-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

حسان عزت لموقع «سبا»: التحدي الأكبر في عملي «سباعية خلق»؛ مواجهة العدم بالحب

 


ثمة شيء ينقذني من الارتهان لحدث مهما كان عظيماً، وهو أنني أكتب ملاحم الحرية والحرب

 

 

حاورته: فاتن حمودي

 

تتفرد تجربة حسان عزت الشعرية، بمشاكلتها تجارب شعراء الحداثة العربية مشرقاً ومغرباً. شاعر دمشقي، مهجوس بروح التجديد، الذي لم تتخلَ عنه قصيدته، ولا نصوصه، والتي تشكل  ملامحها، وعلاماتها الفارقة.

 

في البدء كان الشعر، وكان الشاعر يرسم بالكلمات في ليل الوجود، في ليل كوني، في عالم  تراجيدي ودموي وصافع، لا بد من سباعية خلق، لا بد من الشعر لننجو قليلاً.

المتتبع للتجربة، يلحظ الشعر حين يصبح صورة، مقاربة للمشهدية السينمائية، وربما المسرح، والتي تتجسد في زهوة الماتادور هذا العمل الملحمي، الذي يشكل رحلة من الشام إلى الأندلس، ومن الأندلس إلى الشام، وفي نقار الخشب، النص المفتوح على الحب، الرحلة، والعلاقة المرسومة بخطوط حب الأبد.

 

صدر له بعد عقدين من التوقف عن طباعة الشعر «سباعية خلق»، والتي جاءت بعد شجر الغيلان، والتتجليات والزمهرير، وجناين ورد، وغيرها من الأعمال.

«سباعية خلق»، تأتي بعد دهر من الخراب، بكل ما يحمله الرقم سبعة من مرموزات كونية، الرقم الذي نسب إلى الشمس، إلى معلقات الشعر، وعجائب الدنيا، إلى ألوان الطيف، وكأن النص موشور الوجود، وقصائد  تحلق  مثل طيور مهاجرة.

 

وحول الشعر والتجربة، كانت لجريدة وموقع «سبا» هذا الحوار:

 

·       سباعية خلق، هذا العنوان الملفت، حدثنا عن هذا الخلق في مواجهة العدم؟

 

التحدي الأكبر في عملي، «سباعية خلق»، مواجهة العدم بالحب، الحب فيها ليس بوصف سكراً وحلماً، وانطفاءً بل حضوراً كلياً، للروح والذات والطبيعة والحضارة، وهو صرخة الشاعر الأخيرة، أمام كل هذا الوجود، لتكن هذه القصائد المضمخة بإبداع حضارات، تشبه انطفاء النجوم من ملايين السنين، لكننا نرى ضوءها الآن، وأبداً لم أشعر لحظة أنني وحدي، على عظمة التجسد في الحب والفردانية، والبصمة التي لا تشبهها بصمة، فأنا موصول بكل شعراء الحب، الذين أكدوا الحضور وردوا على الفقد.

وهناك ما يسمى بالتعطيش وعدم الوصول والسكنى في المرات الأولى التي يجددها العشاق بمخيال عظيم وتجديد وابتكار وتقطير على مدى العمر كله.


 

·       الغربة، وحرائق الروح في مواجهة العدم، كيف تواجه هذا اليأس؟

الكتابة والحب وحدهما جناحاي. الآن أكتب بالأمل لما سيكون من سلام وأعراس، وأكتب بعين أخرى لما يعانق الأبد على طريق الآلام، وهنا في أبو ظبي كتبت المعبديات والملاحم والغنائيات والسونتيتات، دون الالتفات الى شكل خارجي واهتمامات برانية، همي الشعر الرؤيا والقصيدة، معلقة حلب، لقد تحطم كوكب.

 

ثمة شيء ينقذني من الارتهان لحدث مهما كان عظيماً، وهو أنني أكتب ملاحم الحرية والحرب، لكن أكتب ملاحم الحب والفن والجمال في نفس الآن، أكتب قصائد التفعيلة، وأكتب قصائد النثر، أكتب بالفصحى بلغة كأنها ولدت الآن، وأكتب بالعامية غنائيات نضرة، أريد أن أجدد الجسد الحبيب الذي يغيب فأجعله شعراً وجسداً في القصيدة، أي روح عطر خالد لا يموت فيصير صوتاً وسطور ذهب.

يا سندان العاصفة

يا أشجار الزمهرير

أيتها المواجهة

هيئوا قناديلكم واتبعوني

أنا حامل الليل في طرقات الشظيّة وقائد السوسن في أنهار البجع

أوجه الحكايات للسنابل

معلناً براءتي من التوبة

معانقاً حانيتي في الريّح

أحمل صديق دمي وأغني

مايا.

 

 

·       كتبت القصائد العامية، لا سيما في أوج الثورة، والقصائد الملحمية، كيف نرفع العامي إلى الملحمي؟ بل كيف يلامس العامي تراجيديا الوجود؟

 

نعم صديقتي، اللغة المحكية والعامية تصلحان لكتابة الملاحم، كل أعمال الرحابنة ميشال طراد، طلال حيدر، وجوزيف حرب والحداد في مصر ونجم والابنودي وبيرم، ومظفر النواب ورياض النعماني في العراق وزياد رحباني .

حاولت في النصوص العامية الغناء لأعراس الحرية لشعبي، وعانقت أناشيد عشتار وسومر بالعراضات الباقية في بلدنا، سوريا بصوت الآذان، بابا عمر باب السماء، وقبلها بكثير «لي صديق من كردستان»، والتي غناها سميح شقير.

 


النصوص المحكية حارة مدهشة مفاجئة تزخر بالشفاهي المحسوس وإذا كان شاعرها سليل ملاحم فصحى سيحلق بها في سموات.

 

 

·       في زحمة الكتابة، هل ثمة أسماء تشدك إلى عوالمها؟

 

ثمة أقلام شعرية في قصيدة النثر السورية تشد وتفاجأ، وتسحر، ندى منزلجي، فاتن حمودي، رشا عمران، أيمن مارديني، نجم الدين السمان، والأخيران أيمن ونجم روائيان لكن فاجأا بقصائد نثر ملحمية لم يكتبها الشعراء، على درجة عالية من الإبداع والرؤيا والملحمية، مها بكر، أفين إبراهيم، سليم بركات، ولقمان ديركي، منذر مصري، أضيف مرام مصري، صلاح الصالح.

وقد صدر في باريس كتاب أنطولوجيا الحرب والحرب، لمئة شاعر وشاعرة سوريين، جمعته الشاعرة مرام مصري لقصائد ونصوص صدرت باللغتين العربية والفرنسية، بتوقيع رئيس فرنسا ميتران.

 

قصيدة النثر هي نخلة الرمل واستخلاص ذرات الذهب من الرمل والتثر، وصهرها، وصياغتها فناً، الماغوط، أنسي الحاج في الرسولة، بول شاؤول، سرغون بولص، سيف الرحبي، جوزيه حلو، جوزف دعبول، جمانة حداد، فاتن حمودي، بروين حبيب، جوزف صايغ، توفيق صايغ ساحر اللغة وشقلبة القارئ والقصيدة معاً.

 

 

·       الشاعر حسان عزت متفرغ للشعر منذ أكثر من عشر سنوات. هذا التفرغ كيف انعكس على غزارة الإبداع، بالتالي كيف تتجنب أن تكرر نفسك؟ وهل ثمة كتابة بدون ألم؟

 

التفرغ للشعر اضطراراً بسبب الحصار المفروض على السوري عموماً، وعليّ بشكل خاص، لا أعتبره حرية بقدر ما أعتبره مسؤولية مواجهة للحصار والموت وفسحة لتسبح فيها كلمات وأجنحة الحب والشعر المهدد بالموت...

الشعر هنا لا يتخلى عن اللعب، لكن يرقص باعتباره القدح الأخير في رقصة الموت،

يطلق كما الحلاج صرخته الأخيرة وهو يعبّر عن حال شعب إلى الموت:

اقتلوني

وأنا أصرخ في الفضاء كله،

يا كون

يا سما

يا أرض، ولا أحد، لا أحد.

تلك هي الجمرة التي بعدها لا كلام.

 

 

·       توقفنا عن مراحل شعرية في تجربتك، الزمهرير مرحلة، التجليات وشجر الغيلان، وغيرها... برأيك هل ثمة مراحل في التجربة؟ ما هي ملامحها على مستوى اللغة، وطبيعة القصيدة؟

 


الكتابة الآن غير الكتابة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وأنا مقدم على الانتحار في كلية المدرعات أؤدي خدمتي الاجبارية، وكل أصدقائي في الأسر والمحرقة، ولم يكن أمامي إلّا رقصة المذبوح بين اختناق ومطر، أكتب، أهذي، أرقص... أسمع الموسيقى، أسمع الملائكة... يا طير كارمن، كونشيرتو اراخويز، عصفور النار، عبد الباسط، خوليو، ماريا كالاس، كارمينا بورانا، الأوديسا، ايرين باباس، زوربا، مذابح فلسطين وسوريا والغجر شرق المتوسط... والكون المغتلي بصباحات الضباب الدامي.

أرقص، أبكي، أعي لا أعي، وأنا مدجج باحتباسي وبدلة الجندية والاصطفاف الصباحات قبل كل شحاذي الأرض؛ لنؤدي تحية العلم، كمحكومين بالإعدام قبل الرمي. كيف لا أعانق روح لوركا وهو ينظر إلى حبيبته القمرة، وهو تحت طلقات الرصاص.

الكتابة المحمومة، بلا ترتيب، الكتابة المعادلة لانسلاخ الروح وبلد على هاوية إبادة. الكتابة بلا ألم، مَن قال أنّ الألم ملاءة كون نتغطى بها طيلة الوقت؟ الألم نسبي، قصير كالطلقة، كاشتعال النار، والألم واقعي واستعاري، حقيقي وشعوري. الألم برق وقصف ورعد واحتباس وزمهرير حمّى وموت. الألم أنا، أنت، أهلنا الذين غيبوا والذين غابوا. الألم شعبنا أرضنا ضحايانا. الألم كوكب الأم الأرض... الكوكب الألم هو ما نكتب ونحترق حطاماً، الألم حروفنا السوداء وأرواحنا بألف لون وطائر ملون مقتول، الألم جحيم ونايات مخنوقة. وتقولين الكتابة بلا ألم... وكل هذا الجحيم المنصوب في القصيدة وكل هذه الجراح.

 

 

·       بين «شجر الغيلان»، و«سباعية خلق» أكثر من ثلاثين عاماً، تجربة كتبت بأماكن وأزمان مختلفة، حدثنا هذه التجربة.

 

في الشعر موت وولادة وما بينهما مرحلة الضوء وللهفة وأول تحولات الوبر، بشراسة ولد بري خجول قرأ القرآن والشعر الجاهلي، والشعر العربي والجنبي، والكردي المترجم،  وأراد أن يقول بعد عجاف التمارين وتقليد الكبار.

كتبت «شجر الغيلان في البحث عن قمر»، ميرلادا وداعاً وجبيل والغربة قصيدة حب تحمل رائحة بيبلوس لبنان، «أيتها الغجرية البكر متى تلامسين شفتي؟»، وخلية الكوكب وشهادة المغني بتلويحة الفصول، بالغزال الاسكندراني، حيث اللغة العصية الغالبة والحالمة والحنون، كنا نجرب بعد أن قرأت تجارب كثيرة، درويش وآنسي الحاج والماغوط وسليم بركات...

والكتابة بنزف التجليات، والموقف من كراهية تلفّ كلَّ شيء إلى خلاص بالمطهر، وفي البدء كان الحب، ثم الحرب والكراهية، وبعد خدمة الجيش الإلزامي، كتبت «الزمهرير»، طائر الأوقات العاصية وأنشودة الجندي، قصائد مكثفة، مختلفة كلياً عن التجارب السابقة، بعد ذلك «جناين ورد»، نصوص وقمر، ووردة الشبهات، وعمل شعري للأطفال «حواري الورد».

 

وفي الغربة التي تمتد عشرين عاماً، كتبت الكثير من النصوص والقصائد، المساورات، وسباعية خلق، وفيها قصائد ملحمية، ترنيمة نقار الخشب، زهوة الماتادور، لا أعرف صوغ الكلام، بوليرو الحب والحرب، وغيرها، هنا كان للقصائد انزياح آخر نحو الكوني، والأسطوري، والحب والحرب، في مساحة الرمل وتشقق الذات تحت حربة قراصنة تحاول اغتصاب لوكريتس، وهنا بمقبرة النخيل ووردة الرمل ولا أعرف صوغ الكلام، بالربيع الذي تأخر دهوراً ولم يفاجئ الشاعر وفاجأ الناس وطلع بأعراس دم، وهنا اختلاط الصحو بالنوم بالولادة بالقتل بالإبادة الملاحم بالسونيت العامية بالفصحى بالسيمفوني بالمارشات بالمطري بالعشقي التفعيلة بالموسيقا الجنائزية، ودائماً معبديات الحب والروح والحياة...

 

 

·       أين نحن الآن، ولا سماء نقف تحتها؟

 

أكاد أصحو من حلم طويل، طويل بعد ألف كورونا مرئية وفاجعة، على كورنا صامتة تشمل الكوكب، ويتحقق معها انفراط الحلم السوري وانطراشه على كل جدران كوكب الأرض بكورنا لا تنفع معها كل الأسلحة والمبيدات، وأنا ما زلت أحمل ناي الأبد المكسور، وأقول صباح الشام يا وردة التاج بنت الحمودي، وأنا لا اعرف صوغ الكلام سيدتي، وما زلت إلهاً صغيراً يُتأتئ بشفتيه، ويغني، وهدهد لها بالأغاني، ونحن نعيش في عالم على كبره هو أشبه بقرية، وها هي الكورونا تؤكد، والأسئلة الكبرى والقلق الإنساني وما يهدد الجنس البشري وأمنه وسلامه واحد، فلماذا الترجمة؟ ولماذا لا أرى ماركيز عربياً؟ ونيرودا معلماً؟ وفي الشعر الإنساني والأممي، ولوركا صنوان روحي وشقيقي، ودرويش رفيق درب التطلعات والروح...؟ ولماذا لا أرى السينما وكل فن؟ وهذا لا يعني الانخلاع عن خصوصية وملامح ثقافة شخصية لكل إقليم ولكل شعب، وأبداً لا أحد يستهين بما وصل إليه الشعر العربي من تجدد وإبداع، وإن كان المناخ الآن يعبر عن أزمة فنون لأن كل المناخ لدينا مأزوم، ونعاني من حرب إبادة ومواجهة انقراض أمة، إن لم تنتهِ من حروب وكالة، وتنهض بمشروع كلي.

أما عن القصائد التي تستعاد بقراءات لتفهم، فالمتعة لا تعريف لها والشعر مطلق، والفهم نسبي، والشعر كالموسيقا ليقرأ ويستعاد، كالعشق والمرأة والفضول، والمقامرة والعبادة وآي الذكر، لينقلنا إلى سماوات لا تطال ويرفع ذوقنا ووجداننا الى جنات لا ترى.

نصوص العشق عندي كالمساورات، وكمن يحرس الورد، وبوليرو الحب والحرب وزهوة الماتدور، ترنيمة نقار الخشب، وشرفات الخلق، وعشرات الأناشيد، أشعر بأنها ستكون كالخمر، والفردوس البكر وتصبح خمراً لأنها جديدة لي ولغيري، وأشعر وبكل صدق كأن أحداً أعلى ومرفوعاً كتبها.

وهنا أتذكر ما قاله لي الشيخ العلامة حسين شحادة، الذي طبع لي كتابي التجليات: «أنت تغرف من البحيرات التي غرفت منها النبوة».

 

عندما نستطيع تحويل حياتنا وآلامنا بكل تفاصيلها إلى أغنيات نكون وقتها قد اقتربنا من الطريق الصحيح، وهنا أذكر مقطع من ترنيمة نقار الخشب، تصف الشاعر الذي يتحوّل إلى مسرحي فيرقص يرقصه الكياني:

«يقولون أنه كان يبرّحُ به الشوقُ، والوجدُ يضنيه، كان يشعل في كوخه العود والندّ، ويتماهى في حضرة الحبيب على ترتيل عبد الباسط وأناشيد الميلاد، وعلى وقع القياثر يروحُ يرقص رقصه الكيانيّ، فيضرب الأرض بقدميه حتى تهتزّ من تحته الأرض فتتطاول وتتطاول، ويرجّ بيديه السماء فتنخفض وتدنو حتى تعانق الأرض، ثم يروح يصلي رقصاً، ويرقص دمعاً وشجواً، حتى ينزل المطر سبعة أيام، فيأخذه الحال، فلا يعرف الليل من النهار، ويشفّ حتى يصبح مثل رقاق المزاهرٍ، ويتهاوى سكران مثل ورق خريف ساقط».

 


 

تعديل المشاركة Reactions:
حسان عزت لموقع «سبا»: التحدي الأكبر في عملي «سباعية خلق»؛ مواجهة العدم بالحب

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة