-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

أصل العلاقة بين تفكير الأم والسلطة (ج2)

 


بانكين عبد الله

 

من هو المتهم بقضية السلطة هذه؟ وما هي أصل العلاقة بين تفكير الأم والسلطة؟

عند هذه الأسئلة توقفنا عن سردنا سابقاً في الجزء الأول من هذه المقالة الذي عنوناه تحت اسم: (السلطة قضية أخلاقية والكل متورط)، لنعود إليه اليوم للخروج بنتيجة تفيد في تحسين سلوكياتنا العامة والخاصة، وتعيد بناء هيكليتها على أُسس قويمة تكرس الأخلاق وتنبذ السلطة.

 

إذا وافقت أمك على قرارك بالابتعاد عنها فاعلم أنها موافقة شفهية ولا تعكس رغبتها الحقيقة أبداً؛ وإنما وافقت نزولاً عند رغبتك تلك.

هنا لو حللنا الشطر أعلاه متقمصين دور الأم في الدفاع والحماية والرعاية غير المشروطة لأطفالها؛ سنجد أن قيامها بجميع هذه الوظائف دون شروط عائدة إلى غريزة الأمومة لديها. ولو نظرنا في ما ورائيات سلوكياتها تجاههم سوف نلاحظ أن رغبتها في إبقاء أطفالها إلي جانبها دوماً وعدم خروجهم عن سيطرتها نابع من حبها لهم وخوفها عليهم، لا رغبة في التملك. وهذا ما قصدناه في الجزء الأول من المقالة في قولنا «بأن جذر السلطة منبت من طريقة الفكر... ويمكننا أن نأخذ الأم مثلاً لذلك».

 

ومكامن الخلاف هي طريقة تخاطبها مع أبنائها والطريقة التي تفكر بها في تنظيم سلوكهم باعتبارها الأم، وهذا ما يبرر لها تصرفاتها وتشرعنها كحق طبيعي بسبب مخاوفها تلك دون أن تدرك بأنها تخلق بذلك حالة من التزمت تنعكس على سلوكيات أطفالها وتبرر لهم تصرفاتهم السلطوية مستقبلاً بداعي العاطفة ونيتهم التي لا تبطن أي شر خلفها؛ ستخلق بدورها العديد من المشاكل التي ستفضي إلى نزاعات أكبر. وبهذا ولو عدنا إلى النص السابق أيضاً في حديثنا عن علاقة أقسام العقل البشري وأدوارهم في تنظيم السلوكيات. وأيضاً لو تناولنا موضوع انتصار العقل التحليلي على العاطفي بصحة قراراته المبنية على الدليل والبرهان لا العاطفة؛ مع اتساع الشرخ بينهم قبل حوالي ستة آلاف عام قبل الميلاد ومع ظهور أسواق المقايضة بعد الثورة الزراعية، سنكون قد أشرنا وبكل وضوح إلى مرجعية السلطة العائدة إلى طريقة التفكير ودور الأم فيها لا شعورياً رغم خلو نيتها من القمع أو المنع بهدف السلطة – التملك بعيداً عن السياق التاريخي لمراحل تطور العقل البشري.

 

طبعاً هنا لسنا بصدد اتهام الأم بقضية السلطة تلك، وإنما أخذناها مثالاً لنوضح به علاقة الأخلاق بالسلطة وجذرها. ولو أردنا الخوض في نقاش يدور حول هكذا موضوع (الاتهام) ربما يكون الأب هو المتهم الأول بالعودة إلى المتغيرات التاريخية في المجتمعات وظهور السلطة فيها كأدلة ضده.

 

لذا وبالعودة إلى مثال الأم وطريقة تربيتها لأطفالها على أخلاقيات مجتمعها والتي تبطن السلطة في ما روائياتها السلوكية لما تفرضه من تمايز جنسي وطبقي واثني وطريقة تفكيرها نفسها والتي تعتبر أخلاقية إلى أبعد حد – وهي قيامها بوظائفها ومسؤولياتها – تجاه أطفالها بأفضل شكل ممكن مما تملك من خبرات ومهارات تقدمها لهم، وحرصها على تفوقهم فيها ليكونوا الأفضل بين أفراد مجتمعهم وتفتخر بهم دون أن تعلم أن طريقة تفكيرها تلك هي تكريس السلطة لا شعورياً في ذواتهم التي تنشأ على حب الأنا الذي يكمن في طريقة تفكير الأم ورغبتها بأن تكون الأفضل والأجمل... كحق مشروع لها في هذا السياق  كأم.

 

ولو عرفنا الأخلاق بطريقة علمية وجردناه من مفاهيمه المتداولة بين عامة الناس والتي تقتصر على بعض السلوكيات المقيدة بقيود العادات والتقاليد والأعراف والدين (كالعيب والحرام والشرف) وتعمقنا في بواطنها العلمية واتخذنا من طريقة التفكير مثالاً لنشرح عليه فكرتنا في العلاقة بين السلطة والأخلاق، وبالعودة إلى ما بدأناه؛ سنتمكن من تلخيص بعض المفاهيم التي قد نجمع عليها لنخرج برأي موحد يفيد في هذه القضية (السلطة قضية أخلاقية والكل متورط). لذا سنتخذ من قوانين البراسيكلوجي قاعدة نبني عليها مختبرنا لتشريح تلك الفكرة ولا بد لنا أن نستعين بالفيزياء الحديثة في ذلك كما نوهنا في مقالنا السابق.

 

باعتبار أن الكون كل مترابط بعلاقات تكافلية تضمن الصيرورة الوجودية لكل الموجودات المادية والمعنوية، واستناداً على نظرية النسبية العامة (أبعاد الكون) وفيزياء الحديثة «كوانتم» بأن عملية الرصد تؤثر على الواقع في تجربة الشق المزدوج «تجربة كوبنهاجن» فأن الفكرة بكينونتها تؤثر على الواقع باعتبارها عملية رصد للأفعال وتفرض عليها الطريقة والشكل بحسب المعاير المجتمعية التي أسلفنا ذكرها والتي تعتبر تلك الأفعال أخلاقية أو غير ذلك عندما تتجسد في الواقع بفضل عملية الرصد تلك.

 

بمعنى، عندما تفكر في أمر ما  بغض النظر عن نوعه بطريقة سلبية أو ايجابية تصدر منك ذبذبات تلك الأفكار إلى الكون الخارجي باعتبار الكون كل مترابط بحسب فيزياء الحديثة كوانتم والنسبية العامة وباعتبارنا أحد أهم تلك الموجودات الكونية ضمن ذاك الترابط وهناك علاقة مباشرة ووثيقة بين عقلنا الباطن – أللاواعي وبين الكون الخارجي بحسب قوانين البراسيكولوجي في علم البرمجة اللغوية العصبية؛ فإن تلك الأفكار ستنتقل وتنتشر فيه وتتعرض لعملية مراقبة (رصد) كونية تفرض عليها شكل وطريقة معينة وتتجسد في الواقع عند التقائها مع نٌظريتها (يمكنك أن تقرأ عن التخاطر – تخاطر الأفكار لتفهم هذه المعادلة بشكل أفضل) من تلك الذبذبات الفكرية في المحيط الخارجي. وهنا يكمن جذر العلاقة بين السلطة والأخلاق في اللاوعي واللاشعور الإنساني لحظة تفكيره بقضية ما بطريقة سلبية أو ايجابية.

 

وللتوضيح أكثر فأننا بحاجة إلى إعادة التذكير بطريقة تناولنا لمصطلح الأخلاق من الناحية العلمية باعتباره يمثل كينونة التفكير، بعيداً عن الصياغات المتعارف عليها كتعريفات سائدة من قبل الفلاسفة والأديان أو علمائها والذين قد نتفق أو نختلف مع بعضهم مسبقاً في بعض التعريفات.

 

أصبح مصطلح السلطة متداولاً وبأريحية بين الجموع ومصاغاً بتعريف خفي يعرف نفسه كضرورة حتمية تتوقف عليها مسير كل العلاقات الفردية والجمعية، وكحقيقة مثبتة بالدليل والبرهان بفضل التجارب المتكررة، غافلين عن حقيقتها التي تكمن خلف قناع الواقعية التي جعلته مألوفاً بفضل التكرار – وهو أحد أهم قوانين نشاطات العقل الباطن – والذي يقول: (أن أي فكرة تضعها في ذهنك سوف تتسع وتنتشر من نفس النوع) مما جعله ينتشر ويتسع بكل الاتجاهات بحلقات تداخلت مع حلقات الإدارة وتخفت خلفها حتى غدت تُعّرف نفسها بها وأقنعت العامة من الناس بحتميتها المطلقة في تسيير أمورهم اليومية والحياتية وأنه الضمان الضامن لصيرورتها فضلاً عن الدور الذي أنيط به عبر الزمن بعد تفوق المنطق التحليل على المنطق العاطفي في صحة رأيه المبني على الدليل والبرهان عبر التجربة.

تعديل المشاركة Reactions:
أصل العلاقة بين تفكير الأم والسلطة (ج2)

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة