك وهو يتصدّى إلى زيف التنوير عندما تلبسه الظلاميات التي تدعيه زوراً، وعندها يًرجئ التنوير علامته الحقّة ليفسح المجال، ومن هذه الظلاميات؛ بل الظلاميين أولئك الذين يدعون التنوير شكلاً وهم كُثر في عالمنا العربي، فثمَّ "بون شاسع بين التنوير في حقيقته الإنسانية والتنوير في علاماته البشرية المصلحية" (ص 214).
من جهة أخرى يسعى رسول إلى الربط بين التنمية التنويرية ودولة التنوير وهو يقدم رؤيته في هذا المجال، وكم تبدو الحاجة ملحة في عالمنا العرابي الراهن إلى انتهاج الدولة بمنهج التنوير في تنمويتها، وقبل ذلك يطمح رسول إلى بناء "دولة الإنسان" هذا المصطلح الذي يمتاز به خطابه الفلسفي في ظل بحثه عن "خطاب إنقاذي يصحح مسار التوجّهات السلبية" (ص 221) في التنمية التي تتوسّلها الدولة العربية، ذلك أن "التنمية السلبية تسعى إلى نسيان الإنسان" (ص 222)، بينما التنوير لا يسعى إلى ذلك على العكس إنه يعمل ضد الظلاميات التي تمارسها الدولة في التنمية التي تقدمها لا سيما عندما تأخذ - هذه التنمويات - الإنسان إلى هلاكه وذله وضياعه وهو ما يتقاطع مع القيم السماوية وقد استعان رسول بحديث قدسي نادر جاء فيه: "من استذل عبدي المؤمن فقد بارزني بالمحاربة" (ص 231).
ولعل هذا الحديث يقودنا إلى حضورية النور الإلهي أو التنوير بمعناه الديني الإسلامي، ويعمل رسول على المقاربة بين "التنوير" بمعناه الاصطلاحي الحديث و"التنوير الديني" فلا يجد حرجاً في الأمر لا سيما أن هدف "التنوير هو خير الإنسان" - على حد تعبير الفيلسوف الألماني فويرباخ - ويذهب إلى أعمق من ذلك بحثاً عن الدلالة الإلهية للتنوير الديني في المتن القرآني، ويؤكد على تاريخانية النور الإلهي لا مفارقته وتعاليه فقط.
إن النور الإلهي لا يعادي العقل الإنساني، ولذلك يذهب رسول إلى بيان دلالة التنوير في القرن الأول الهجري استناداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومتون أخرى تعود إلى ذلك القرن، يقول رسول: "ما التنوير سوى أن يكون الإنسان بوصفه إنساناً عبر الخطاب الديني لا مجرد غريزة بشرية" (ص 263). ولكن غالباً ما نسمع عن وصاية الدين على الإنسان فيتساءل المؤلف عن أيّة وصاية ممكنة؟ لا وصاية ونحن تعلمنا من الدين أن نكون أحراراً، وهذا لا يتقاطع مع الإنسان في تطلعاته التنويرية لا سيما أن الحكمة والشريعة متحابان بالجوهر.
إلى الغرب الأوروبي يأخذنا المؤلف ليستعرض أفكار التنوير من فرنسيس بيكون حتى إمانويل كانط تحت عنوان (تراث حدائق التنوير). ويتوغّل أكثر في المعنى النقدي الكانطي بوصفه أساساً للتنوير والتفلسف الكوني، ويتوقف عند تجربة الأدب الإباحي لدى المركيز دي ساد فيما إذا كان هذا الأدب تكريسات تنويرية أم مجرد أهواء غرائزية، ثم يقف عند مأزق الشر والتفاؤل في تجربة (كانديد) لفولتير، ويستطلع الحكمة الفلسفية في العراق، ويكيل النقد جذريا لحالة الدولة العراقية المعاصرة في مسخها الإنسان العراقي، كذلك يعري تفكيكاً حالة العقل في التأريخ الاستهلاكي.
هذه بنات أفكار الفيلسوف العراقي رسول محمد رسول في التنوير عبر كتابه الجديد (هيا إلى التنوير) لسنة 2019، إنها تجربة تفكير تنويرية في التنوير الذي نريده لنا جميعاً فطوبى لك أيها الصديقي الفيلسوف في صنيعك الرائع هذا.
google-playkhamsatmostaqltradent