-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

حنّة أرندت: الالتزامُ خيانة للفِكر




 تشبِّه "أرندت" رجل الأدب الذي يُضطَّر لبيع فكره ، لخدمة إرادة قوة مطلقة بمُمتَهِن الدّعارة ؛ فأن تكون كاتباً يعني أنك تعيش بفضل العقل وحده ، تماماً مثل الدَّعارة التي تعيش بفضل الجنس وحده. تحاول أرندت أن تثبت أن أي توظيف للعقل لخدمة أية جهة ، يُعتبَر خيانة للفكر ، فالفكر عندما يأخذ وظيفة سياسية ، لا يُنتِج أحزاباً ، بل فِرقَاً ، ولا يُنتِج مدارس ، بل نماذج. فتوظيف الفكر تحت راية أي شعار - مهما كان هذا الشعار نبيلاً - خيانة تمسخ الفكر والمُفكِّر معاً.
هنالك علِّتان نجدهما في مفهوم أرندت للفكر ؛ تجعلان الالتزام بأية قضية خيانة للفكر. تبرز العلة الأولى حين تطرح السّؤال : ماذا يحدث عندما نفكِّر ؟ ، وتشتغل عليه في حياة الفكر من خلال ماوجدته لدى سقراط ، أي ( الحوارُ الصَّامت ).

من منظور الحوار الصامت ؛ تشير أرندت إلى أن الحوار الداخلي بين الأنا و الأنا المُفكِّر ، هو الذي يجعل العلاقة بين المتحاوِرَينِ علاقة صداقة حقيقية. وقد كان سقراط أول من اكتشف و زاول هذا الحوار الصامت. فكيف يمكن الإبقاء على هذه الصّداقة بين الأنا و الأنا المُفكِّر ، في حالة ما إذا كان الأنا مُلتزماً ؟! وبما أن هذا الأنا المُلتزِم سيكون مُطالَباً بالوصول إلى غايات محددة ، فإن تحديد الغايات مسبقاً ومن الخارج ، يُفقِد الحوار مصداقيته ، حيث يتحول الحوار إلى صراع و حرب.
يقول سقراط : "من الأفضل أن نكون في خلاف مع الجميع ؛ على أن نكون في خلاف مع أنفسنا ، أي أن نناقض أنفسنا أثناء الحوار الصامت".

أ ما العلَّة الثانية فتكمن في التشابه الذي تشير إليه أرندت بين الفعل والفكر. هذه العلاقة قائمة على الحركة أي على الانتقال والترَّحل من نقطة لأخرى. فهي ترى أن الفكر يتحرك كما يتحرك الجسد مع الفعل ، وأن كِلا الحركتين تندفعان بالرغبة عينها في الحرية. ومن ثم إذا كانت أرندت تلتمس تَفهُّم ماذا يحدث في أثناء الفكر من حركة فحريٌّ بنا أن نتساءل إن كانت حركة الفكر المُلتزِم مختلفة عن حركة الفكر اللامُلتزِم ؟ 

 ليس بوسع أي امرئ أن يُثبِت في أي اتجاه يسير الفكر ، بيد أنه من الأكيد أن حركة الفكر تكون حرة ، لكن من اليسير أن ندرك أن الفكر المُطالَب بالوصول إلى تحقيق أهداف ( لا فكرية ) - كالدفاع عن إيديولوجيا أو شعارات حزبية - سيوجِّه حركة الفكر نحو هذه الفكرة الوحيدة المثالية ، وبالتالي سيغير هذا الأمر من حركة الفعل التي تفقد عفويتها وبالتالي حريتها. إن أي التزام يصنع للفكر مسارات تغذيها الالتزامات السياسية وتنتهي إلى تعطيل حركة الفكر وتدجينها ، لتجعل الفكر مُنمَّطاً خاضعاً لقوالب جاهزة .



حنة آرنت 1906 - 1975 كانت منظرة سياسية وباحثة يهودية من أصل ألماني. على الرغم من أنه كثيرا ما تم وصفها بالفيلسوفة، فإنها كانت دائما ترفض هذه العلامة على أساس أن الفلسفة تتعاطى مع "الإنسان في صيغة المفرد." وبدلا عن ذلك وصفت نفسها بالمنظرة السياسية لأن عملها يركز على كون "البشر، لا الإنسان الفرد، يعيشون على الأرض ويسكنون العالم.
تعديل المشاركة Reactions:
حنّة أرندت: الالتزامُ خيانة للفِكر

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة