بانكين عبد الله / خاص سبا
بادئ ذي البدء علينا أن نراعي الفروقات الفردية وننتبه إلى اختلاف القدرات والإمكانيات التي تّمكن كل فرد من تحليل الأحداث التي تجري من حوله باختلاف أنماط العيش في مجتمعه عن الآخر،وإذ كان يعيش في منطقة الحدث أو خارجها، وما الدور الذي يلعبه من موقعه هذا سواء كفاعل أو مفعول به أو حيادي ومتفرج أو مراقب عن كثب أو منفصل عن الواقع أو...الخ، وفق معطيات زمكانية ذاتية وموضوعية مبنية على دور أقسام العقل البشري ومسؤوليتهم عن الإدراك والتفاعلات والسلوكيات الإرادية واللاإرادية في الفصين الأيمن والأيسر بالقشرة الدماغية وباقي أقسام العقل بأدوارهم المختلفة.
وما دور تلك العلاقة الدراماتيكية التي تربط بين أقسام العقل منها الواعي واللاواعي في بناء قناعاته وتنظيم سلوكياته واتخاذ قراراته (كفاعل أو مفعول به أو حيادي ومتفرج أو منفصل عن الواقع أو ...الخ)، وما هي القوة التي تسير سلوكياته الخاصة والعامة باعتبار أن القوتين المحركتين للعقل البشري هما: قوة السعادة والألم، وذلك بحسب ما ورد في أحد القوانين التي صاغها علم «البرمجة اللغوية العصبية» لنشاطات العقل الباطن لدى الكائن البشري.
وأيضاً علينا أن ننتبه لدور المنطق في الصورة المبرمجة التي نقلتها السيالة العصبية إلى مراكز الترجمة في العقل البشري لكل فرد من أفراد المجتمع عن الواقع وفق المتغيرات الزمكانية الخاصة به والمرتبطة بشكل وثيق بقواعدِهِ المعرفية المبنية على أُسس الدين واللغة والثقافة والقومية والأثنية والجغرافية... الخ، والتي يتشكل منها مجتمعة هويته النفسية وتخلق له معان يقابل بها محيطه الخارجي ويبني عليها علاقاته معهم.
إذاً من الضروري جداً بمكان اعتماد البنية العقلية لكل مجتمع كمرجعية لتوثيق الحقائق قبل الخوض في هكذا نقاش والذي يفضي وبالضرورة إلى الاختلاف على المفاهيم، كونه نقاش فكري جدلي تعود أصوله إلى الماضي السحيق في الأغوار الغائر لتاريخ المجتمعات التي تناسخت وتناثرت عبر الزمن على وجه البسيطة منذ بدء الخلقية ولا زالت حتى اليوم.
وعليّ الانتباه جيداً إلى عدم انزلاقي نحو الرومنطقية في هذا السرد والإيجاز لتجنب الملل، وإلا سأفقد سردي هذا موضوعيتهُ وأقع في فخ المنطق العاطفي النابع من حب الذات لدى الكائن البشري؛ والذي قدم كل قيمه قرابينه وكرمة له. وعليّ أيضاً أن أتجنب الدخول في جدلية الذات – الموضوع قبل ذلك؛ على ألا أجعلها محض اهتمام هذا السرد.
الموضوع وببساطة:
هو العلاقة الوثيقة التي تربط بين الأخلاق والسلطة، ودور كل منهما في المشاكل النفسية والسياسية والاقتصادية والعقائدية والأثنية والعرقية... الخ. وما عانته كل الشعوب والمجتمعات والأديان بسبب تلك المشاكل التي نشبت بفضلها الحروب والنزاعات في تاريخها على يد هذين المصطلحين.
دعونا نتناول الموضوع من وجهة نظر مختلفة وبعيدة عن خوض غمار الحديث عن التعريفات العديدة والمسبقة والمختلفة لكل من الفلاسفة والمفكرين لهذين المصطلحين، ونسلك منحى آخر لسردنا هذا، محاولين قدر الإمكان الهروب من أفخاخ الغموض التي تكثر في طريق سردنا هذا، وتسليط الضوء على الجانب المظل في هذه القضية – السلطة قضية أخلاقية والكل متورط.
ومن أجل ذلك دعونا نطرح جدلاً هذه الأسئلة لإطفاء بعض الإثارة تاركينا خانة الأجوبة فارغة عن قصد ليجيب عنها كل منكم بحسب قناعاته وبحرية تامة حتى نجنب هذا السرد تحوله إلى بحث طويل:
· ما هي العلاقة بين السلطة والأخلاق: تجاذب أم تنافر؟
· هل السلطة والأخلاق شريكان في جرائم المرتكبة بحق المجتمع؟
· أليس الأخلاق هو الضابط والرادع الذي يحول دون ارتكاب الجرائم؟
· أم أن السلطة هي المذنب الوحيد، والأخلاق منها براء كبراءة الذئب من دم يوسف؟
· أم أن للأخلاق دور بشكل من الأشكال في تلك الجرائم؟
لتوضيح مغزى ما نرمي إليه من العلاقة بين السلطة والأخلاق تعالوا لنقم بإلقاء نظرة تفحصية بهدف البحث عن الحقيقة بتجردٍ تام؛ مقاومينا الانصهار في الأفكار الآنية التي ستحاول جاهدة تشتيت انتباهنا عن هدفنا الرئيسي وإصرافنا نحو سروح الخيالات التي سيفرضها علينا العقل العاطفي وتجنبها، حتى نتمكن من استبصار ما وراء السلوكيات الفردية والجمعية في كل مجتمع وضبط إيقاع حياتنا اليومية على النحو الذي نريده بتحجيم السلطة وتكريس الأخلاق.
يكمن جذر جميع المشاكل وفي كل المجتمعات في اللغة المنطوقة والسلوكيات المتبعة بطريقة لاشعورية في حياتنا اليومية بفضل التكرار والتراكم المعرفي المتوارث عن الأجيال التي سبقتنا، وتأثيرها على هويتنا النفسية التي تأتي منها اللغة والسلوك، وذلك نسبة إلى الصنف الأخطر من أصناف الإدراك المذكورة بحسب علم «البرمجة اللغوية العصبية» في أبحاثها وهو: الإدراك اللاواعي.
لذا، ولو قمنا بمراقبة سلوكياتنا اليومية في علاقاتنا مع محيطنا الداخلي والخارجي، وضمن أصغر وحدة مجتمعية (الأسرة) داخلها وخارجها، بدءاً من العلاقة التي تربط بين الأبوين ومروراً بالعلاقة التي تربطهم بالأبناء وعلاقة الأبناء (الإخوة) مع بعضهم البعض ووصولاً إلى العلاقة مع الأقارب والأصدقاء وعامة الناس؛ سنتمكن من ملاحظة أن اللغة التي نتخاطب بها (اللغة الداخلية والخارجية) هي السبب في جميع المشاكل لأنها نابعة من حب الأنا ورغبتها في التفوق على الآخر في كل شيء. بأن نكون الأذكى والأقوى والأفضل والأجمل الأغنى... الخ، لاشعورياً.
لهذا وبناء على ما سبق يمكننا أن نستنبط القول: بأن جذر السلطة منبت من طريقة الفكر العائدة إلى غريزة البشر في حب الأنا لاشعورياً ورغبتها في التملك. وهذه الرغبة والتي ليست بالضرورة أن تكون سلطوية أو خاطئة وقد تكون عكس ذلك تماماً وأن يكون هدف ذاك التملك تمكين الآخر وتقويته، لا السيطرة عليه وتملكه. ويمكننا أن نأخذ الأم مثلاً لذلك.
(إذا وافقت أمك على قرارك بالابتعاد عنها فأعلم أنها موافقة شفهية ولا تعكسه رغبتها الحقيقة أبداً؛ وإنما وافقت نزولاً عند رغبتك تلك).
ولتوضيح الفكرة التي نحاول طرحها جدلاً هنا؛ أبعاد علمية مبنية على النظريات الفيزيائية والقوانين البراسيكولوجية سنقدمها كبراهين نثبت بها صحة وجهة نظرنا حول جذر السلطة ومكامنها في طريقة تفكيرنا التي تنشأ عنها أحاسيسنا وتترجم إلى أقوال تتسبب في أفعال تفرض علينا نمط وسلوك تتخفى فيها السلطة دون وعي منا في اللاشعور. وما هي العلاقة بين طريقة تفكير الأم (مكامن الخلاف هي طريقة تخاطبها مع أبنائها والطريقة التي تفكر بها في تنظيم سلوكهم باعتبارها الأم وهذا ما يبرر لها تصرفاتها وتشرعنها كحق طبيعي بسبب مخاوفها تلك دون أن تدرك بأنها تخلق بذلك حالة من التزمت تنعكس على سلوكيات أطفالها وتبرر لهم تصرفاتهم السلطوية مستقبلاً بداعي العاطفة ونيتها التي لا تبطن أي شر خلفها؛ ستخلق بدورها العديد من المشاكل التي ستفضي إلى نزاعات أكبر) وبين السلطة.
إذاً للحديث بقية نسرده في الجزء القادم لإشباع الموضوع والخروج بنتيجة تفيد في تحسين سلوكياتنا العامة والخاصة.
يتبع في العدد القادم