جان بابيير (النمسا) / خاص سبا
الوسادة
التي احتضنتها في المساء، وجدتها في الصباح مبللة بدموع حلم أجهِض في الشهر
السابع، ولم يجد حتى نائحات فجر لترثيَنها بحزمة ضوء. تتساوى الأشياء في الرؤيا، الحرب،
السلم، السعادة والحزن، فتتجرّع من شفاه الأقداح حلمي حزناً آخر، من بياض الأوراق
ولدت دمعة وأخرى وأخرى...؛ لتشكّل مسيرة نمال سوداء سطوراً تعتمر المعاني الثكلى.
كيف
تنظرون إلى هذه الزاوية من الجريدة صعوداً وهبوطاً، تتأبط بخار الكلمات؟
هذه
الكلمات لم تغسل رؤوسها بيديِّ أمي، ولم ينتظرها أحد في طريق سفر قافلتها يوم بعد
آخر، لماذا نزلت تلك الدموع كبذار في حقل فلاح، وأينعت بسيقانها الفضية في حقل
الهواء الفسيح؟ لم تستحم كلماتي بماء زمزم، بل كانت مياه آسنة من سلالة المستنقعات
الموبوءة بمعاني وتأويلات ترتدي أحذية المجاز الطويلة وتشمّر عن أكمام الكنايات،
لبعضنا، لنا، لهم، جميعاً، لتبثّ قليلاً من الدفء في شتاء العظام، وتستحم بأغاني الشمس لدحر غزو البرد.
ربما
هذه الكلمات تأخذ شكل خيوط البامية هدية من الصيف، تستلقي في ظل جدار مؤونة أخرى
لشتاء العوز في الافتقار أو باذنجان محفور لنحشوه مجازاً آخر، قد تذهب هذه الأسطر
حاملة مناجلها لحصد موسم القمح، وربما تختبئ في القرب على ظهور الحلّابات «بريفان»،
والنقاط حبوب في منقار عصفور ينثر
الأوقات.
تلك
الوسادة كانت لي، والحلم المجهَض كان لي أيضاً، هرب الحلم من وسادتي على عجل، أطلق نفسه من دون أن يعتقني.
العفو
مني لأنهض بالعفو منكم
طقس
آخر لقصة كلماتنا في الحلم المريض.
الكلمات
مثل ركّاب غرباء، يشتركون في مقصورة واحدة أو حافلة، يتقاسمون الجلوس أحياناً في
محطة ما أو يتصافحون في صفحة أخرى كالغرباء ويتودّعون وهم متآخين، وأيضاً يصابون
بالمرض وتظهر الأعراض في ملامحهم في الوداع واللقاء كما العشّاق.
هل
يتعافى حلمي الذي تشكّله الكلمات من الحرارة والضغط، بين نوبات السخونة والبرودة،
ويودّعون المصح منصرفين إلى شؤونهم بنشاط؟ هكذا الكلمات تدخل جسد المتن، وهكذا
تسيل المعاني من مسامات الصفحات؛ لتأخذ حصتها من الصحة والمرض ومن الخمول والنشاط،
وهم يدخلون إلى سوق الصفحات يقايضون السطر بالسطر كالذي يتاجر بتحف نفيسة، ما شاء
من الحب وما شاء من الكره، هي كلمات تصنع
كل ذلك الجفاء والوفاء.
أن
تعصر المعنى مثل ليمونة أو تطحن المسافة برحى الوصال في حياة القارئ الرقمية
لتفرّغ له سلة الفاكهة المعرفية؛ لينتشل من الغياب وردة لقاء لا تنسى مثل قصيدة.
شارفت
على نوبة المخاض تستعيد تلك الذكرى، وسعلت بضيق تنفس في الوداع...، تعلم جيداً طعم
ملعقة الرحيل المر، قد تهش بعَصَا خيالك لتسقط النجوم لك خيال شاعر، تفسّر الدهشة،
تتأرجح بين طفل وفيلسوف لنعد بعيداً عن الأرقام والعطسة اللونية والأشكال
الهندسية! إلى كيفية زرع الوسادة بالنجوم أبعد من خط الحياة في كف الإبداع، لتحرر الكلمة
من حضن الذاكرة الثابت، للقمر يقينه المتحوّل وللحب حركة لا تستقر، هكذا تعتق
ساقيّك من (شروال) أبيك، لعلك تصبح ابن نفسك ويومك، لتدرك أنك خلقت بالحب...، وها
أنت تنبذ تقاليد الكتابة، لتمارس شهوة التدوين جهراً لا كما عادتك السرية، الكتابة
في الحلم تشبه الجماع والتسلق فيها يشبه الاستمناء، لا سر للكتابة ولا جنس، لها
الإبداع لا يعود بتفوقه لهرمونات ذكرية وأخرى أنثوية، بل يعود لنسل الإبداع في كلا
الجنسين، وتبقى النشوة هي النار التي ترتكز عليها شبق الإبداع والرعشة النقية،
الدم المتدفق في المتن قتالاً، هو الحبر
دون نوايا الحب، ويدك بلا أغلال حتى نهايات التدوين...
الحب هو أنت، القصيدة هي أنتِ
خرج
منك إليك
ألجأ
إلى حضن المتن، وتحصّن لكي لا يُجهَض حلمك ثانية،
أحمل
بيمينك وردة زعتر، وبيسارك الأقرب إلى القلب غار يكلل رأس بدعة الخلق في الإبداع، ولا
تنسحب من الخندق، حارب ولا تستسلم، غداً ستزرع حلماً آخر على الوسادة.