-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

جان دوست لموقع «سبا»: أنا كاتب رحيم أبكي على شخصياتي التي تموت



حاوره: إدريس سالم

القسم الثاني والأخير





جاء على غلاف الرواية الخلفي كلمة للبروفسور «عقيل المرعي»، أذكرها هنا في القسم الثاني والأخير من حواري مع الروائي الكردي «جان دوست»: «هذه الرواية ملحمة بحق، تلتقي بها الأجيال والأجناس والأعراق، تتحاور، تختلف، تتشاجر، تتفق.

هي لوحة أنتروبولوجية بامتياز، تغريك إلى درجة تجعلك لا تستطيع أن تميّز الواقع من الخيال، بل تريد للخيال أن يكون واقعاً، وأحياناً للواقع أن يصير محض خيال.



ينقلك الكاتب بحنكة ومكر من مستوى إلى آخر، يمتزج الموت بالحياة في جدلية عجيبة، فتسرع في القراءة لتتابع ما يحدث على المستوى الآخر، وهكذا دواليك لا يترك لك الوقت لتلتقط أنفاسك، وهو ينتقل كراقص باليه بارع ليقدّم للقارئ عالماً غنياً ومركّباً ومحفوفاً بالمخاطر...!



يحمل جان دوست همّاً وطنياً ومشروعاً إنسانياً، يمزج بينهما بحنكة بالغة عبر تاريخه للمجتمع الكردي من الداخل، إنه مشروع ضخم وطمُوح يذكّرنا بالمشاريع الروائية الكبرى لبلزاك ونجيب محفوظ وغيرهم من الكتاب العالميين الذين وصفوا بدقة متناهية مجتمعاتهم الصغيرة.

فهل نستطيع أن نقول إن جان دوست هو بلزاك الرواية الكردية؟».



إلى أسئلة وأجوبة القسم الثاني والأخير من حوار موقع «سبا – Siba» مع الروائي جان دوست:





·       «مَتْين» التحق أبدياً بالكريلا، و«مصطفى» بالجيش السوري كمجنّد في الخدمة.

ما الفرق بين أن يخدم الكرد في الجيش السوري عمداً، أو أن يحاربوا مع الكريلا في الجبال بغسيل للأدمغة؟ وهل الوعي دخل إلى العقلية الكردية للحذر من الجهتين؟



الحياة العسكرية تفسد روح المرء. صحيح أنها حياة تتسم بالنظام والانضباط والروح القتالية، لكن أية حياة هذه المبنية على العنف والتدريب على القتل!! أنا خدمت الجيش السوري في لبنان، وأعتبر تلك المرحلة نقطة سوداء من حياتي. وقتها أدركت أنه بمجرّد حمل البندقية تتقلّص قدرة العقل على المحاكمات المنطقية والتفكير السليم. ربما مَن يلتحق بالكريلا طوعاً يفعل ذلك لغايات نبيلة وقيم سامية. ربما يعتبر ذلك نضالاً من أجل الحرّية وهذا صحيح في الظاهر فقط.





·       تقول في الصفحة (214) من فصل «العريس»: «مع بداية عام 2005م، كانت قد مرّت على انتفاضة قامشلو حسب ما سُمّيت في السرديّات الكردية عشرة أشهر». كأنك هنا ترفض تسمية «انتفاضة قامشلو»، أم لك كلام آخر؟



لست في وارد رفض التسمية بقدر ما أحيل الاسم إلى السرديات الكردية. الاسم على كل حال يشبه «انتفاضة الأقصى»، التي عمّت كلّ بقاع فلسطين وليس المسجد الأقصى وحده. الانتفاضة انطلقت من القامشلي لكنها شملت كلّ مكان وجد فيه الكرد السوريون حتى الأحياء الكردية في دمشق العاصمة البعيدة عن القامشلي. هناك مَن يتحسس من الاسم لأسباب مناطقية وهذا مفهوم.





·       سأعود إلى سؤال زرع نفسه في ذاتي بدهشته وحيرته، وأنا أقرأ الرواية عميقاً، وأراقب تقنيات السرد والحبكة والراوي والحوار والشخصيات:

ما الغاية من ربط الماضي بالحاضر من خلال استحضار تاريخ وآلام المهاجرين، وخرائب الثورة – الحرب السورية عبر تقنيتي الراوي والحبكة؟!



أردت أن أقول أن الحدث دائري. التاريخ دورة تدور فيها الشعوب معه. حتى إن لم تكن حركة التاريخ دائرية فهي متكرّرة. ما عاناه أجدادنا في بدايات القرن العشرين عانيناه نحن بعد مئة عام. النزوح والثورات والتشرّد والموت آنذاك لا تختلف أبداً عن الثورات والنزوح والموت الذي نعيشه حالياً. وقس على ذلك جميع الشعوب والأوطان. تاريخ من الفجائع يتكرّر، وربما بشكل أقسى وأمرّ.





·       وهل تَعني عائلة – عشيرة المهاجرين في وجدان جان من شيء؟



نحن كأسرة قادمة من منطقة الجزيرة عانينا ما عاناه المهاجرون في كوباني. كثير من أبناء العشائر لم يفرّقوا بيننا وبين المهاجرين الذين قدموا قبلنا. لم يكن يهم أبناء العشائر الكوبانية من أين أتينا ومَن نحن وما هي عشائرنا التي ننتمي إليها، المهمّ أنه لا عشيرة لنا ننتسب إليها في كوباني. أيّ نحن غرباء. لقد كبر معي هذا الشعور بالغربة عن كوباني وفي كوباني...، وكان لا بدّ أن يجد هذا الشعور متنفّساً له في مكان ما من الرواية.





·       في فصل «جديلة مشاكسة»: «لا حرّية للمجتمع من دون حرّية المرأة يا خالة. الوطن كلّه لن يتحرّر ما لم تتحرّر المرأة».

هذا ما قالته «زِيْلان» إحدى مقاتلات وحدات حماية الشعب لوالدة «رَوْشَن» في الصفحة (229).

كيف تعلّق على هذه العقيدة (العقيدة الحزبية الجبلية)؟! وماذا أردت أن تقول؟!



هذه من الشعارات الكثيرة التي تطرحها الأحزاب الشمولية المتطرّفة مثل طُعم لجذب الطرائد إلى الفخاخ. هي كلمة حقّ. حرّية المرأة أمر ضروري لتحرّر المجتمع، فالمرأة تشكّل جزءاً هاماً ومؤثراً من المجتمع أيّ مجتمع. وإنصافاً نقول فإن الحزب حرّر المرأة لصالحه، أيّ لم يحرّر المرأة لتصبح عضواً فاعلاً في المجتمع. حرّرها لكنه استعبدها لنفسه وضمّها تحت جناحيه تأتمر بأمره وتعمل لصالحه. عبودية من نوع آخر  تحت مسمّى الحرّية.





·       توظيف (نوستالجيا المكان وسطوته على الكاتب) هل يعتبر عامل سلبي، أم ورقة نجاح لعمل الكاتب الأدبي؟

 

جان دوست على الحدود السورية - التركية بالقرب من مدينة كوباني


الحنين إلى الماضي وتجلّياته في الأعمال الأدبية دائماً ما كان سلاحاً ذا حدّين. وهو موضوع أثير لدي على الأقل. يمكن أن يرمي النوستالجيا بثقل سلبي على العمل الروائي، لكنه في الغالب عامل نجاح إن استطاع الكاتب إقامة توازن بين موضوعه الأساسي وبين ومضات النوستالجيا التي تضيف عوامل مهمة للتأثير على مخيّلة القارئ.





·       لنعد إلى بعض الأسئلة التقنية: إن التشويق الجميل والدراما العميقة والحبكة المحكمة... عناصر – تقنيات كانت حاضرة بقوة لقطع سلسلة السرد التي ترويها مرّة بين حاضرك وماضيك، ومرّة أخرى للعودة إلى عائلة حمْزِراف...

ما الدلالات الفلسفية والنفسية الكامنة خلف ذلك؟



ما من دلالات كبيرة حسب قناعتي سوى إحداث تنويعات على السرد؛ لدفع الملل عن القارئ، خاصة مع رواية ضخمة نسبياً مثل كوباني. فكرت في تجربة تعدّد الأصوات التي جرّبتها في «ميرنامه»، لكنني لم أرد أن أكرّر نفسي. صحيح أن الأصوات هنا متعدّدة ومتنوّعة وتنتمي إلى فئات عمرية مختلفة، قناعات متباينة، وأزمنة متباعدة لكن الراوي العليم هو الذي يمسك بزمام الأمور، ويضبط إيقاع الرواية من أولها إلى آخرها.





·       ضخخت شخوصك بسمات اجتماعية دون الفكرية منها، في المقابل لم تتفاعل الشخصيات مع الواقع الاجتماعي والفكري بحرّيتها ومدى حاجتها إلى ذلك، بقدر تعمّدك – بصفتك راوياً – إلى أن تكون قضاءً وقدراً في رسم حياتهم.

ماذا تقول؟



 كما قلت في جوابي السابق حاولت الإمساك بزمام السرد ورسم الفضاء الروائي. ربما كان هذا هو السبب في أن الشخصيات لم تتمكّن من التمرّد علي واختيار مصائرها بنفسها. كنت قاسياً على شخصياتي في كلّ شيء حتى في ضبط الحركة والأقوال.





·       خلق المونولوج حركية ماتعة في المنجز النصّي، إذ استنطق ذاتيات الشخوص، وعرض صوتها الصارخ والفاضح لوقائع الماضي المأساوي والحاضر الجحيمي والمستقبل القبيح، وقد صرّح المونولوج عن هذا الواقع عبر المتواليات السردية الآتية:

-         المهاجرون وصمة عار اجتماعية لحقت بكوباني، وبتلك العائلة نفسها.

-         مقت البرازيون من المهاجرين.

-         رفض قيام الأواصر الاجتماعية مع المهاجرين.

-         الأطلال والذاكرة والذكريات للراوي.

-         الحنين إلى الماضي وربطه بقُبح الحاضر.

-         موت أفراد عائلة الحاج مسلم بطريقة ممنهجة.

لم كانت دفّة المونولوج بيدك ككاتب لهذه الملحمة، فلم تترك الشخوص تعبّر عن ذاتها وواقعها ومستقبلها؟ والأهم لم بنيتها على أساس سخرية البوح، والبوح بتذويب الذات؟



هذه الرواية على مستويين، مستوى ذاتي شخصي لا يصحّ عليه ما تفضلت به في متن سؤالك. فأنا أتحدّث عن نفسي بصدق تام. ما انتابتني من أحزان وأزمة نفسية الخ. أما المستوى الثاني فهو المستوى العام الذي تحدّثت فيه عن شخصيات متباينة في الأفكار والمعتقدات، بل ومعادية بعضها لبعض مثل شخصية زياد الداعشي التونسي. أرى أنني أنصفتها وأعطيت كلّ شخصية أن تعبّر عن نفسها ومعتقداتها. فالسكير سكير ويسخر من الدين براحة ضمير. والمتطرّف متطرّف يعبّر عن تطرّفه بمصطلحاته هو لا بكلمات ألقنه إياها. ربما يظهر للقارئ أنني أوجّه الرواية الوجهة التي أريدها منذ البداية. هذا يعود إلى أن الراوي العليم هو الذي يتبنّى البوح بدلاً من الشخصيات.





·       تقول إحدى أدبيات ثورة الجبال في قنديل من فصل «شاب في السيارة»: «إن الارتباط بالأب والأم والعائلة ابتعاد عن خطّ الثورة». الصفحة (283).

أين إنسانية الإنسان من هذه الأدبية؟ وما تقييمك لها وأنت المتهم من قبل أنصارهم بأنك شاتمهم ولاعنهم وحاقدهم ومعارضهم، وحقيقة الأمر تقول بأنك تنتقدهم بشكل موضوعي؟



الأحزاب الشمولية المتطرّفة تنزع من الإنسان كلّ جوانبه الإنسانية؛ لتستطيع فيما بعد التحكّم به. هناك مَن يتمرّد على هذه المحاولات فيهرب من الجبال (وربما يعتبرونه فيما بعد خائناً). لقد لاحظنا على حزب العمال الكردستاني منذ البداية أنه يريد نسف العلاقات المجتمعية الطبيعية ويدمّر العلاقات الأسرية؛ ليبني بدلاً عنها علاقات أيديولوجية حزبية. أشتمّ مَن يقتل ولا أخجل من شتمهم. فالذي يسفك الدم الحرام يستحقّ اللعنة والشتيمة. أما مَن يسفك الحبر فيستحقّ التأييد بنظري. لذلك قدّمت ترجمة «دم على المئذنة» إلى الكردية بقولي: «هم سفكوا الدم وأنا سفكت الحبر».

أعتقد أن مثل هذه الأحزاب تخلق وعياً مجتمعياً مشوّهاً إن جاز لنا أن نسمّيه وعياً أصلاً. ونحن رأينا بأم العين المآلات الكارثية لنظرياتهم المضحكة.





·       ماذا تعني لك قصيدة «الأبواب إذ تبكي» الواردة في الصفحة (298) من الرواية؟



هي قصيدتي. قصيدة روحي المنكسرة التي كانت تحلم دائماً أن تعود من منفاها وتقف أمام الباب لتطرقه بلهفة وتنتظر. في زيارتي المتخيّلة إلى كوباني، انفتح الباب على الخراب. طبعاً هذا الخيال بنيته على الصورة التي أتتني من هناك. فالباب اليتيم وقف صامداً لكنه لم يكن يحرس إلا الخراب. استنطقته، فنطق بما حفظ من ذكريات العائلة. بيوتنا التي غادرناها كنوز متخمة بالذكريات. لا يشبه باب بيتي هنا في ألمانيا بابَ بيتي هناك في كوباني. هناك للباب ألف حكاية وحكاية. سردت بعضها في الرواية. هنا الباب لا يحمل أيّ طاقة تفجير ذاكروية. لا تربطني بالباب الألماني أيّة عاطفة أو علاقة إنسانية. هذا أمر بحاجة إلى تفسيرات معمّقة ودراسات مفصّلة، لعلّنا نجد ظلاً لها في كتب علم النفس.





·       كان موت أبناء الحاج مسلم يتوزّع على مدار صفحات الرواية،وفي أماكن جغرافية مختلفة.

هل كنت كاتباً سفّاحاً (عذراً للكلمة) وأنت تقتل شخصياتك، شخصية تلو الأخرى؟



لا يا سيدي. أنا كاتب رحيم أبكي على شخصياتي التي تموت. لا أقتل أحداً. هم ضحايا يسقطون فأرصد لحظة سقوطهم وموتهم. أتتبع مسارات شخصياتي التي أجمع بعض قصصها من الواقع ثم أصوّر ما جرى بطريقة فنية. لست أنا مَن اختار هذه النهايات المأساوية لأبناء عائلة واحدة. هذا ما فعلته الحرب المجنونة بهم وبنا. وأعتقد أن تحميل الكاتب أعباء الحرب والجرائم التي تحصل في الحروب ظلم.





·       رواية «كوباني الفاجعة والربع»– بحسب قراءتي لها – رواية إبداعية تتميّز بالسوداوية والألم... هل تحمل أيّ مفاتيح للأمل؟ وأين تتواجد تلك المفاتيح؟



شخصياً أنا إنسان متشائم. وقد زادتني الحرب تشاؤماً على تشاؤم. لا أريد بيع السراب مع أنني أملك منه الكثير. الأمل غادر قاموسي منذ زمن بعيد. لكنني أتمنى أن يكون المستقبل أفضل. وحتماً سيكون أفضل من الناحية التقنية. أما على مستوى العلاقات بين الدول والجماعات البشرية فلا أمل لدي. ستبقى الصراعات، وتتأجّج الحروب ويموت الناس بالملايين عبثاً.



·       بدا في متن الرواية أن فئة الشباب ممَن انضموا إلى وحدات حماية الشعب كانت فئة صادقة حملت الهمّ الكردي بكل أمانة وإخلاص، رغم أنها لا تعرف شيئاً عن الحرب والسياسة والقيادة.

لم يتلاعبون بعقول الشباب بفلسفات تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر؟!



لا يمكن لشباب يضحون بأراوحهم في سبيل فكرة ما إلا أن يكونوا كما ذكرت في سؤالك. وهذه خسارة كبيرة. فالأكثر استعداداً للتضحية والأكثر إخلاصاً لقيم الحرّية والعدالة يتم استغلالهم والزجّ بهم في حروب ومعارك تبدو ظاهرياً أنها معاركهم. خسرنا خيرة الشباب في جبال كردستان من أجل وهم. وحين نقول هذا الكلام يرفع بعض الناس عقيرتهم ويصرخون في وجوهنا ناعتين إيانا بأوصاف بشعة. الحقيقة المرّة التي نحكيها تموت بين أرجل الفيلة العقائدية ورهط من المنتفعين.





·       «على الدم أن يُراق. فهو وحده الذي سيطفئ الحرائق التي أشعلها الظالمون في أرواحنا». الصفحة (388).

ربّما لا فرق بين الثورة في تونس ومصر وسوريا... ولكن هل إراقة الدماء وظهور التطرّف كفيلان للقضاء على الديكتاتورية في الشرق الأوسط والعالم العربي؟ هل تنبّأت – حدسياً – بهذا الخراب؟



لا أدّعي أنني تنبّأت بهذا الخراب. حقيقة لم أكن أتصوّر أن الأمور ستؤول إلى هذا المآل الكارثي المدمّر. لكني وأقولها بكلّ تواضع نبّهت إلى موضوع عسكرة الثورة وأسلمتها. منذ البداية لاحظت أن شيئاً ما يسير في اتجاه خاطئ، لم أكن أتصوّر أنه الهاوية التي وصلنا إليها. لي مقالات عدة عن هذا الموضوع مكتوبة في العام الأول من الثورة في سوريا. التطرّف نتاج من نتاجات الديكتاتورية. ويتم تدويره لصالح الديكتاتوريات والقوى العالمية. بعبع التطرّف كفيل بأن تبقى الأنظمة الفاسدة المستبدة تتحكّم برقاب الشعوب إلى ما شاء الله. دائماً يتم دفعنا إلى الاختيار بين التطرّف والاستبداد. هذه لعبة قذرة فهمنا خيوطها. نرفض التطرّف ونناضل ضدّ الاستبداد.






·       كنت قد انسحبت من مجموعة دعم السلام برئاسة مبعوث الأمم المتّحدة «الأخضر الإبراهيمي». لماذا انسحبت؟ ولماذا وصفت وجودك فيها بالعدم؟



انسحبت؛ لأنني رأيت أن مشاركتي لا تعدو كونها سياحة مجانية على حساب دماء الناس. كنت أخجل من نفسي وأنا أقيم في فنادق فخمة على شاطئ بحيرة جنيف، أستمتع بمناظر فردوسية فيما أدّعي أنني أشارك في محاولات إيجاد حلول. ثم رأيت أن الموضوع عبثي وتضييع للوقت. لا يمكن لنا أن نوجد حلولاً تقف دول عظمى في وجهها بما أوتيت من فيتو وميليشيات وقوى فاعلة.





·       ما السيميائيات التي تقف خلف قضية غربال الحاج مسلم، وذهابه إلى الحدود يومياً، وغربلة الهواء في كلّ انفجار داخل كوباني؟



واقعنا تلوّث بالحرب. كوباني لوّثتها الغارات التي حرّرتها من قبضة داعش. التحرير كان تلويثاً وتدميراً. وكان لا بدّ من تصرّف سريالي ضد هذا الجحيم الواقعي. لم يجد بطلي المسكين ما يفعله سوى أن يمارس جنونه ويقاوم به واقع الحال. أعتمد في رواياتي على الومضة السريالية. لا أميل إلى السريالية حتى النهاية. أعتبرها نقشاً يزيد من قوّة الرواية الواقعية... الواقعية السحرية أقرب إلى ذائقتي وتجد في كلّ رواياتي آثاراً واضحة منها.





·       نهاية الرواية كانت مأساوية، ومفتوحة الأبواب... إذ قد يتساءل القارئ: ماذا حلّ بباران في بلدة عين عيسى؟ ماذا حلّ بحَمِه الذي اختفى فجأة دون أي معلومة عنه؟

لم تركت هذه الاحتمالات المفتوحة بيد القارئ؟



تركت الأمور هكذا لأننا ما زلنا في وسط المعمعة. لا ندري وليست لنا القدرة على التنبؤ بما سيحدث. الحرب مستمرة. ونتائجها الكارثية ستبقى لمئة عام على الأقل. هناك كثيرون فقد أثرهم في الواقع وليس فقط في الرواية وغابوا إلى الأبد. وهذه الروايات بخواتيمها الغامضة صدى لما حصل ويحصل وسيحصل.


تعديل المشاركة Reactions:
جان دوست لموقع «سبا»: أنا كاتب رحيم أبكي على شخصياتي التي تموت

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة