-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

الثورة






«أتعرّف بالزبون على الإنترنيت. نلتقي بأحد المطاعم ثم أصطحبه إلى غرفتي على سطح البناية، كلّ ساكنيها من النساء اللواتي يعملنَ في الملاهي الليلية. يظلّ الذكر طوال الطريق سعيداً، شبقاً، متشوّقاً لبلوغ مسكني، وما إن يدخل وأغلق الباب وراءنا حتى تتغيّر خارطة وجهه تماماً. أستمتع بعينيه الذليلتين وهو يتأمّل الصور التي تغطّي جدران الغرفة، اللمبة الحمراء وضوءها الخافت في الزاوية، صحن السجائر المملوء على الطاولة الصغيرة المتّسخة بجانب السرير، زجاجات العرَق والويسكي الفارغة، والمنثورة في كلّ مكان. أستمتع حين أشعر بدقّات قلبه ورعشة جسده وهو ينظر إلى الحبل الذي يتدلّى من السقف. يطلب مني الزبائن في كلّ مرّة أن أفكّ الحبل، أفتح النافذة وأن أحضر شرشفاً نظيفاً للسرير، لكن أحدهم لا يسأل عن أصحاب الصور؛ عن الأطفال المشرّدين، عن اليتامى، عن البؤس في أعين العجوز المتربّع على الأرض بجانب خيمته في الصحراء، عن المرأة التي تقلب بالقمامة بحثاً عن طعام في الصورة التي فوق السرير».

تمسك فاطمة بعلبة الدخان الملقى على الطاولة، تأخذ سيجارة بين أصابعها وتكمل: «أقول للزبون بأنني أؤجّره جسدي لأنني أرعى الأطفال اليتامى في الصورة التي تغلق النافذة، وأعرض عليه أن يتبرّع لهم دون أن ينام معي، لكنهم ذكور وليسوا رجالاً. يهربون غالباً، بعضهم يمشي دون أن يقول كلمة وبعضهم يشتمني ويقول بأنني كاذبة وأريد أن أنصب عليه. لا أحد منهم يريد أن يرى الحقيقة. ذات مرّة أغويت أخي الكبير، الحجي المحترم، ربّ الأسرة الفاضلة، شقيقي لأبي. أرسلت له عبر الشات صورة لصبية جميلة، فهرول راكضاً لعندي. ملأتْ رائحة عطره الشارع، ولفتت أناقته مرآى الجميع، هذا الرجل الأربعيني الذي يستضيف شعره الكثيف بعض الشيب، أغوى كلّ بنات البناية بسيارته الفاخرة. فتحت له الباب من الداخل، فما إن خطا خطوته الأولى حتى تغيّرت خارطة وجهه، كبقية الذكور الذين دخلوا هذه الغرفة، حينما رآني بثوب النوم الشفّاف؛ اختفت ابتسامته الواسعة فجأة واحمرّت عيناه، وارتفع صفير شهيقه وزفيره المتسارع كثور في حلبة مصارعة. لم يكن خائفاً كالبقية بل غاضباً. هجم علي كالمجنون وانهال علي بالضرب بكلتا يديه، ضرب رأسي بالطاولة مرّات حتى نزفت، كان يصرخ ويسبّني، وأنا أصرخ وأشتمه بوالده، ظلّ يلكمني على وجهي حتى تعبت يداه، ثم حملني ورمى بي على السرير وحاول أن يخنقني بالوسادة لولا تدخّل حارس البناية».

تشعل فاطمة سيجارتها وتكمل: «لا أدري ما الذي أغضبه صراحة! الصور المأساوية على الجدران؟ بالتأكيد لا، فقد داس صورة والده على مدخل الغرفة دون أن ينتبه إلى وجودها... شرف العائلة؟ لا أعتقد، فهو لم يفكّر بالبحث عني منذ أن هربت من البيت قبل خمس سنوات... أم لأنني كشفته على حقيقته؟ تألّمت كثيراً من الضرب ونزفت لكن سعادتي كانت غامرة، يجب أن يعرف الذكور أن المرأة التي تؤجّر جسدها لكي تأكل، هي ضحية وليست عاهرة، ومَن يستغلّ حاجتها للمال ليشبع غريزته ولا يدفعه لمساعدتها فهو العاهر. كنت أتمنى لو أن شقيقي شنق نفسه بالحبل».

من رواية «رصاصة أخيرة» للكاتب السوري «حسن الخطيب»

تعديل المشاركة Reactions:
الثورة

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة